تحتفل شعوب العالم بيوم عالمي مشترك للطفولة. وفيه يجري مراجعة المنجز في خلال العام وما تتطلبه أوضاع الطفولة من واجبات فرضتها القوانين والاتفاقات الأممية بالخصوص. وعادة تكون الاحتفالية مزدانة بروائع المكتسبات لصالح الطفل والطفولة؛ كون ذلك أحد أبرز المهام الإنسانية للمجتمع الدولي في عصرنا.
إننا إذ نحتفل اليوم بالطفل والطفولة نحتفي أيضا باليوم العالمي للوالدين، الذي اختارته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بقرارها A/RES/66/292 في العام 2012، بوصفه مناسبة لتكريم الآباء والأمهات في جميع أنحاء العالم؛ في إشارة إلى التزامهم بنكران الذات من أجل أطفالهم وتضحياتهم مدى حيواتهم من أجل الطفولة الآمنة، بخاصة في ضوء تحمل الأسرة المسؤولية الرئيسة في رعايتهم وحمايتهم؛ ولينموا في بيئة أسرية من السعادة والاستقرار والتفاهم.على أن يجري الاحتفال الرسمي للدول بهذا اليوم في شراكة كاملة مع المجتمع المدني ومنظماته ومؤسساته.
وتنتظرنا على مستوى بلداننا كثيراً من المهام التي يكافح مجتمعنا من أجلها. سواء بشأن توفير الأمن والأمان النفسي والمجتمعي في داخل الوطن أو في المهاجر حيث مخيمات اللجوء وطلب الحماية للنازحين والمهجَّرين قسرياً. فضلا عن توفير شروط العيش الصحي والتعليم المناسب…
ونحن نغتنم كل المناسبات التي تم اعتمادها لتجديد اشتغال المجتمع وتفعيل الدور تجاه الطفولة.. بالإشارة هنا إلى وجود أكثر من يوم معتمد بالخصوص وتحتفل به دول العالم. فلقد اتخذ الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي قراراً في نوفمبر 1949 في مؤتمر باريس، أن يتم الاحتفال سنوياً بيوم عالمي لحماية الطفل. وقد تم ذلك لأول مرة في الأول من يونيو حزيران 1950. ولم يتعارض هذا مع يوم الطفل العالمي الذي اختارته الأمم المتحدة في العام 1954 ليكون يوماً للتآخي والتفاهم على النطاق العالمي بين الأطفال. وقد اعتمدت له، العشرين (20) من نوفمبر تشرين الثاني من كل عام. فيما اعتمدت الجمعية العامة – بموجب قرارها دإط – 8/7 بتاريخ 19 آب أغسطس 1982 في دورتها الاستثنائية الطارئة السابعة المستأنفة، يوم الرابع من حزيران يونيو، يوماً عالمياً لضحايا العدوان من الأطفال في ضوء ما روعها من “العدد الكبير من الأطفال الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء ضحايا أعمال العدوان التي ارتكتبها إسرائيل”.. وكانت دول عديدة تحتفل بيوم الطفل بمناسبة صدور الإعلان العالمي لحقوق الطفل في يوم الخامس 5 من تشرين الثاني نوفمبر من كل عام…
إنّ الغرض الرئيس من اعتماد يوم الطفل، يتجسد بالاعتراف بمعاناة الأطفال من ضحايا سوء المعاملة البدنية والعقلية والنفسية في جميع أنحاء العالم والعمل على معالجة كل ذلك وإنهاء كل أشكال المعاناة والتمييز والاستغلال.
وها نحن نشهد تراجيديا كارثية حلت بأطفال عراق ما بعد 2003؛ إذ باتوا في ظروف معقدة بسبب من تدهور شامل في البنى والهياكل؛ بصورة أقرب لاضمحلال الدولة ومؤسساتها، بسبب من انتشار التشكيلات المسلحة خارج الدولة وعلى حسابها الأمر الذي دفع إلى انتهاكات خطيرة منها تجنيد الأطفال وارتكاب جرائم الاختطاف والاغتصاب والتشغيل بالسخرة أو استباحتهم في أشغال فوق طاقاتهم وبمجالات محظورة\محرمة دستوريا وفي القوانين والاتفاقات الدولية المتخصصة المرعية.
إن أطفالنا اليوم لا يحظون بأي شكل للأنشطة المدنية اللائقة بهم تربويا وبتنمية قدراتهم وإعدادهم المهني والمجتمعي الإنساني. وهم يعانون من ظواهر التشرد ودفعهم القهري إلى الشوارع في أول مرة في تاريخ العراق تسجل ظاهرة أطفال الشوارع بهذا الحجم الكارثي. الأمر الذي وقفت وراءه ظواهر ملايين اليتامى والنازحين والمهجَّرة عوائلهم بسبب الصراع السياسي المفروض من ميليشيات طائفية متخندقة خلف متاريس جناحي الطائفية المهيمنين على الوضع العام.
ولعل النداءات الإنسانية التي ظهرت مؤخراً تؤشر بوضوح انهيار الوضع الصحي للأطفال وتسجيل الولادات المشوهة بسبب التلوث الإشعاعي غب الحروب التي خيضت والأمراض المزمنة والوبائية بسبب القصور في التطعيم الوقائي عدا عن سوء التغذية والخلل في توفير الغطاء العلاجي المناسب .. كما تؤشر انهيار العملية التربوية التعليمية بسبب تفشي سطوة البلطجة وامتداد الأذرع الميليشياوية وأشكال التهديد والابتزاز في المدارس فضلا عن القصور الحاد في الأبنية والتجهيزات وفي توفير الكوادر التدريسية والإدارية إلى درجة بتنا نشاهد فيها مدارس طينية وأخرى من جريد النخيل مما ينتمي لأزمنة غابرة.
ولا نجد لأطفالنا ساحات وملاعب في الأحياء والضواحي بل نجد مهاجع للجريمة التي تستغل الطفولة بأبشع المظاهر والجرائم. كما لا نجد لهم لا مسارح ولا معاهد للأنشطة الفنية والرياضية بقدر ما نجد معامل بدائية تستغل طاقاتهم البدنية والنفسية؛ دع عنك ظواهر الخطاب المتستر بالدين من قبيل تحريم أنواع الرياضات والفنون ومن ثم شن الاعتداءات الوحشية على ممارسيها..
الأخطر من بين كل هذا هو جرائم التجييش والعسكرة والتجنيد قسراً في المليشيات بطرفيها الطائفيين من الدواعش والمواعش.. وبالتقديرات المبدئية على سبيل المثال هناك اليوم حوالي الـ20 ألف طفل رهيناً أسيراً في الفلوجة وهم يخضعون لضغوط شتى من العمليات الحربية التي تدك مدينتهم ومن الاحتجاز القهري للدواعش ممن لا يرعوي لقيم أو قوانين؛ ما قد يفضي أما لدفعهم بالكره للمشاركة بالعمليات الحربية أو التعرض لإعدامات ميدانية بالجملة كما حصل ويحصل بالفعل الآن…
تقول اليونسيف: ” إنه لا يزال هناك 20 ألف طفل عالق داخل الفلوجة حيث الأدوية والغذاء والمياه النظيفة آخذة في النفاذ، وفق تقديرات المنظمة… ومنذ بداية العملية العسكرية في الفلوجة، تمكن عدد قليل جداً من العائلات من مغادرتها. وقد نزحت معظم العائلات إلى مخيمين اثنين بينما اتخذ الآخرون مأوى مع الأقارب أو العائلات.. وبينما يستمر العنف بالتصاعد في الفلوجة وكافة أنحاء العراق، هناك مخاوف بشأن حماية الأطفال الذين يواجهون أقصى أشكال العنف. إذ يواجه الأطفال مخاطر التجنيد القسري في القتال واجراءات مشددة من الفحوصات الأمنية والانفصال عن عائلاتهم.”
فيما نادت وتنادي رابطة المرأة العراقية في إطار واجباتها التي تبنتها بحماية الطفولة العراقية وتوفير الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، كي تنطلق مهام توفير المدارس الكافية والتعليم الأنجع والكسوة والغذاء االلائق، وكيما يتم ضمان تطبيق لائحة حقوق الطفل وضمان تنفيذها والتي تنص على حقوق الطفل كافة.. ومنها أن يكون:
– لكل طفل الحق بالإحساس بالأمان
– لكل طفل الحق في أن يعيش حراً كريماً
– لكل طفل الحق أن يأكل أكلاً لائقاً ويتعلم ويتعالج .
وبمعالجتنا الموجزة هذه، نشير بشأن حقوق الطفل أيضاً إلى (اتفاقية حقوق الطفل في عام 1989) بما تكفله من معالجات حقوقية قانونية دقيقة وأهمية تطبيق بنودها والتوجه لوضعها ضمن وثائق العمل بالمستوى الوطني العراقي.. فهي المعاهدة الدولية التي صودق عليها كأحد اتفاقات حقوق الإنسان، ومنها حقوق الحياة والصحة والتعليم واللعب، وكذلك الحق في حياة أسرية مستقرة، والحماية من العنف، وعدم التمييز، والاستماع إلى آرائهم.
لنُفرد لأطفالنا حصة الأسد من جهودنا بخاصة هنا في الظرف الذي نحياه ذلك أن ما يقع عليهم من ضيم وظلم وأشكال التعسف إنما سيخلق جيلا سلبيا ويفتح بوابة لجحيم المستقبل، بسبب الدفع نحو تشوهات نفسية اجتماعية خطيرة.. لندعم رابطة المرأة في اشتغالها وتخصصها ولندعم حملات الدفاع عن الطفولة ولنطالب عمليا فعليا بدعم أممي يمكن أن يساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في الأوضاع المنفلتة الراهنة.
ولعل أول الأشياء هو زيادة وعي السرة ودورها في تطمين الأوضاع النفسية لأطفالنا. وزيادة جهود المنظمات في مراقبة التداعيات والتصدي لأشكال الانهيارات والمشكلات التي تجابه الطفولة.. وصناعة بوابات فاعلة مؤثرة لربط الطفل بالقراءة والكتاب وبالمعارف ومنع الأميتين الأبجدية والحضارية عنه ومنع وقوعه أسير الابتزاز والتهديد والضغوط والاحتقانات.. وعلينا استدعاء كل الطاقات لحملات صحية ورعاية مناسبة لحجم التهديد لحياة الطفل وصحته النفسية والبدنية.
وقبل كل ذلك وبعده يبقى النداء إلى الجميع: هلا تشاركنا في برامج نوعية متخصصة بهذا الاتجاه؟ هلموا إلى فعل بحجم المعاناة.. هلموا قبل أن يكون الزمن قد مرّ ويسبق السيف العذل فحينها لات ساعة مندم!