يُحتفل سنوياً في الثلاثين من حزيران باليوم العراقي للسلم الأهلي، وهي مبادرة لتعميد هذا اليوم بوصفه رمزاً لخيار العراقيين للسلام طريقاً وفضاءً حيوياً لإطلاق مسيرة البناء والتنمية في إطار عراق ديموقراطي تعددي يغتني باحترام التنوع فيه وبمبادئ العدل والمساواة وروح المواطنة في دولة مدنية لا تتشوه بمحاولات فرض سلطة ثيوقراطية وخطابها الطائفي السياسي بكل ما حمله للعراقيين من مآسٍ…
لقد جلبت السنوات المنصرمة بوساطة قوى الطائفية كوارث متناسلة متوالدة بجرائمها.. فصراعات ميليشياوية وسطو عنفي مسلح وبلطجة ومصادرة لحرية الرأي وإشاعة خطاب الفتن والاحتراب واختلاق لذرائع الصراعات بخلفيات طائفية هي في صميم فلسفة هذا التيار وسلطته المرضية…
وإذا كان زمن الطاغية والدكتاتورية قد أدخل البلاد في حروبه العبثية فإنّ سلطة أحزاب الطائفية قد تابعت النهج العنفي وعملت على التمترس خلف خندقي الطائفية مع تشظيات وتمزقات مضافة داخل الخنادق نفسها. وطبعاً هنا الآلية جرّت إلى حروب الطائفية العبثية بكل تفاصيل دمويتها وما خلّفته من ضحايا من ملايين العراقيين بين التهجير القسري والنزوح وظواهر الفقر والبطالة والتجهيل وانهيار الخدمات والصحة والتعليم..
بمقابل هذا فإن عراقاً جديداً مختلفاً لا يمكنه أن يأتي عبر ذات قوى الطائفية ومآربها ومفاسدها وكل جرائمها. ولكنه سيأتي في ضوء تفكيك بنيتها وآليات اشتغالها القائمة على تمزيق المجتمع بين فرق متناحرة على أسس مفتعلة بالتأكيد. ولكنها لا تكتفي بهذه المفردة إذ من بين مفردات اشتغالها تسترها تضليلا بالخطاب الديني المزعوم وما فيه من طقسيات ما أنزل الله بها من سلطان فيما هي ليست أكثر من بث الحزن والمازوخية، التلذذ بالعذابات والآلام والبكائيات التي تحكم الفرد والمجتمع بسمات السلبية ومن ثمّ تسهيل فرض حالات الإذعان والخنوع لدى المرء المصاب بالسلبية المتفشية كالوباء…
وأبعد من هذا وذاك تنتهج السلطة الطائفية إشاعة ثقافة عنفية بمنطق الثأر والانتقام وردود الفعل الهمجية الانفعالية الحادة، لإدامة سلوك الاصطراع المفتعل والاحتراب العبثي من دون تشغيل منطق العقل والحكمة والبحث عن بدائل تخدم الشعب وقيمه السامية وتتيح له التفرغ لأعمال البناء بدل الانشغال بالسلبي الموتور..
على الرغم من كل ذلك الشعوب تبقى حية لا تموت. وتبقى مقاومتها لأمراض من هذا القبيل وغيره بحالة إيجابية وإن كانت جنينية ببعض الأحيان بسبب وطأة الحصار وعنف البلطجة. ولعل الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته مازال يسمو بمطالبه في حركة احتجاجية مستمرة منذ سنوات وأشهر، كما أن حركته تلك تحولت إلى حركة مدنية شاملة للتغيير.
لقد انتفض الشعب في شباط 2011 وعاود من جديد في 31تموز يوليو 2015 وحتى يومنا؛ مطوِّراً حركته من حركة مطلبية محدودة إلى حركة مجتمعية عميقة لتغيير واقعه المزري الذي أوصلته إليه تلك القوى المتحكمة وفاسدوها.
اليوم لا مجال للحديث عن الدولة العراقية في ظل سلطة الطائفية الكليبتوقراطية؛ بل يجري الحديث عن تفكيك للدولة هرباً من عبثية سلطة الطائفية وما اختلقته من صراعات وفي الحقيقة هناك خطأ قد يقع به البديل عندما يرى أن لا فرار من تفكيك الشعب وتمزيقه بين كانتونات، وهو خطأ لأن تلك الكانتونات ستكون بالضرورة بحال احتراب طويلة الأمد هي الأخرى…
وإذا كان من حق الإنسان أن يختار التخلص من السلبية والجريمة فإن من واجبه التفكر والتدبر بما لا يوقعه والآخرين في ورط جديدة تعيد إنتاج سطوة قيادات الطائفية..
إذن، ما البديل المؤمل؟
هنا بدأت الحركة الاحتجاجية تؤكد تمسكها بالسلمية في أنشطتها المستمرة وبدأ الحديث عن رفع شعارات السلم الأهلي وأفكاره ووسائل تحقيقه بدءاً من وحدة الحركة السياسية ضد تسلل قوى الإرهاب الداعشي وغيره.. تلك الوحدة التي لا تقوم على تكرار اتفاقات برهنت قوى الطائفية على أنها ستتنصل منها بأسرع من جفاف الحبر على الورق وقد فعلتها مرات ومرات! ولكن تلك الوحدة تقوم على مصالحة مجتمعية تُقصي القوى التي تعمدت تمزيق المجتمع واختلاق تخندقاتها التناحرية المفتعلة.
إنّ المصالحة لن تكون بين زعامات مصطرعة على المحاصصة التي تنهب المجتمع برمته وتُخضِعُه لسطوتها.. بل تكون مجتمعية في وسط الحراك الشعبي حيث يساهم الجميع فيه بلا تردد وبلا محاذير مسبقة تجاه الآخر من أبناء الوطن.. وأبناء الجنوب هم أخوة ويملكون ذات الإخاء مع أبناء الغربية والشرقية وبهذا لا وجود لتقسيمات وتشظيات بينهم بمنطق الدولة المدنية ومجتمع مدني ينتمي إلى العصر وحداثته.
وعليه فإنّ ما سيحكم هذه المصالحة وسلطة الدولة ليس سوى منطق الديموقراطية بديلا نوعيا لمنطق المحاصصة الطائفية وقشمرياتها التي ما زالت تقرع طبول التضليل والدجل وتمرغ الدستور وعيش المواطن في الوحل معتقدة أنها يمكنها أن تضحك على الذقون إلى الأبد…
وأشير هنا إلى إسقاط قوى الطائفية القدسية على العملية السياسية بمواصفات مقاولات الشراء والسطو التي فرضتها وكأن من يتحدث عن التغيير من المحاصصة الطائفية إلى الديموقراطية سيرتكب جريمة بحق العملية السياسية وسيأتي بالدكتاتورية!؟ إنها مخادعة تصور وجودهم أرحم من الطاغية وتصوره المجسد الوحيد للديموقراطية!!؟
لكن رد قوى الشعب يتجسد في أنها تريد تطهير العملية السياسية ممن سرقها وشوهها وأعاد إنتاج نظام الاستغلال في إطارها.. ولا وجود لمنطق ولا صحة لرؤية أن بقاء العملية السياسية مرهون ببقاء قوى الطائفية بل لا وجود لعملية سياسية موضوعية سليمة وصحية بوجود من صادرها وسطا عليها بما يرتكب يوميا من جرائم ضد الديموقراطية ومعانيها وآلياتها.. القضية قضية نظام سياسي فعندما رفض الشعب نظام الطاغية الدكتاتوري قرر إسقاطه ولم يترك الطاغية فرصة لإصلاح وكان النظام برمته وعمليته السياسية مريضا معاديا لمصالح الشعب ومثله نظام الطائفية الكليبتوقراطي نظام يعادي الشعب ومصالحه ولابد من تغييره جوهريا.
ومن أجل إدراك حقيقة تناظر وتشابه الجوهر بين النظم الاستغلالية وواجب تغييرها لنتساءل: ما علاقة الديموقراطية ووجود الميليشيات؟ وما علاقة الدولة المدنية وحداثة قوانينها بوجود أحزاب الطائفية القائمة على اجترار خطاب مات منذ 1400 سنة!؟ وما علاقة حرية المواطن وحقوقه بمشاغلته بالحرب العبثية خلف متاريس الانقسام الطائفي!؟
من أجل ذلك وجب إنهاء اللعبة المرضية للطائفية ولحروبها. والبدء بمشروع السلام بوصفه الفضاء الأنجع لحسم المسار باتجاه الديموقراطية. إذ يوم تنتهي الميليشيات وبلطجتها وعنفها وتبقى الدولة الحارس الأمين والقانوني المشروع للمواطن وأمنه وأمانه لا يعود لقوى الطائفية عصاها وهراواتها التي صادرت بها الناس…
وفي ظل السلام لا مجال للتبطل بل تنطلق مشروعات البناء بمختلف الميادين الخدمية وفي الركائز والمشروعات الاستراتيجية والآنية.. وعندها تتم معالجة ظواهر البطالة والفقر وتدور عجلة الاقتصاد المعطلة القائمة على النهب والسلب للثروة الوطنية بطريقة مافيوية مريعة هي الأضخم في التاريخ المعاصر.
ومجدداً نشير إلى عبثية خطاب مصادرة الناس القول: إن هذا ينتمي لفريق أعداء العملية السياسية وذاك ينتمي إلى النظام القديم وثالث إلى ما سيختلقونه من تهم جاهزة.. وهم أنفسهم جوهر ما يمثل أمراض النظام القديم وجرائمه وفيهم من ينتمي إلى فلسفته بينما الشعب براء من كل هذي التهم المصنَّعة لمصادرته وحرياته وحقوقه ومحاصرته في زاية ضيقة لا حراك فيها.. ولنتابع تصريحات زعامات تلك القوى إنها لا تخرج عن آلية التحذير الدائم من البعبع المسلّط سيفا على الرقاب..
كما نشير إلى لعبة التمزيق والقضية لا تطال هنا العرب بين سنّة وشيعة بل تذهب بمحاولاتها المرضية نحو الكورد.. وتستقبل هذا الوفد أو ذاك بطريقة تتعمد الاستفراد بكل طرف كي تهيّئ لحال الانشطار واللعب على تقسيم الجبهة الكوردستانية التي مازالت تئن منها بسبب وحدتها التي تمسكت بها طوال السنوات المنصرمة.
الكورد يمتلكون الثقة ببعضهم بعضا ولا يرون ضيراً من حرية حركة كل فريق فيهم.. لكن ما ينبغي التنبه عليه عاليا وبأولوية قصوى هو ألا يتم الاستدراج إلى بغداد بطريقة حزبية منفردة.. فالقضية لن تخدم حتى مصالح الطرف الذي يظن أنه سيكسب أمراً لوجستيا بفتح الحوار المباشر المنفرد.. لأن الغاية الفعلية للطائفيين، لا تكمن بالحوار معه مهما ارتقت التعهدات بل في اختلاق حرب ستأتي بنيرانها على الجميع ولن يوجد رابح لحظتها..
فاحذروا منطق مشعلي الحرائق ومثيري الفتن والتشظيات ومختلقي ذرائع الحروب.. وتمسكوا بخيار السلام طريقا للانتصار للمطالب العادلة المستجيبة للحقوق والحريات وتلبية كل ما يتطلع إليه جميع أطراف الوجود في الدولة الاتحادية العراقية..
إن السلام المنشود هو الطريق الوحيد نحو الديموقراطية الحقة.. وهو الطريق الوحيد نحو مسيرة البناء والتنمية. وبخلاف ذلك لن يكون سوى إعادة إنتاج لنظام الطائفية الكليبتوقراطي بكل جرائمه وإن بدّل جلده فذلك كما تبدل الأفعى جلدها ليس غير..
وكي يحيا المواطنون بعدل ومساواة وإخاء وكي تحيا المجموعات القومية والدينية بحرية ممتلكة لحقها في تقرير المصير وكي لا تخضع لمصادرة أو تشويه أو استلاب واستغلال لابد من السلم الأهلي طريقا لديموقراطية تسود البلاد وفديرالية تجمع أقاليمها…
إن العراقيات والعراقيين بحاجة لـ(إعلان السلام والديموقراطية) بديلا لما أفسد العملية السياسية وعليهم حزم قرارهم للتخلص مرةً وإلى الأبد من كل أشكال الاستغلال.. ولا خشية على عراقي في هذا التحول كما يخرّف الطائفيون ويصورون، أولئك الساطين على القرار بل حرية العراقيين كافة بضمنهم الضحايا المأسورين في عضوية احزاب الطائفية وميليشياتها سينعتقون في ظلال قيم السلام ومبادئ التسامح والإخاء التي تعني المصالحة مع الذات وتنقية الروح من فتنة الدجل ومنطق الخرافة وتضليلها..
فهلا كان احتفال هذه السنة بشيرا لعام نفتتحه لبناء عراق السلام والديموقراطية عراق الفديرالية وتقرير المصير؟ ذلكم ما سيجيب عنه كل من يعنيه أمر التحرر والتوجه لمسيرة البناء لعراق جديد بكل معنى الكلمة.
روابط حملة اليوم العراقي للسلم الأهلي في عدد من المواقع\حملتنا من أجل تلبية هذا المطلب ليست هبة يوم نحتفل به ونمضي بل هي حملة مستمرة حتى نقيم كرنفال السلام في ربوع الوطن كافة.. فلا تترددوا وتخغت الهمم بل واصلوا نشر الحملة وجذب جماهبر جدد إليها نحن نشتغل بديمومة من أجل ربيع الحياة الإنسانية يزهر في ظلال السلم الأهلي.. تفضلوا بالتوقيع في هذه الروابط ونشرها أيضا وأنتم أنصار السلام أنصار الإنسان العراقي نلبي تطلعاته كافة
رابط حملة اليوم العراقي للسلم الأهلي في موقع الحوار المتمدن يرجى التفضل بالضغط هنا للوصول والتوقيع
رابط حملة اليوم العراقي للسلم الأهلي في موقع آفاز يرجى التفضل بالضغط هنا للوصول والتوقيع