رؤية ونداء في ضوء بيان اليونسيف: الأطفال والطفولة في العراق بخطر داهم نتيجة الخلل البنيوي الشامل وتفاقم الأزمات الهيكلية لنظام الطائفية الكليبتوقراطي
صدر عن منظمة اليونسيف بفرعها الخاص بالعراق تقرير جديد تثير الأرقام الواردة فيه ترويعا وهلعا للمجتمعين العراقي والإنساني برمته .. وبودي تسجيل ندائي هذا للتنبيه على المخاطر المحدقة بنا إذا ما أهملنا القضية وتغاضينا عن أولوية معالجة الفظاعات الجارية والتصدي لما يتعرض له أطفالنا. إنني أهيب بالمجتمع المدني العراقي وحراكه الإنساني لأخذ زمام المبادرة وأهيب بالعوائل العراقية لإيجاد وسائل لا تنتظر من قوى الظلام والتجهيل والتخلف أن توقف جرائمها من دون مواجهة صريحة شاملة وقادرة على الحسم.. أذكّر أن معظم ما يرد هنا من أرقام يعود لليونسيف وللإحصاءات الرسمية فتخيلوا كم هي الحقيقة مرة ومريعة ومهولة!
أكدت الأرقام المهولة التي أعلنتها اليونسيف بشأن أوضاع الأطفال والطفولة في العراق تفاقم التهديد الذي يتعرض له أكثر من 3,6 مليون طفل عراقي أو ما نسبته خمس أطفال العراق. إن نسبة 20% من أطفال البلاد تتعرض اليوم “لخطر الموت والإصابة وللعنف الجنسي والتجنيد القسري في الاقتتال الذي تدور رحاه بمشاركة ميليشياوية وغطاء التحريض المتلفع بالقدسية الدينية؛ فضلا عن جرائم الاختطاف والتشغيل بأعمال خطرة والظروف التي تُكرِه تلك الملايين على ترك الدراسة والتسرب منها”.
ولقد تضخم عدد الأطفال المعرضين لخطر تلك الخروقات خلال الـ 18 شهراً الأخيرة فقط بحوالي 1,3 مليون طفل. وهناك أكثر من 4,7 مليون طفل [أي ثلث أطفال العراق] بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية بكل تفاصيلها، في وقت تواجه العائلة العراقية تدهوراً شاملاً في الظروف المعيشية عقب العمليات العسكرية الجارية في المناطق الغربية والشمالية.
وأحصى تقرير اليونسيف الذي لا يصل لأكثر من سجلات رسمية لا تتضمن المجريات كاملة، أرقاماً مروعة لحالات اختطاف الأطفال، وصلت 1,496 حالة اختطاف أطفال وقعت على مدى حوالي سنتين خلتا؛ بمعدل 50 طفلا يُختطفون شهرياً، ويتم إكراه عديد منهم على الانضمام إلى القتال أو يتعرضون للاعتداءات وجرائم الاتجار الجنسي بل تصفيتهم جسديا لبيع أعضائهم!
إن ثقافة العنف وسلوكياته اخترقت البيوت الآمنة وأجبرت أكثر من 10% من أطفال العراق أو مليون ونصف المليون منهم على الفرار من منازلهم بسبب العنف المنفلت منذ مطلع 2014، ومع وجود نقص حاد في الأبنية المدرسية وعدم كفايتها لاستيعاب الحجم الحقيقي للأطفال إلا أن العنف الدائر قد خرّب خمس المدارس وتركها غير صالحة للاستخدام، وهكذا ترك التعليم وتسرب من المدرسة نحو 3,5 مليون طفل ومراهق ممن لم يتمكنوا من تسديد تكاليف الاستمرار في التعليم.
لقد أكد الناشطون الحقوقيون وقوى الحراك المدني مراراً وتكراراً في ضوء رصد للمشهد الدامي على مطالب رعاية الطفولة وتجنيبهم تلك الكوارث المأساوية التي تحيلهم إلى قنابل موقوتة في المدى المنظور ستشكل أفواجا إجرامية لا يستقر معها مجتمع محلي أو أممي. ونحن اليوم إذ نلقي الضوء مجدداً على هذه القضية الإنسانية الاستثنائية الخطيرة والمهمة من خلال تقرير اليونيسف ندعو المجتمع المدني العراقي ومنظماته للارتقاء إلى مستوى المسؤولية في التصدي الحازم للجريمة الكارثة ولفظاعاتها والضغط المناسب على الحكومة كي تتخذ الإجراءات الوافية وتستعين بالمجتمع الدولي في معالجة الوضع التراجيدي الراهن؛ ومن أجل ذلك نطالب بالآتي:
- وضع الخطط الاستراتيجية والتكتيكية المناسبة لوقف جرائم القتل والاختطاف والاعتقال والتعذيب والعنف الجنسي والتجنيد في الميليشيات.
- وضع برامج المعالجة السوسيوسايكولوجية وإعادة بهاء الطفولة في عيونهم.
- تخصيص التمويل الكافي للخطط الاستراتيجية التي قدرتها اليونسيف بـ270 مليون دولار أمريكي لحالات الطوارئ في عام 2016 فقط
- توفير الحماية الشاملة للمدارس والمؤسسات الصحية وكل الموجودين فيها.
- التكفل بإيصال المساعدات الإنسانية بلا شروط لجميع الأطفال، بما في ذلك المناطق التي لا تخضع لسيطرة الحكومة.
- إيجاد كل وسائل الوصول إلى الأطفال المتسربين ممن هم خارج المدرسة وتقديم أفضل خدمات التعليم لهم بفتح الصفوف المدرسية الإضافية مع توفير المستلزمات التعليمية وبرامج نوعية فيها اهتمام بالتدريب والتنمية.
- الاهتمام ببرامج التوعية والتثقيف والأنشطة المجتمعية غير المدرسية بما يعيد الصحة النفسية والاجتماعية ويساعد على نمو جيل سليم.
إنّ هذا الوضع المأساوي هو بعينه الاغتيال الفعلي الهمجي للأطفال والطفولة حيث جرى ويجري خطف الأطفال من بيوتهم ومدارسهم ومن الشارع واقتلاعهم من أحضان أسرهم ليتم إخضاعهم لأكثر أنواع الإساءة والاستغلال فظاعةً ووحشية مستنكرة مدانة.. ونحن إذ يعاضد ما تقدمت به اليونسيف نجدد إدانة جرائم الإهمال والفساد الذي تتعرض له الطفولة في العراق وندين فلسفة الطائفية وسلطتها وما أفرزته من كوارث مطالبين بوضع حد لها بمساعدة أممية ترقى لعملية إنقاذ للبلاد وشعبها والانتهاء من سياسة مناشدة الذئب ليترك الضحية أو يحسن إليها تلك التي تتلبس بلبوس الإصلاح وتنسى حاجة الوضع لدبيل نوعي حاسم وشامل!؟
لابد من تحرير الوطن والناس وأولهم أطفال البلاد الذين وصلت معاناتهم إلى مستوى التحول بهم إلى قنابل خطيرة لا تهدد العراق حسب بل تهدد المجتمع الإنساني المعاصر برمته؛ ما يقتضي التقدم نحو تفاعلات جديدة مختلفة نوعيا.. فإلى الحراك المدني نوجه نداءنا: أنْ كفى توهانا في دوائر مغلقة لسياسة باتت تسوِّق للنظام الطائفي ومفاسده فتساهم في إعادة إنتاجه بكل تفاصيل جرائمه! ونؤكد النداء: أنْ انتبهوا إلى مسؤولياتكم أيها النشاطون السلميون من أجل الحقوق والحريات، انتبهوا تجاه هذه الملايين، حاضرها ومستقبلها! كما نتوجه أيضاً بالنداء إلى الأسر والعوائل العراقية، كي يجدوا منافذ المعالجة والتعويض عما بات يفوت بناتهم وأبناءهم بمجالات التعليم والنمو الصحي نفسيا اجتماعيا قيميا والبحث في وسائل المعالجة النوعية الجوهرية التي لا تنتظر الحلول الشاملة تنزل من سماء الطائفيين المفسدين عليهم بمطر يغيثهم..
لنقرأ واقعنا الكارثي ونرتب أولوياته ولنضع قضية الأطفال والطفولة في أعلى أولوياتنا ولنصغِ معا وسياً لنداء يستصرخنا
فهلا تنبهنا جميعا وكافة إلى واقع الفظاعات المحيطة بأطفالنا وبالطفولة في بلادنا وبنا نحن أيضا!؟