بعنوان
كاظم حبيب : الإنسان، الأكاديمي، المفكر\ في يوبيله الماسي\عقود العطاء وسنوات التحدي 75
قدمت مداخلتي في احتفالية تكريمه بعيد ميلاده الخامس والسبعين في أربيل وذلك عن مسيرته النضالية وعطاء فكري مميز له.. هذه المادة التأسيسية التي تم إضافة شروح ضافية إليها في أثناء تقديم المادة بقاعة وزارة الثقافة الكوردستانية.. نسجلها هنا بمناسبة ميلاده وهو يتخطى الثمانين مستمراً بعطائه الثر
مرحى باحتفالية التكريم ومؤتمر الثقافة وملتقى الحوار الفكري الأصيل.. مرحى بالذين وقفوا وراء هذه الاحتفالية والذين تبنهوها وعمودها وجعلوها أمرا واقعا.. مرحى بالمشاركين اليوم يحتفون بالفكر التنويري يدافعون عن ثقافة الإنسان وجماليات وجوده.. مرحى بكم تحتفون بمفكر نبيل سام كبير رمزا للاحتفال بالمبدعين.. مرحى بالمفكر البروفيسور الدكتور كاظم حبيب الذي نتشرف أن نوسم بأخوته وصداقته بحجم قامته الباسقة كنخلة سومرية أصيلة وكهامة جبل كوردستاني شامخ.
أجدني للانطلاق بورقتي هذه حاسما، متجها بها لا إلى مجرد توصيف مناسبة مهمة تستحق التوقف بل بالاتجاه بها إلى استثمار المناسبة ذاتها لصالح استكناه الشخصية المكرمة من جهة والإفادة من الموقف في تبني فكرة التكريم وتعميدها في تعزيز مسيرة حركة ثقافية أكاديمية فكرية تلتزم المنطق العقلي التنويري المتفتح المنفتح على معاني التعددية والتنوع وعلى معاني احترام الآخر من منطلق المساواة الأعمق إنسانيا بجوهرها…
وقبيل هذه القراءة الموضوعية دعونا نتتبع استكناه ولادة شخصية مفكر علماني ديموقراطي يساري.. وطبعا من دون أن نفصل بين الذاتي والموضوعي هنا كما هي الحقيقة في الحياة التي نعيش تفاصيل يومها العادي. محاولين الانتباه على ألا نتحيز في توصيفنا وتناولنا كما هو حال بعض المعالجات التي إما أن تكون مع أو تكون ضد بحسب طبيعة العلاقة الشخصية البحتة…
ستبدأ الورقة في مرحلة ثلاثينات القرن المنصرم: طبيعتها وتطورات أحداثها الأبرز بما يتصل تحديدا بالولادة البيولوجية للأكاديمي بروفيسور حبيب والولادة المقابلة موضوعيا للحركة السياسية اليسارية. ثم سننتقل إلى تداعيات النمو المتعايش للشخصية وللحركة في محيطهما العراقي والأممي.
هذه مسألة طبيعية لأننا نريد أن نؤكد حقيقة أن التكريم يجري هنا لمجمل منجز (حبيب) الفكري النضالي ودوره المميز في مناصرة قضايا الديموقراطية وتقرير المصير للشعوب ومن ذلكم كونه من بين أبرز من حمل لقب صديق الشعب الكوردي لحجم دوره نوعيا في معاضدة تطلعات الكورد لتطمين مطالبهم الإنسانية والقومية التحررية. وهنا يسجل الملتقى حضورا لجمع مهم من منتجي الثقافة والفكر النابع من حيوات الناس وهمومهم ومطالبهم وتطلعاتهم.
[إن كل حاضر هنا هو رافد من روافد هذه الثقافة تقدمية الهوية إنسانية الجوهر]
ندري أنّ تكرر اختناقات الدورة الاقتصادية وأزمة الرأسمالية التي أدت للحرب الكونية الأولى جرى في عشرينات القرن الماضي وصعدت بُعَيْد ذلك الفاشية الأداة العنفية والوجه المسلح لنظام السوق (الحرة). وتعمقت حال الانفصام بين تخندقات الصراع و تزايدت راديكالية التفاعلات وتبادل السجالات، فزادت معامل الفرم لآلة الطحن الجهنمية وزاد معها عدد الضحايا في جميع الميادين وحجم الآلام ونوع المعاناة.. أما هنا حيث الشرق الأوسط.. فكانت تجري، ولو خلف كواليس الأخبار، ولاداتُ أجنة في أرحام بلدان المنطقة.. بعضها يمثل شرعية الوجود الإنساني وعلاقاته السليمة وبعضها متأتِ ِ من افتعال مصنّع أو خاضع لتأثيرات ستلده مشوها ما عرّض الأوضاع لهزات عدة حروب وزلازلها طوال العقود التالية للنصف الثاني من القرن المنصرم. وعراقيا جاءت التفاعلات ليس بعيدا عما كان يجري دوليا وإقليميا.
في تلك السنوات كان حزب اليسار والديموقراطية قد أعلن في ضوء تراكم النضالات النقابية المطلبية وتحولها نوعيا إلى العمل السياسي. وسيجري طوال الثلاثينات والأربعينات عمل دائب لتطوير أشكال النضال السياسي الديموقراطي اليساري والظهور العلني عبر أحزاب مسجلة رسميا في المشهد العام. إنّ ذلك لم يأتِ من فراغ ولم يكن ممكنا تسيير المظاهرات في وسط جيوش الجهل والتخلف وفي كنف غابات تحتكم بقوانين سلطتها الهمجية.. وأبعد من ذلك في ظروف الحرب الكونية الجديدة المشتعلة.
وكون ذلكم لم يأتِ من فراغ؛ فإنه جاء وليد إمكانات العمل السياسي العلني والسري ومن رحم معاناة طاولت الناس في حيواتهم وتفاصيل يومهم العادي.. ومن خبرة أحاسيس العيش نبعَ الوعي ملموسا بمعنى الانتظام جمعيا في حركات ذات برامج عمل منضبطة تقوم على توظيف المعرفة، على تبني الفكر العلمي، على تبني مبدأ السير خلف المتخصصين من مفكري العمل السياسي والاقتصادي وجعلهم المرجعية للعمل العام واتخاذهم بوصلة في تبيّن الأمور وكشف حقائقها المتخفية.
طبعا لابد من القول: إن شبيبة تلك الأيام كانت من الحيوية والتفاعل مع برامج العمل ما جعلها تعطي وتضحي من أجل تقريب زمن تحقق الآمال والأماني.. كما أن نظرة تلك الشبيبة كانت وليدة روح رومانسي متفتح..
[سنلاحظ الأمر تفصيلا في موضع لاحق بالمعالجة التالية]
اتسم الوضع العراقي العام في النصف الأول من القرن العشرين بالاعتدال في التدين ومن ذلك في المدن التي تكتسي طابع المزارات الدينية.. ومن الطبيعي ألا تمتلك تلك المدينة آنذاك لا دور السينما ولا المسرح ولا المكتبات، وفي هذا الوسط، ولد الدكتور كاظم حبيب في كربلاء في ربيع العام 1935 لعائلة لم تمارس العمل السياسي الحزبي لكن الوالد شارك في الأعمال التجارية منها التي كان لها علاقة بتزويد الثوار بالعتاد إبان ثورة العشرين. أما بشأن التعليم فكغالب الحالات كان تعلم القراءة والكتابة يتم عند شيوخ تعليم القرآن لكن كاظم حبيب سيدرس الابتدائية و الثانوية في كربلاء. يومها تميز في حب الكتابة فأصدر جداريتين هما السراج والمعلم تناولت موضوعات عامة وأخرى خفيفة من حياة الطلبة ما يعكس طبيعة الوعي الأولي المبكر..
لقد التجأ الفتى كاظم إلى القراءة ولم يوفر مجالا من دون ولوجه؛ فقرأ الأدب والفلسفة وكراسات السياسة ونفذ إلى الكتّاب الروس والفرنسيين مثلما انهمك في متابعة نتاج الكتّاب العرب. وهو ما وفر خلفية تفتح أممي كانت أرضيته موجودة في واقع المدينة من خلال وجود فقراء أمم وشعوب بجانب المزارات الدينية من أفغان وفرس وعمليا كانت تربط مفكرنا علاقات مباشرة بشبيبة من الأفغان واليهود وغيرهم.. الأمر الذي ساعد على دفع التعصب والتشدد بعيدا وهيّأ فرصا مضافة لليسار العراقي كيما يلقى تفاعلا أكبر من ذلك الذي حصده الفكر القومي أو المتشدد…
[أذكر هنا بقضية اليهود والفرهود طبعا ستتشكل رؤية بشأن المجموعات الدينية علاقة شخصية مباشرة تتيح التعرف إلى السمات السلوكية الرائعة وإلى المواقف الفكرية السياسية الإيجابية فلماذا التعنت والوقوف ضد مثل هكذا بشر ألمجرد أنهم يهود أو ممن يسمونه أقلية؟] تأجيل الملاحظة
حسنا، في مجتمع معتدل التدين أكثر ما يسود هو قيم التصوف من زهد وتسامح ومن بنية روحية شفيفة أقرب إلى القيم الرومانسية..
وفي مجتمع إنقاذ المحرومين تتأصل قيم النبل والفروسية الرومانسية الأصل..
في مجتمع تسود فيه حالات إغلاق ومحاصرة للمشاعر وللعلاقات الإنسانية المتفتحة يُحدث اختناقات وردود فعل محتدمة؛ الثوري هنا سيحمل حلمه في التغيير بروح رومانسي شفيف يتمرد على الجمود على التحجر والتحنط، وتغلي فيه التفاعلات القوية من أجل محو أمراض محيطه وتصحيح مسارات وجوده…
وعلينا أن نتلمس هذا العمق الرومانسي في كثير من شبيبة تلك المرحلة، تحديدا منهم من سلك طريقا ثوريا للتغيير. في عمر الشباب شارك كاظم حبيب في المظاهرات اليسارية مبكرا، ويبدو لي أنه كان يقع تحت عدة تأثيرات أولها رومانسية التمرد على ذاك الواقع قد يساعدنا في تبين هذا الأمر ولوجه المظاهرات الأولى في حياته من دون قرار أو تخطيط مسبق.. والسؤال كم من الحلم الرومانسي ما زال حتى اليوم بعد كل مسيرة الألم والوجع الواقعي لعقود سبع خلت؟
في الحقيقة اسمحوا لي هنا أن أشدد على فكرتي هذه كيما أشير إلى اختلاط الرومانسي بالواقعي في مراحل عديدة من مسيرة البناء الروحي وتأثيرات ذلك فكريا سياسيا وما سيطبعه على الحركة السياسية بتعدد تشكيلاتها اليسارية وغيرها. وتداعيات السؤال تلمّح لا إلى الجانب المرضي من الفلسفة الرومانسية بل إلى جذب جماليات هذه القيمة حاملها باتجاه العمق الإنساني بصفاء قيم التسامح والإخاء وبروح التضحية..
[[دعوني أسجل جانبيا مثال حالات التعاطي مع الإيقاع الشعري مع الأغاني وما يحب منها ويهوى ومقدار تأثير الاستماع المتكرر للعزاءات وقبلها لصوت قراءة القرآن بل اعتياد قراءته طويلا ومرارا.. وأذكر بالمشاطرة الوجدانية في مناسبات التعازي وملامستها شغاف المشاعر الداخلية عميقا.. ربما يجد بعضهم في هذا تعارضا ما؛ ازدواجية أو ما شابه لكنني لا أعتقد ذلك]]
[[بالمناسبة: إنّ وجود العناصر الديموقراطية ذاتها على مقربة من ممارسي الطقوس الدينية في أثناء الزيارات والتعازي، على الرغم من التعارض الشكلي، إلا أن ذلك كان يتيح فرصة الاتصال المباشر وربما التأثير على تفاصيل الحياة المشتركة لمجموع الفقراء المتشاطرين في هذه الطقوس حيث التخفيف من غلواء وآليات الأداء التي تتضمن أفعال إيذاء بدنية وغيرها..كما كان يقعل الطلبة بمواكبهم]]
من هنا وجدنا الشاب كاظم حبيب مدافعا أمينا عن مبادئ السلم ورفض العنف والحروب عبر جهوده في حركة السلام ووجدناه الأقرب لتسلم مسؤولية تنظيم الطالبات حيث عميق الثقة والأمانة والقدرة على التعاطي مع الحال إيجابا… لكن المسحة الإنسانية لا تتقاطع عند الثوري مع فاعلية أو احتدام عنفوان العمل السياسي.. وسنجد حبيبا في عضوية اتحاد الطلبة العام* [التعليق بشأن: معنى وعي الطلبة وتقدمهم في مجتمع متخلف معرفيا ثقافيا ومعنى الانتساب إلى منظمتهم] والحركة الحزبية يترأس الأنشطة الاحتجاجية الجماهيرية بذات القدر من الاندفاع الذي مارسه في الأعمال الثقافية الفنية باشتراكه في الأعمال المسرحية النادرة التي تم تقديمها في حينه في مسرح المدرسة الثانوية الوحيد بكربلاء في بواكير كسر الجمود الثقافي. وكانت تلكما من العلامات المهمة لحجم الربط بين الثقافي التوعوي وبين العمل الحزبي السياسي وهو التمرين التأسيسي الأول الذي سيتصل لاحقا ويزدوج في الممارسات التالية لكاظم حبيب فلا تقف جهوده السياسية عند حدودها الحزبية المحدودة بل تنفتح ثقافيا فكريا على عمق فلسفي بعيد[ما يخص العلاقة البنائية بين الثقافي السياسي أو العكس بين من يتبنى التفاعل إيجابا وتلك الجهات التي تسلط سيف السياسة وعنفها على رقاب الثقافة وسلميتها]…
وحبيب بوصفه نموذجا لسلمية الأهداف والسلوك: لنقرأ في موضع آخر، وجوده فدائيا بيشمركة مقاتلا مسلحا في حين مسؤوليته حقا وبشكل رئيس في الجانب الفكري الثقافي سياسيا إعلاميا. وعندما نتمعن في أدائه سنجده هكذا يحمل تلك التركيبة الرومانسواقعية بمعنى الإنسانية التي تتطلع للاستقرار والسلام ووقف أشكال العنف والاحتراب ولكنها في الوقت ذاته التي لا تقبل مساومة عند تعلق الأمر بقرار مواجهة حاسمة حازمة مع القوى العنفية كما في تصديه للطاغية وقوات الدكتاتورية..
أقتطع هذه الكلمات من إحدى مقابلاته:
“ هل يحق لنا تمجيد الشهادة بالقدر الذي يدفع بالمناضلين إلى طلب الشهادة في النضال الوطني.
لقد فقدنا الكثير من الناس الطيبين في معارك الأنصار لأسباب لا يمكن تبريرها بأي حال. وأشعر اليوم بالأسى الشديد على فقدان هؤلاء الناس الأوفياء لوطنهم وشعبهم ولحريته وسلامته.“
وقبيل أن نضع أنفسنا في هذه العجالة بمواجهة الجوانب الأكاديمية الفكرية سيكون مفيدا الإشارة إلى موقفين تشكلا عند مفكرنا هما:
- الموقف من حرية المرأة الذي جاء متقدما مذ بواكير انشغالاته السياسية الاجتماعية.. إذ لم نجده يتحدث عن محيطه الإنساني المباشر ولا غير المباشر إلا بخصوصية في ذكر المرأة.. ويبدو لي أنه كان عائليا يمتلك تلك “الخصوصية” في علاقاته ما نقل سمعة إيجابية ملموسة تدريجا باتجاه محيطه الأوسع.. وسنتلمس جانبا واقعيا في معالجاته بتسجيله ملاحظته في نتائج عكسية لفرض التشدد والروح المحافظ على العلاقات بين الجنسين وما سينجم من رد الفعل الذي قد يقود لتشوش تلك العلاقة علما أن شبيبة تلك المرحلة كانت تقتنص لحظات اتصال بين الطرفين اقتناصا مستثمرة فرص الحركة وخروج المرأة من البيت في المناسبات الدينية المحدود تكررها كل سنة. إشكالية الموقف من المرأة يمكن أن تقرأ حتى في اختياره الشخصي لبناء عائلته الصغيرة، وهذه السمة أو العلامة تشير إلى موقف ثابت لا ازدواجية فيه بين النظري والتطبيقي، بين الموضوعي العام والذاتي الخاص… ومثل هذه الخصال هي ما تنبني عبرها وبها شخصية المفكر القائد الاجتماعي السياسي.. وهي بالمناسبة مسألة نادرة، ما يعطينا حق الفخر بنجم شخصية كــ كاظم حبيب…
المرأة وحقوق الإنسان في كتابة الدكتور حبيب هنا أحد نصوصه منقولة لتأشير عمق تناوله ومعالجته:
“””المشكلة المركزية التي واجهت وما تزال تواجه مجتمعنا العراقي بصدد المرأة العراقية تبرز في خمس نقاط جوهرية, وهي:
- التخلف العام الذي يعيش فيه المجتمع اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً والذي تفاقم مع هيمنة البعثيين على السلطة والهيمنة على الدولة والمجتمع والتعليم والثقافة وكل مجالات الحياة الأخرى. إضافة إلى استعادة الروح والتقاليد والأعراف العشائرية الضيقة مكانتها في البلاد على حساب المجتمع المدني وحرية الفرد.
- عدم حصول عملية تنوير ديني واجتماعي في العراق وفي جميع الدول العربية والتي تعكس تأثيرها المباشر على سلوك الإنسان امرأة كانت أم رجلاً. وبالتالي فالمؤسسة الدينية, سنية كانت أم شيعية, ورجال الدين عموماً, إلا البعض منهم, كلها عوامل تلعب دوراًُ سلبياً في حرمان المرأة من حقوقها وإخضاعها لهيمنة الرجل.
- المجتمع الذي نعيش فيه مجتمعاً ذكورياًُ يخشى المرأة ودورها وتأثيرها في المجتمع وبالتالي, فأنها تشكل الخصم بدلاً من أن تكون الند المتساوي والمشارك الفعال في مختلف مجالات وجوانب الحياة.
- طبيعة علاقات الإنتاج المتخلفة السائدة في البلاد وضعف القوى المنتجة المادية والبشرية وتخلف وعي الإنسان بحقوقه المشروعة والمقرة دولياً وإقليميا ومحلياً.
- ضعف القوى الديمقراطية بعد الضربات القاسية التي تلقتها منذ سقوط الجمهورية الأولى وإقامة الجمهورية البعثية الدموية في العام 1963 وما بعده.
كانت حقوق الإنسان في العراق مداسة ومسحوقة بجزم الدكتاتوريات العسكرية, وخاصة حقوق المرأة, ومنها حق الإنسان في الحياة والعمل والكلام الحر والتعبير عن الرأي …الخ. والآن وبعد سقوط الإنسان أقرت مجموعة من الحقوق, ولكن الإنسان, الرجل والمرأة, لا يستطيع ممارستها عملياً ومداسة بمداس جمهرة من رجال الدين وميليشياتهم المسلحة, وخاصة حقوق المرأة. وهي إشكالية كبيرة جداً ترتبط بتخلف الإنسان في قدرته على فهم حقوقه والدفاع عنها من جهة, وباستبداد الحكام وغالبية الأحزاب السياسية بسبب غياب الديمقراطية عن حياة المجتمع والفرد.
المرأة العراقية في الدولة العراقية مضطهدة من الدستور والدولة والحكومة والمؤسسة التي تعمل فيها ومن المجتمع والرجل في البيت والشارع والعمل. إنها بالنسبة لغالبية الرجال, وخاصة المتدينين منهم لا تزيد عن أن تكون أداة أو موضوعاً للجنس من جانب واحد, من جانب الرجل, ووسيلة للعمل في البيت والمطبخ, وعليها أن تحصر نفسها في سجن العباءة واحتجاب الوجه الكامل, إنها مأساة المرأة العراقية. والمشكلة أن كل ذلك يتم باسم الإسلام والإسلام بشكل عام براء من هذه القيود الحادة والمتشددة إزاء المرأة. تصوري أن أباً أو أخاً أو ابن عم أو ابن خال أو عم أو خال يقتل ابنته أو أخته أو خالته أو عمه لأنه شك في وجود علاقة لها مع رجل. حتى في الإسلام لا يمكن البرهنة على الزنا إلا بشهود أربعة, شاهدوا الفعل ذاته بأم عيونهم وليس غير ذلك, ولم يحصل ذلك, بل كان القتل يجري على الوشاية والإشاعة والشك, والمثال الذي أوردتيه يؤكد ما أقوله. تابعي ما يجري للنساء وما تمارسه الجماعات التي تشكل مليشيات المهدي وأتباع مقتدى الصدر في الموقف من النساء وما يرتدينه في المناسبات العامة, إنها المأساة التي تعيشها المرأة بعينها. ويمكن أن نرى ذلك في مواقف القوى الإسلامية السياسية المتطرفة الأخرى التي تمارس الإرهاب في العراق أيضاً. تابعي كيف يتم جلد النساء والرجال في إيران, إنها مأساة المسلمات والمسلمين بسبب ما تمارسه المؤسسة الدينية وبعض رجال الدين في حياة المجتمع المسلم.
ومن هنا يتبين لنا بأننا جميعاً بحاجة للعمل من أجل تغيير الإنسان ذاته, وكما هو معروف فتغيير ما في النفس أصعب بكثير من القيام بثورة اجتماعية. نحن بحاجة إلى تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتنوير ديني لكي نستطيع بها تغيير الفرد وعقليته وموقفه من نفسه, سواء أكان رجلاً أم امرأة.
الإنسان, سواء أكان رجلاً أم كانت امرأة, يفترض أن يبقى هدف التغيير وأداته في آن واحد. وإلى أن يتحقق ذلك يتطلب منا النضال لإصدار قوانين ديمقراطية ذات مضمون تقدمي عبر نضال دؤوب ومتواصل يمنح المرأة حقوقها, ويضع في يديها سلاحاً قانونياً للنضال من أجل تلك الحقوق. إنها عملية معقدة ولكنها ممكنة, ويفترض أن تمارس المرأة هذا الدور إضافة إلى الرجل, وما نعاني منه اليوم هو الدور السلبي للمرأة المرتبطة بقوى الإسلام السياسي والتي ترفض الاستجابة لمطالب المرأة الاعتيادية والديمقراطية من منطلق حزبي ضيق وديني أضيق. ولكن يمكن ترويض هذه المجموعة من النساء من خلال العمل في قواعدها وخوض الحوار السلمي والديمقراطي معها وتبيان فوائد التمتع بالحقوق كاملة غير منقوصة.””””
- الموقف من المجموعات القومية والدينية وحريتها وحقوقها. مرة أخرى بودي التوكيد على أن الموقف من القوميات الأخرى غير التي ينتمي إليها بروفيسور حبيب نفسه تنطلق من مبدأ متأصل عميقا في شخصه ذلكم هو الإيمان الصادق بحق الإنسان فرديا وجمعيا في حريته ومن ثمّ حق الشعب في الحرية والانعتاق وواجب مساندة الآخر من أجل تلبية حق تقرير المصير. إن فلسفة تأييد الشعوب في حقوقها العادلة تتأسس من أن حق الأنا وحق الانتماء إلى قومية أو شعب أو حق أمته التي ينتمي إليها لا تكتمل إلا عند قيامها على مبدأ المساواة مع كل الشعوب الأخرى وعندما تمَّحي أية فرصة لشعب أو أمة كيما يتجاوز بحقوقه على حقوق الآخرين.. فأية أمة يتم الاعتداء باسمها على أمة أخرى لا تكون ظالمة حسب بل مظلومة مستعبدة وبهذا سنجد أن إيمان السياسي الديموقراطي كاظم حبيب بحرية أمته وشعبه يؤكد واجب تحرر سائر الشعوب والأمم والعيش المشترك بمبادئ السلم والمساواة والإخاء. ودعوني أؤكد حقيقة هنا تتمثل في تصدي هذا المفكر بفلسفته الأصيلة للجرائم التي ارتُكِبت باسم أمته وتفعيل دور ما ينهض به سياسيا بخطاب عميق وجذري لا يتحرج أو يجامل على حساب حقوق الأمم والقوميات الأخرى.. وبالمناسبة لطالما اضطر المفكرون أن يتجهوا لاستخدام خطابات غير فلسفية للتعبير عن معالجاتهم لسببين الأول يكمن في قطع الصلة بين الخطابات الفلسفية الفكرية وجمهورها والآخر يكمن في قطع صلة من نمط آخر بين المفكر (المنظر) والسياسي لنظرة استعلائية من السياسيين بالذات الذين كانوا في سدة الحكم في النظم السابقة وأحيانا في قيادات بعض الأحزاب السياسية وثقافتها المشوشة.. هذه القطيعة هي جزء من عملية تقليم أظفار ومحاصرة واستلاب للدور المرجو في زمن يفترض ألا نكون كذلك ولكسر مثل هذا الحصار وهذا الاستلاب يضطر المنظرون لتنويع خطابهم وينشغلون في الخطاب السياسي إيصالا لمعالجاتهم ورؤاهم في زمن تشترك أمور أخرى في محاصرتهم مثل الجهل في فهم النظريات التي يبدعون وصعوبة التعاطي مع الخطاب الفسلفي في وسط من الأمية الثقافية إن جاز التعبير. [طبعا لابد من القول أن تعدد الأدوار لشخصية مفكر وتوظيفه خطابات سياسية وغيرها أمر لا ينكر على أنه بوجهه الآخر جهد مضاف]
بالعودة إلى رؤية الدكتور حبيب بهذه القضية لنقرأ:
في حواره مع الدكتور منذر الفضل ما يقوله بشأن موقفه من القوميات المتآخية في إطار فديرالي بالعراق:
“إن احترامي لقوميتي العربية ومطالبتي بحقوقها كاملة غير منقوصة هو الذي منحني طاقة الاحترام والتأييد الكامل لحقوق الشعب الكردي ومطالبتي بمنحهم حق تقرير المصير بما فيه حق الانفصال وتشكيل دولتهم الوطنية المستقلة على أرض كردستان“.
ثم يقول:
“لم يكن العراق يوماً ما ملكاً لدين أو طائفة دينية دون غيرها بل هو ملك الشعوب القاطنة فيه رغم أن بعض النخب السياسية قد هيمنت على العراق بقسميه الكردستاني والعربي لسنوات طويلة وتحدثت باسم القومية العربية والطائفة السياسية دون غيرهما, ولكنها أذاقت الشعب العراقي كله بكل قومياته, مر العذاب والموت والحرمان. ورغم أن تلك النخب الحاكمة في ظل النظم الاستبدادية والرجعية قد اضطهدت الشعب الكردي واضطهدت عرب الوسط والجنوب من أتباع المذهب الشيعي طويلاً وكثيراً, إلا أنها لم ترحم الناس الطيبين والغالبية العظمى من أتباع المذهب السني في العراق, لأنها كانت سلطة فردية شمولية ونظام دكتاتوري عفن يكره ويصفي كل من يقف ضده بغض النظر عن قوميته ودينه ومذهبه وعشيرته أو حتى قرابته“.
“ويبدو لكل ذي عقل حصيف وعاطفة دافئة على مستقبل العراق إن هذا الشعب العراقي […] قد كره ورفض تلك السياسات القومية الشوفينية والعنصرية أو السياسات الطائفية المقيتة التي تميز بين المواطنين على أساس القومية والدين والمذهب, وأنه يتطلع إلى ممارسة سياسات أخرى تؤمن بحق المواطنة لكل العراقيين, لأن الدين يا سيدي لله والوطن للجميع”. ولهذا فمن غير المعقول أن يتحول العراق من اضطهاد طائفي باتجاه معين من قبل نخبة جائرة إلى اضطهاد طائفي باتجاه آخر ومن نخبة أخرى تريد ممارسة الجور أيضاً رغم الادعاء بغير ذلك. إذ أن مثل هذه السياسات ستقود إلى تأجيج الصراع الطائفي بين المذاهب الإسلامية القائمة ليدمر البلاد كلها دون أي وعي وشعور بالمسؤولية الوطنية على العراق الجديد الذي تصور ويأمل الكثيرون أن يكون وطناً للجميع دون استثناء.
فقط وددت التوكيد في ضوء هذا العمق والموقف الإيجابي أن اقول: إن الخطاب اعتوره من باب غير مقصود ما يشير إلى انتساب نظام أو مجموعة طغمة حاكمة إلى طائفة محددة بالقول غالبية السنة وهذا أمر يشير إلى أننا لم نصل بعد إلى موقف فكري فلسفي حاسم يوقف التقسيم الطائفي بالقول إن الفكر الطائفي يظل واحدا ولا علاقة له ومن يمثله بالمرجعية المذهبية الدينية على الرغم من تعكزه على الادعاء بتمثيله المجموعة المذهبية في دين أو آخر..
[بالمناسبة قبول التقسيم ولو عفوا ومن دون قصد يهيئ لقبول وضع المرجعية الدينية فوق السياسية ولفسح مجال تدخلها في الحياة العامة]
بودي بقوة التنبيه على أن الطائفية فكرا تقسيميا مرضيا لم تنتمِ يوما إلى دين أو مذهب بل كانت دائما وستبقى قوة سياسية تتستر بالديانة سواء اليهودية أم المسيحية أم الإسلامية.. لنتذكر أن المذهب الديني هو اجتهاد في إطاره المخصوص دينيا ويتحدد بالخطاب الديني ومطالبه الفكرية وحلوله للأمور العقدية في إطار الدين.. أما الطائفية فكرا سياسيا فهي معالجة سياسية بحتة تشكل ظاهرة الادعاء أو التقية أو التخفي واحدة من أبرز سماتها بدليل مراجعتنا لحروب الطائفية (الحروب الدينية المسيحية في أوروبا) وبدليل مراجعتنا لفلسفة الأحزاب الطائفية لدينا في العراق وربما في لبنان أبعد تاريخا بالخصوص.. لنلاحظ أن من ادعى تمثيل الشيعة لم يحقق لهم منجزا ومن ادعى تمثيل السنة لم يدافع عن حق لهم في حاجة أو مطلب وقد تبينت الجماهير العراقية من فلاحين ومن عمال وموظفين وعاطلين ومن شبيبة ونساء وطلبة أن الطائفية وأحزابها وتقسيماتها التضليلية لم تحقق لهم مطلبا..
دعوني فقط أؤكد اعتراضي فكريا فلسفيا أن الطائفية وجود وفلسفة سياسية بحتة ولا يجوز لنا في خطاباتنا الفلسفية أن نشير إلى كاثوليكيتها أو أرثودوكسيتها أو بروتستانتيتها ولا إلى سنيتها أو شيعيتها فتلكم هي المظاهر الكاذبة التي تزعم لنفسها غير الجوهر السياسي البحت وغير الخلفية أو المرجعية الفكرية حقيقة..
طبعا لا يفوت مفكر كالدكتور حبيب هذه المسألة ولكن إشارتي هنا تتجه إلى توكيد الحقيقة ولا أستطيع هنا بهذه العجالة أن أشير إلى الموضوع أكثر أرجو أن تسعفني الظروف لحديث أبعد
وفي موضع قريب آخر من قضية الموقف الرصين السديد من القوميات المتآخية نشير إلى الموقف من الفديرالية وهي إشكالية ملتهبة عراقيا حتى اللحظة ويوجد من يعارضها بالتمام مثلما يوجد من يفكر بها بطريقة مغلوطة أي يضعها في غير موضعها الصحيح..
في معالجته لإمكان تشكيل فديرالية على اسس طائفية في القسم العربي من العراق، يقول بروفيسور حبيب:
“إن توزيع السلطات إلى فيدرالية جنوبية وأخرى وسط سيجعل هاتين الفيدراليتين أساساً لصراع طائفي مقيت لا في العراق وحده, بل على صعيد المنطقة بأسرها. فسوف لن تكف إيران عن الهيمنة على فيدرالية الجنوب, وليس لهذه علاقة بوطنية أو عروبة العشائر العربية, وأوضاع البصرة الحزينة والمستباحة تؤكد ذلك لكل ذي بصيرة وبصر, كما أن السعودية وغيرها من قوى الإسلام السياسي السنية في العالم العربي لن تكف عن التدخل في شؤون هذه الفيدرالية لتجعل منها قاعدة للصراع المذهبي, وهي الآن كذلك, فكيف بنا عندما تصبح السلطة في هذه المنطقة بيد تلك القوى الطائفية السياسية”.
والأمر بغير حاجة إلى تعليق إذ يرفض الدكتور حبيب فديرالية الطائفية فيما يؤكد بوضوح وثبات قاطع وقوفه مع فديرالية كوردستان كما مرّ معنا لتشكلها على أسس صحية صائبة تماما…
*********************************
*********************************
إن النضال السياسي الذي مشى به ما كان سهلا ميسرا بل اكتنفته اعتقالات ومطاردات والخضوع لأعمال استفزازية وأشكال تعذيب همجية قاسية سواء في ظل الحكم الملكي أم في ظل حكم البعثفاشية في مراحل لاحقة.
*********************************
في الدراسة كان مثابرا ولكنه طبيعيا تعرض للفصل عام 59 فأكمل دراسته الثانوية بتفوق في لبنان واختار الاقتصاد السياسي شخصيا في محاولة منه لمزيد من التعرف إلى آليات الاقتصاد في بناء البلد فضلا عن خلفية قراءاته السابقة التي رشحته لهذا الخيار ولزمالة اتحاد الطلبة في حينه.
*********************************
*********************************
الجانبان الأكاديمي و الفكري
لابد من الحديث هنا عن عمق الموقف الموضوعي الرافض للشخصنة من جهة والرافض للجمود والتحجر والتكبر والرافض للإيغال بالخطأ وعدم الاعتراف به.. في أحد الكتب المنشورة يقول في موضع مناقشة تجربة الأنصار البيشمركة: “إنها تجربة فريدة ينبغي لها أن لا تتكرر ارتُكِبتْ فيها الكثير من الأخطاء والنواقص، وخاصة من القيادات السياسية والعسكرية على نحو أخص؛ ولا أستبعد نفسي من الوقوع بالخطأ ومن تحمل مسؤولية المشاركة في ارتكاب الأخطاء وقد اعتذرت وأعتذر الآن لمن أسأت أو شاركت في الإساءة إليه بشكل من الأشكال أو كنت سبباً في تعرضه إلى الأخطار والمصاعب إذ كنت أحد المسؤولين اًلسياسيين في حركة الأنصار الشيوعيين. “
أما عمق الموقف الواقعي أو الذي يتعاطى مع واقع متحرك متغير لا يقبل التكلس و أما النقد الثابت والراسخ للجمود و أما قوة التمرد.. وأما لو كانت التداولية موجودة في قيادة الحزب في مراحل سابقة و أما الميل لتدعيم العطاء الفكري النقدي فـــهذه جميعها سمات نرصدها في مواقف محددة يتبناها ويجيب المفكر حبيب عنها في حواراته.. لنلخص أبرز آرائه هنا:
“* يقول يشأن النظرية الماركسية وتطبيقها في البلدان العربية بعد أن صوّر بعضهم فشلها في بلدان الاشتراكية: “هناك خطأ فادح شائع في بلادنا وفي بلدان أخرى مفاده أن الماركسية فشلت في التطبيق في البلدان الاشتراكية.. فكيف لها أن تنجح في العراق؟ الماركسية ليست سوى منهج علمي لدراسة وتحليل واقع هذا المجتمع أو ذاك وواقع العلاقات الإقليمية والدولية. إن عبقرية ماركس تكمن في الكثير من المسائل التي توصل إليها, ولكن أحاول أن أركز على عدة نقاط جوهرية أساسية منها, وهي:
- تطويره للمنهج الجدلي الذي توصل إليه هيجل في التحليل وإرسائه على أسس مادية بدلاً من مثالية هيجل.
- استفادته القصوى من المعارف السابقة والمنهج المادي الديالكتيكي لتحليل المجتمع الرأسمالي واكتشاف القوانين الموضوعية الفاعلة فيه والمؤثرة على اتجاهات تطوره, إضافة إلى مساهمته في اكتشاف قوانين التطور الاجتماعي.
- تأكيده الواضح بأن بناء الاشتراكية لا يمكن أن ينجز إلا على قاعدة اقتصادية رأسمالية متطورة ومتقدمة وليس على أرضية العلاقات الإقطاعية. [[هل يعني هذا وقوف الدكتور حبيب موقفا معارضا لبناء الاشتراكية ما لم تتم الرأسمالية بناء أركانها في بلد بعينه؟]]
- تأكيده على أن الاشتراكية لا تبنى إلا على تطور المجتمع الرأسمالي الذي يعني في مجتمع مدني متقدم, والذي يعني بدوره وجود الحرية الفردية وسيادةالديمقراطية في ظل البرجوازية, مع ما في المجتمع من تناقضات. [[ هل يؤكد هذا مضمون تساؤلنا السابق؟]]
- تأكيده على واقع الاستغلال الذي يتعرض له العمال والمنتجين عموماً في ظل الرأسمالية, باعتبار الاستغلال يشكل مضمون النظام الرأسمالي وقانونه الموضوعي.
[[يقول المفكر حبيب:]] “من هنا يتبين بأن حرق المراحل لم تكن من ضمن تصور ماركس, كما أن ماركس لم يتوسع في دراسة المجتمع اللاحق للرأسمالية, إذ أن ذلك لم يكن ممكناً, بل كان تحليله الأساسي للرأسمالية القائمة في أوروبا. ومن هنا نفهم الأسباب الكامنة وراء عودة الرأسماليين في الدول الرأسمالية المتقدمة إلى دراسة كتاب رأس المال لكارل ماركس. ومن هنا يمكنني أيضاً القول بأن الذي فشل في العالم هي تلك التجارب التي تخلت عملياً عن فكر أو بتعبير أدق عن منهج ماركس وسقطت في أحضان الفكر المبتذل والتحليل السطحي المعبر عن الإرادة الذاتية وليس عن الواقع القائم وتحليل هذا الواقع واتجاهات تطوره [[هل يصدق هذا 100% على النظم الاشتراكية؟ تساؤل الآلوسي]]. ومن هنا كان السبب في فشل تلك التجارب التي لم تربط بين العدالة والحرية الفردية, والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات[[هل كانت أخبار العناية بالقوميات ولغاتها صورة مفبركة خارجية ماذا نسمي التطور الحاصل في البنى العامة لمختلف الشعوب واقتصاداتها طوال العقود التي عاشت في ظلال النظام الاشتراكي؟ تساؤل الآلوسي]]. إن المدرسة اللينينية قامت في روسيا وعلى أرضية علاقات إنتاجية إقطاعية وشبه رأسمالية لم تتطور بعد, وأريد لهذا المجتمع أن يحرق المراحل صوب الاشتراكية والشيوعية, مما أدى بعد مرور ما يزيد عن سبعة عقود ونيف من السنينً إلى السقوط تحت ثقل العبء الداخلي, إضافة إلى التأثير الخارجي.[[هل تولد العبء الداخلي من قيام الاشتراكية على أنقاض مجتمع شبه اقطاعي شبه رأسمالي أم من أمور أخرى؟ وما الإشارة المختزلة للتأثير الخارجي؟ تساؤل الآلوسي]]
نقد ثابت وراسخ للجمود وللمركزية والانفصام عن الواقع والناس
يقول الدكتور حبيب”فكر العدالة الاجتماعية لم يسقط بسقوط تلك النظم السياسية, بل أن الذي سقط هو الفصل القسري بين العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والشمولية أو الاستبداد الحزبي والفردي. لقد كان الإنسان وسيبقى يناضل في سبيل هذه المثل, وأن التجارب السابقة ستساعده في المستقبل على تجنب تلك الأخطاء القاتلة, وعلينا أن ندرك أيضاًً بأن العدالة الاجتماعية ليست مطلقة بل نسبية, وهو ما لا يجوز نسيانه بأي حال. لقد فرضت اللينينية نفسها على الحركة الشيوعية العالمية واعتبرت ماركسية القرن العشرين, ولكنها لم تكن كذلك. كان لينين عبقرياً ولكن في ظروف بلاده وارتكب ما يكفي من الأخطاء في حينها وكان المؤسس الأول لتلك الأخطاء التي تعمقت بوجود ستالين ومن يماثله على رأس الحزب والسلطة. وكان أكبر تلك الأخطاء تعميم النمط الروسي على أنه دولي وقابل للتطبيق في كل البلدان والظروف. وقد انتشرت أساليب ستالين وعممت على جميع الأحزاب السياسية التي كانت في السلطة, أو تلك التي لم تكن في السلطة وفي الكثير من الأمور بما في ذلك وقبل كل شيء عبادة الفرد والفردية والمركزية الديمقراطية ودكتاتورية البروليتاريا والديمقراطية الشعبية …الخ, التي انتقدتها في حينها روزا لوكسمبورغ وقالت عنها أنها لا تسعى إلا إلى خلق مصفقين ومؤيدين للمسؤولين في الدولة وفي السوفييتات.“
[[الآلوسي: ومع ذلك يبقى السؤال هل حقا كان النظام الاشتراكي منفصلا عن هموم الناس حاجاتهم تطلعاتهم حقوقهم؟ لأن هذه الإجابة ستغير مفاهيم عديدة]]
الآلوسي: محاور للمعالجة في أثناء المحاضرة المسجلة صوتيا:
تعميد الاستقلالية
طبعا هناك أمور تنظيمية لكننا نتحدث عن الشخصية من وجودها وسلوكها وقيمها وقرارتها
ما الدور الذي يتركه حبيب في محيطه \في الشبيبة \في الفكر السياسي \في الوضع العراقي
مطلوب ماكنة استشارية تجمع هذه الكوكبة كيما تتخذ القرارات بعيدا عن الانفراد
وعن حكومة السلطة
توصية بتعميد هذا المفكر لأن ذلك سيجذب الآخرين لفعل أقوى
مطلوب استنتاج ما وراء هذا الخبر:
أنجز دراسة كاملة عن النظام الاستبدادي في العراق تحت اسم “الفاشية التابعة في العراق“ وقمنا بطبعه في وادي ” لولان ” حيث كان مقر الإعلام. ثم علمت أن قيادة الحزب قررت حرق هذا الكتاب في العام 1984, أي بعد خروجي الأول من كردستان مباشرة لأكون ممثلاً للحزب في هيئة ومجلس تحرير مجلة الوقت/ قضايا السلم والاشتراكية, وبعد تسليمي مسؤولية الإعلام إلى الرفيق القديم عبد الرزاق الصافي (أبو مخلص) الذي قام بتنفيذ قرار حرق 450 نسخة من الكتاب. وهي أول محرقة لكتاب ضد النظام الدموي في العراق يمارسها المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي في كردستان. وقد تم ذلك دون علم مني ولم أعرف بذلك إلا في العام 2006 حين كنت في كردستان, وما أزال أمتلك نسختين من هذا الكتاب المحروق في مكتبتي الخاصة“””
* ما الثقافة ومن المثقف عند المفكر حبيب وهل الجامعي أو أحد أصحاب الشهادات مثقف بالضرورة عنده؟
المثقف هو إنسان لا يختلف عن الآخرين إلا في أربع مسائل جوهرية:
- مستوى قراءاته المتنوعة واتساع معارفه الإنسانية وقدرته في التعبير عنها في حياته اليومية.
- مستوى وعيه ومدى قدرته على استيعاب الواقع واستخدام معارفه وثقافته في صالح المجتمع الذي يعيش فيه أو أوسع من ذلك, بغض النظر عن طبيعة تصوره لتلك المصالح وأساليب وأدوات تنفيذه.
- قدرته في التعبير عن مكنونات ذاته التي يمكن أن تشكل جزءاً من الوعي الجمعي للمجتمع الذي يعيش فيه دون أن يكون بالضرورة مباشراً.
- امتلاكه القدرة على الاستقلالية الفكرية والتعبير بحساسية بالغة عما يقتنع به حتى لو كان ضد رغباته الذاتية ومشاعره الخاصة.
في هذا الإيجاز أقول لا يكفي امتلاك المعارف فقط دون القدرة والسعي لاستخدامها كمثقف, فالحكمة المندائية القديمة تقول “ويل لعالم لا يمنح علمه, وجاهل منغلق على نفسه“. ورغم هذا الإيجاز يصعب على الإنسان إعطاء تعريف عام وشامل للمثقف, خاصة وأن مستوى الثقافة نسبي والزمن متغير.
وأشير هنا بأن الثقافة لا تنحصر في [تخصص معرفي: اختزال الآلوسي] ولكن من يمتلك هذا العلم أو ذاك يُفترض فيه أن يعي العلاقة الجدلية بين مختلف حقول الثقافة الإنسانية وتطورها عبر الزمن وتراكمها لا في مجتمع واحد, بل في جميع المجتمعات, إذ أنها تجسيد (لـ) وتتجسد في, حضارة الإنسان على امتداد التاريخ. والمثقف يفترض أن يدرك مدى أهمية التفاعل والتلاقح بين الثقافات المتعددة للشعوب, وأهمية الحرية والديمقراطية لحياة الثقافية ولإبداع المثقف, إذ أن الفكر الشمولي والنظام الشمولي ليست سوى محاولات فعلية لعملية قتل فعلي للثقافة والمثقف.
الإنسان بحاجة إلى الثقافة كما يحتاج إلى الأكل والشرب والملبس والمسكن, إنها ليست غذاءً للروح فحسب, بل هي الأساس لفهم الحياة ومكانة ودور الإنسان فيها. فالإنسان بحاجة إلى الشعر والقصة والرواية والأسطورة والخرافة والصحافة والإعلام, إلى الرقص والغناء, إلى المسرح والرياضة, إلى العلم, إلى المودة في الملبس والسكن وفي كل شيء, إلى اللغة وتطورها وسبل التعبير فيها وغيرها من جوانب الثقافة الإنسانية. إنها الحياة حقاً.
رؤية حبيب للوضع الاقتصادي الحالي عراقيا:
ـ لا أتلمس أن للحكومة برنامجاً اقتصادياً واضح المعالم وملموس يمكن تنفيذه خلال السنوات الأربع القادمة. ولا أرى صواب مطالبة الحكومة بوضع إستراتيجية بعيدة المدى وخطة اقتصادية تسعى إلى تغيير بنية الاقتصاد العراقي, وبالتالي تغيير بنية المجتمع في المرحلة الراهنة. والسبب في ذلك يكمن في استمرار الإرهاب والعجز عن وضع وتنفيذ خطة عقلانية يمكن تنفيذها, إضافة إلى وجود تأثيرات خارجية معرقلة لمثل هذا الجهد. ولهذا يتعين على الحكومة العراقية والمجتمع, كما أرى, في المجال الاقتصادي إيلاء اهتمام خاص بخطة طوارئ اقتصادية تتضمن ما يلي:
- التفكير بزيادة استخراج وتصدير النفط الخام وتوفير الأموال الضرورية لخطة الطوارئ التي لا تستهدف حالياً وبشكل مباشر تغيير بنية الاقتصاد الوطني, إذ أن هذه المهمة يمكن تأجيلها لأربع سنوات قادمة إلى حين تنجح الحكومة في توفير الأمن وتحقيق الاستقرار والسلام في العراق. وبالتالي توجيه موارد مالية لتأمين المصالحة ومكافحة الإرهاب .
- العمل على تأمين تنفيذ مشاريع اقتصادية كثيرة وقصيرة الأمد وقادرة على امتصاص نسبة عالية من البطالة الراهنة المنهكة للفرد والعائلة والمجتمع والمنشطة للإرهاب والفساد, وتأمين فرص عمل لتلك الجماعات الهامشية التي تعيش على هامش الاقتصاد والحياة الاجتماعية وتعيش في حالة من الفقر والعوز.
- التركيز على توفير الخدمات الأساسية للسكان التي تزيل حالة التذمر المتفاقمة في المجتمع وتعزز الثقة بالحكومة.
- إقامة المزيد من مشاريع الطرق والجسور والبناء ومشاريع التخزين وتحسين القدرة التموينية للسوق العراقي التي في مقدورها استيعاب أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل وتوفير العيش الكريم للإنسان الذي يعيش اليوم على هامش الاقتصاد والمجتمع.
ويتطلب هذا الأمر:
- الموافقة على وضع رؤوس أموال كبيرة من جانب الدولة تحت تصرف البنوك العراقية لتقديم القروض ذات المدد القصيرة والمتوسطة وبدون فائدة لمن يسعى إلى إقامة مشاريع صغيرة تساهم في تشغيل المزيد من العاطلين عن العمل وتشارك في الإنتاج.
- الاستمرار على دعم البطاقة التموينية ودعم استهلاك الوقود (المشتقات النفطية), إذ أن أي تراجع عنهما في المرحلة الراهنة سيقود إلى عواقب سلبية حادة ولا تخدم سوى قوى الإرهاب مباشرة. عندها لا يمكن للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي أن يقدما المساعدة للعراق في مقاومة الإرهاب.
- دعم جهود القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني للمشاركة في عملية إزالة أثار الدمار وإعادة بناء المشاريع الخدمية ومكافحة البطالة.
ولا شك في أن إقليم كردستان الذي يسود فيه الهدوء والاستقرار, وكذلك بعض المحافظات التي يسود فيها الهدوء النسبي, أن تمارس إقامة مشاريع اقتصادية تدخل في إطار التصور التنموي الاستراتيجي مع التركيز على مشاريع إعادة الإعمار والخدمات العامة ومكافحة البطالة في المرحلة الأولى.
إذن, مكافحة الإرهاب ومكافحة البطالة والفساد والطائفية السياسية وحل المليشيات المسلحة ومصادرة أسلحتها وتوفير الخدمات في إطار إعادة إعمار العراق هي المهمات المركزية التي تواجه العراق في المرحلة الراهنة وخلال السنوات الأربع القادمة, وأن كسب ثقة الشعب والمصالحة الوطنية وتعزيز القدرات الأمنية وموارد النفط هي الأدوات التي يمكن بها تحقيق النصر على القوى المناهضة للحياة الحرة والديمقراطية في العراق الفيدرالي الجديد.
الاقتصاد الإسلامي بين حقيقته ووهم تطبيقه واقعيا في العراق أو غيره من البلدان
” ليس هناك اقتصاد إسلامي بالمعنى الصحيح للكلمة, بل هناك بعض القواعد العامة في مسائل الإرث وغيرها. حاول علماء الشريعة وضع أسس وقواعد لاقتصاد إسلامي. ويبدو لي أن أبرز هؤلاء هو الراحل الشهيد السيد محمد باقر الصدر في كتابه الموسوم “اقتصادنا”, وهو عبارة عن طرح تصوراته وما قال به الآخرون حول الاقتصاد ومناقشة الموضوعات الاقتصادية الماركسية.
ليست هناك دولة تسنى لها تطبيق اقتصاد إسلامي, إذ أن ما وضع حتى الآن لا يتماشى مع العصر وتطورات القوى المنتجة وعلاقات الإنتاج الرأسمالية. وكل الدول المعنية, مثل إيران, لم تستطع تجاوز الواقع الاقتصادي الرأسمالي, وغارقة من قمة رأسها حتى أخمص قدميها في الفساد المالي الذي يمارس من قبل أجهزة الدولة التي يهيمن عليها السياسيون من رجال الدين.
إن العالم الذي نعيش فيه هو عالم القرن 21 ويتسم بتعاظم ثورة الإنفوميديا في ظل العولمة الموضوعية التي لا يمكن لأي دولة في هذا العالم أن تبتعد عنها أو تنعزل بمفردها. وهذه العولمة تسودها القوانين الاقتصادية الموضوعية للرأسمالية, وبالتالي أي تفكير باقتصاد إسلامي هو محض وهم, والوهم غير قابل للتحقيق. إن العراق ليس بحاجة إلى ما يسمى بـ “الإسلام هو الحل“, شعار الأخوان المسلمين وغيرهم من القوى الإسلامية السياسية, إذ لا حل في الإسلام لمشكلات العراق والعصر الذي نحن فيه, وبالتالي من يدعي غير ذلك لا يمثل الواقع والعقلانية, بل الوهم والديماغوجية. والعراق سوف لن يتبنى مثل هذا التوجه, وكل الدلائل تشير عكس ذلك في المستقبل غير البعيد والمتوسط, رغم أن المجتمع سيعاني كثيراً من جراء مثل هذه الطروحات غير المسؤولة وغير الممكنة وما حل بالعراق بعد سقوط النظام”.
في قضية الثيولوجي والدولة الدينية
“””كتبت وكتبت كثرة من الكتاب عن موضوع العلمانية كثيراً, وهي من حيث الجوهر لا تعني مذهباً أو ديناً أو فلسفة أو اتجاها سياسياً محدداً, بل هي تعني باختصار إقامة مجتمع مدني ديمقراطي يعتمد مبدأ المواطنة المتساوية, والتي تعني بدورها عدم التمييز بين أتباع الأديان والمذاهب والقوميات والاتجاهات الفكرية والسياسية المختلفة, وهذا يعني أن الدولة التي تقوم على أساس العلمانية لا تخلط بين دورها كدولة وبين الدين الذي يعود للفرد في علاقته الخاصة مع الله. ومن هنا قلنا أن الدين لله والدولة أو الوطن للجميع. وفصل الدين عن الدولة يسمح بحيادية الدولة بين جميع الأديان أولاً, ويحميها من التدخل العابث بشؤون الأديان ثانياً, ويسمح لها جميعاً بمواصلة طقوسها الدينية وتقاليدها وعاداتها التي لا تتعارض مع الُخلق العام وعدم إيذاء الإنسان لنفسه أو لغيره.
لقد وضع المصلحون العظام الأديان لتكون رحمة للناس, وحولتها المؤسسات الدينية في غالب الأحيان إلى نقمة على الناس, وهو ما يفترض فهمه والتمييز بين الدين وبين المؤسسة الدينية أو رجال الدين. ومن هنا تأتي ضرورة فصل الدين عن الدولة, أي إبعاد المؤسسات الدينية عن الحكم وعن التحكم بشؤون الناس أو الفرد. والدولة العلمانية يفترض أن تكون مدنية ديمقراطية تستند إلى ممارسة حقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة والمساواة بين البشر.“””
الموقف من الردود والتفاعلات والإيمان الفكري
هذا يؤكد ما قلته في البداية. فما ردك على السيدة العراقية؟
ـ أولاً أعبر عن احترامي للرأي الواقعي الذي أبدته السيدة الفاضلة التي تحدثتِ عنها في رسالتك وأشكرها على حسن ظنها بي. أنا شخص غير مؤمن بالمنهج المادي الدايلكتيكي, أي بالمنهج العلمي لماركس, بل مقتنع به فكرياً وأعي أهميته للإنسان بشكل عام وللباحث العلمي والسياسي بشكل خاص, وهو منهج علمي غير جامد يتطور بتطور العلوم والتقنيات الحديثة والاكتشافات العلمية. وأختلف في هذا الأمر مع الكثير من المؤمنين بالماركسية وغير واعين لمضمونها وحافظين لمقولات لها سابقة, في حين أن الكثير منها قد تغير بتغير الواقع مع حركة الزمن. استخدم ماركس المنهج العلمي في تحليل الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أوروبا ووضع مقولاته بشأنها, بعضها انتهى وقته, وبعضها الآخر ما يزال يحتفظ بحيويته. وعلينا أن نستفيد من هذا المنهج العلمي في تحليل أوضاعنا الخاصة في البلدان النامية أو في العراق مثلاً, وأن لا نعتمد على التحليلات الخاصة لأوروبا, ولكن من المفيد دراستها والتعلم من أسلوب التحليل وأدوات. ومن هنا جاءت مقولة إنجلز بأن “الماركسية ليست عقيدة جامدة بل نظرية هادية”, أو بتعبير أخر, هج لتشخيص الظواهر والتعرف عليها وتحليلها ووعي العوامل الكامنة مراء ظهورها والعلاقات المتشابكة في ما بينها واتجاهات تطورها. وهذا الموقف الفكري يقربني من كل القوى السياسية اليسارية التي تسعى للعمل وفق هذا المنهج, ومنهم الحزب الشيوعي العراقي الذي عملت فيه طوال خمسة عقود تقريباً, وكان من الممكن أن استشهد في صفوفه في مرات كثيرة. ولست أسفاً على عملي في صفوف الحزب الشيوعي بل تعلمت منه الكثير جداً, وأعتز بفترة النضال في صفوف الحزب الشيوعي وأعتز بالنضال بجواره في الوقت الحاضر وليس في داخله.
لم أغادر الحزب كارهاً له أو مطروداً منه, بل بمحض إرادتي ورغبتي وقناعتي بأني سأكون قادراً على ممارسة نشاطي الفكري والسياسي بصورة أفضل وأكثر حيوية من موقع المستقل عن الحزب الشيوعي العراقي. وهو أفضل للحزب الشيوعي ذاته, ولي بسبب استقلاليتي الفكرية, إذ لم أعد احتمل أن أحمل في رأسي رأيين أحدهما لي والآخر للحزب وأجبر على أن أثقف بالثاني مثلاً. وأشير هنا للعلم فقط أن استقالتي من اللجنة المركزية رفضت لعدة سنوات, ثم أقرت, كما علمت, في العام 1993.
الحزب الشيوعي حزب مناضل وقدم الكثير من التضحيات الجسام, وهو أقدم حزب عراقي على الإطلاق. والحزب الشيوعي العراقي المخضرم بحاجة إلى تحديث وتجديد لا لمصلحته فقط, بل لمصلحة الحركة الوطنية العراقية كلها.
الحنين إلى الماضي عادة لدى كل كبار السن, وأنا أحدهم ولا يعيبني هذا بأي حال, ولو كنت أرغب بالعودة إلى الحزب فلا أعتقد بأن الطريق أمامي كان أو ما يزال مسدوداً, فهناك احترام متبادل بيني وبين قيادة الحزب وبين غالبية أعضاء الحزب, إن لم أقل كلهم. ولكني أرى بوضوح كامل بأن الحزب سوف يستطيع أن يلعب دوراً أكبر حين يكون منسجماً مع طبيعة وأهداف المرحلة من حيث البنية والمضمون والشكل أو الاسم. وعلينا أن لا ننسى بأن المضمون والشكل يشكلان وحدة عضوية واحدة, وبالتالي تغيير المضمون يتطلب تغيير الشكل أيضاً أو الاسم. من المفيد أن أؤكد بأن من الضروري وضع أسس لعمل القيادة ولعدد سنوات عملها في المركز القيادي, لأهمية التجديد وتنويع الخبرة والمعرفة. أي وضع قواعد لهذا الغرض, وبالتالي أرى ضرورة أن لا يبقى القائد طول عمره قائداً, بل أن يتنحى لغيره بعد ثماني سنوات مثلاً. إن ما طرحته لا يمس أسم الحزب وحده, بل يمس المضمون والتنظيم والسياسة, يمس جوانب فكرية ومنهجية مهمة.
وبصدد الاسم فهناك العديد من الأسباب التي دعتني إلى المطالبة أو اقتراح تغييره, منها على سبيل المثال لا الحصر:
- إن المرحلة التي نعيشها, والتي سوف تستغرق أكثر من ثلاثة عقود, تستوجب وجود حزب ديمقراطي يساري شعبي واسع يستطيع أن يستوعب فئات اجتماعية متنوعة وقوى سياسية يسارية, ليست بالضرورة تؤمن بالشيوعية. فمهمات المرحلة وطنية وديمقراطية وفي إطار المرحلة الرأسمالية, وهي بعيدة كل البعد عن الاسم الذي يحمله الحزب.
- إن البلدان الاشتراكية والكثير من أحزاب الحركة الشيوعية قد أساءت لهذا الاسم وأفقدته الكثير من محتواه وتأثيره الإيجابي على نفوس الناس. وقد غيرت الكثير من الأحزاب الشيوعية اسمها, ولم يؤثر ذلك على علاقتها بالناس, بل تحسنت كثيراً.
- وارتبط اسم الحزب بتحالفات غير مشرفة, كالتحالف مع البعث في فترة السبعينيات, والذي يفترض أن ينتهي الحزب منه الآن من خلال إدانته للتحالف إدانة كاملة والاعتذار للشعب عن ذلك التحالف. وأقول للتاريخ بأنا أحد المسؤولين عن سياسة الحزب حينذاك وأتحمل قسطي من تلك المسؤولية ولا أهرب منها. ولكن أدينها الآن وأدين سلوكي حينذاك وأعتذر للشعب عنه.
- إن الأحزاب الشيوعية التي قادت البلدان الاشتراكية, وتلك التي لم تكن في السلطة, بما فيها الحزب الشيوعي العراق, كانت أحزاباً شمولية غير ديمقراطية تريد الوصول إلى السلطة عبر الثورة والعنف وفرض الخيمة الفكرية الواحدة على الدولة والمجتمع, وهو ما مارسته حكومات وأحزاب البلدان الاشتراكية. وهو أمر يفترض أن ينتهي إلى غير رجعة إن كان الحزب قد تخلى عن الفكر الشمولي الذي ساد في المراحل السابقة وإلى أوائل التسعينات من القرن العشرين, وبعضها ما يزال متمسكاً بالفكر الشمولي, وبعض الشيوعيين العراقيين ما زالوا على العهد السابق فكراً وممارسة.
وصلتني الكثير من الرسائل والنداءات الهاتفية, وهي عموماً إيجابية ونافعة, ولم استطع الرد عليها جميعاً. واخترت رسالة واحدة لأهمية ما جاء فيها وللوعي السليم, كما أرى, الذي امتلكته السيدة التي كتبتها. وقد وصلتني بعض الاستفسارات أيضاً التي كانت تعتقد بأني أسعى إلى حل هذا الحزب, وليس إلى تحديثه وتجديده. وبعضها كان يشير إلى موضوع الاسم أيضاً. أعرف هذه المسألة وحساسيتها لأن اسم الحزب قد رافق نضال الشيوعيين طوال سبعة عقود, ولكن هذا لا يعني عدم نشوء ضرورة إلى تغيير الاسم رغم الحنين الذي سيبقى لدى البعض الكثير.
لم أكن أفتش عن مؤيدين لرسالتي بقدر ما كنت أريد تنشيط الفكر والتفكير الأرحب في صفوف الحزب الشيوعي العراقي وأدفع بهم إلى الحوار حول ما طرحته وما يطرحه آخرون أو ما طرحه الحزب أخيراً للنقاش ولم أطلع عليه بعد, إنها عملية تدخل في باب التنوير الفكري, وأملي أن تنفع الحزب الشيوعي.
عوامل الردة والتراجع ونتائج الاحباط والانكسار
ـ الزمن متحرك ومتغير والناس أيضاً. ولا يمكن أن يفرض على الناس ما كفوا عن الإيمان به. أرى بأن المشكلة تكمن في أن نسبة عالية من الشيوعيات والشيوعيين كانت مؤمنة بعقيدة الماركسية, أي أنها كانت ترى في الماركسية والشيوعية ديناً لا غير أو عقيدة دينية معوضة عن دين آخر أو متكاملة معه. وعند انهيار البلدان الاشتراكية والأزمة التي حلت موضوعياً بالماركسية, أو بالفكر اللينيني – الستاليني تحديداً وإنصافاً للماركسية, بالصيغة التي مارستها الأحزاب الشيوعية, إضافة إلى ما مر به العراق من ويلات, سمح بتخلف البعض وتحوله إلى مؤمن ومتدين. لا أرى في ذلك مشكلة, إذ أن المجتمع كله يعيش ردة فكرية واجتماعية وأخلاقية عميقة جداً, كما أن الشيوعيين لم يجبلوا من معدن آخر فهم كبقية البشر, وليس كما قال ستالين أنهم جبلوا من فولاذ.
من يقتنع بمنهج علمي وفكر نير حر لا ينقلب عليه ولا يرتد عنه. وما نراه اليوم من التحجب والإمعان فيه وفي التدين هي ظاهرة طارئة ستزول مع الأيام, لأنها خارج المعقول وتعبر عن أزمة يعيشها المجتمع والفرد عموماً.
لم يشهد مجتمعنا العراقي التمدن الفعلي في العهد الملكي بل كان بداية طيبة ولكنها سرعان ما شوهت من قبل الحكام في العهد الملكي ذاته. ثم انقلبت الدولة كمؤسسة وكحكام على التمدن والديمقراطية في انقلاب شباط 1963 الدامي وتفاقم في زمن حكم البعث الثاني, وهو ما يزال يعاني من ذلك الارتداد, وقد تعمق بسيادة العشائرية والطائفية السياسية وبؤس المجتمع وفاقته الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية وحرمان المثقفين من أن يلعبوا دورهم بصورة سليمة وفعالة.
أكملت دراسة عن هذه الفترة المهمة من تاريخ العراق وسيصدر ضمن مجموعة الكتب الجديدة التي أسميتها “لمحات من عراق القرن العشرين” وتقع في سبعة أجزاء. والجمهورية الأولى تشكل محور الكتاب الرابع فيها وقد أنجزت منها حتى الآن خمسة أجزاء.
لقد كان العمل كثيفاً. ثم تسلمت إضافة إلى ذلك تنظيم الطلبة الحزبي والإشراف على التنظيم الاتحادي. وفي حينها شكل الحزب خطاً خاصاً سمي باسم خط حسين يمهد لعمل عسكري ضد السلطة. كنت مسؤولاً عن هذا الخط في صفوف الطلاب. وكانت تعمل معنا كوكبة من الطالبات والطلبة الشيوعيين. وقد أنجزت التنظيمات الكثير من العمل التحضيري، إلا أن البعث هو الذي نفذ الانقلاب العسكري في القصر ضد عبد الرحمن عارف.
*أصدرت مجموعة من الكتب السياسية والاقتصادية والبحوث الفكرية في مختلف المواضيع، التي أغنت المكتبة العربية، هل تتذكر أول دراسة وأول كتاب أصدرته ومتى؟
– أول دراسة كتبتها كانت تبحث في تجربة التأميم والتصنيع المصرية وفي أجهزة الإدارة وقد نشرت في مجلة الطليعة المصرية في عام 1967 و1968. وأول كتاب صدر لي كان في عام 1974 وبحث في مسائل التخطيط والاقتصاد العراقي وصدر عن دار الفارابي في بيروت.
*زرت كردستان العراق ولمرات عديدة خلال السنوات الأخيرة، واطلعت عن كثب على تجربتها الديمقراطية، هل تعتقد بأن الديمقراطية أصبحت نهجا وسياسة ثابتة لدى قادة الشعب الكردي أم أن هناك عثرات ومخاطر جدية تعترض سبيلها؟
– زرت كردستان في مراحل مختلفة وكنت أجد في كل مرة مسائل جديدة ومهمة. في فترات النضال وبعد التخلص من الحكم المركزي الدكتاتوري في بغداد. كنت في وزياراتي السابقة أنظر إلى كردستان غير النظرة التي نظرت إليها بعد الخلاص من النظام الدكتاتوري في بغداد وفي زيارتي الأخيرة في ربيع 2005. لنقل نظرتي النقدية للأمور اتخذت مساراً جديداً بحكم تغير الأوضاع، إذ لم أرغب في نقد السلبيات في فترة وجد نظام صدام حسين لكي لا يستفيد منها النظام الدكتاتوري ضد التجربة الحديثة في كردستان العراق.
حقق الشعب الكردي، ومعه بقية القوميات في كردستان العراق نجاحات كبيرة ومهمة جداً، ويفترض أن يعتز بها ليس كل كردي عراقي فحسب، بل كل الكرد في كل مكان وكل فرد من القوميات الأخرى في العراق، بمن فيهم العرب، لأنها أعادت بعض الحق إلى نصابه لهذا الشعب. ولم يتحقق كل ذلك بفضل أحد، بل بفضل نضال الشعب الكردي والقوميات الأخرى في كردستان وفي عموم العراق. ولكن هذه النجاحات يفترض أن تصان وأن يتم الدفاع عنها عبر خمسة إجراءات:
- عبر وحدة الشعب الكردي وقواه السياسية وتفويت الفرصة على الأعداء في الداخل والخارج الذين يتربصون بها.
• ضرورة استكمال بناء المؤسسات الديمقراطية التنفيذية والتشريعية والقضائية وتعزيز استقلاليتها المطلوبة والمناسبة عن الأحزاب السياسية المباشرة وممارستها لمهماتها وتوحيدها بدلاً من الازدواجية في السلطة الراهنة.
• ضرورة الاستجابة المتطورة باستمرار لحاجات الجماهير الشعبية، وخاصة الفئات الكادحة التي لم تستفد حتى الآن من النجاحات المهمة التي تحققت على صعيد كردستان العراق، كما يفترض أن تتسم الجهات المسؤولة الحكومية والحزبية، وخاصة ثوار الأمس، بالمزيد من التواضع في العلاقة والتعامل مع المجتمع والقوى السياسية الأخرى والمزيد من الصرامة في مواجهة الفساد الوظيفي، الإداري والمالي.
• تعزيز التحالف مع القوى الديمقراطية العربية، إذ أنها الحليف الثابت الآن وفي المستقبل رغم ضعفها الراهن.
• عدم التعامل مع نهج الإسلام السياسي الطائفي المتحيز المتفشي في الوقت الراهن، سواء أكان شيعياً أم سنياً، إذ أن القوى التي تقف وراء هذا النهج ترفض من حيث المبدأ حق الشعب الكردي في الفيدرالية وترفض من حيث المبدأ تطبيق العديد من المواد الواردة في قانون إدارة الدولة المؤقت وحقوق الإنسان وحقوق القوميات، بما فيه الموقف في كركوك وسيبل معالجتها في ضوء قانون إدارة الدولة المؤقت مثلاً، وهي تضمر غير ما تعلن عنه. والأشهر القادمة ومحاولات التقرب إلى الولايات المتحدة من جانب الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية والسنية هو التعبير عن محاولتها تبويش الأرضية التي تقف عليها القوى الديمقراطية، ومنها القوى الكردية، أو سحب البساط من تحت أقدامها، من خلال التحالف مع الولايات المتحدة. إن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح وليست قائمة على صداقات، هذا ما أكدته تجارب الشعوب خلال المئات والآلاف من السنين المنصرمة.
لقد زرت كردستان حديثاً واطلعت على التجربة واستمعت كثيراً وسجلت ذاكرتي الكثير وقارنت مع الكثير وخرجت بحصيلة سجلتها في مقالات ثلاث نشرتها في كردستان وعلى مواقع الإنترنيت. سجلت موقفي الواضح والثابت من القضية الكردية، وسجلت الأخطاء والنواقص والسلبيات التي شاهدتها وسمعت عنها، مع عدم نسيان الإيجابيات أولاً وعدم طرحها بما يحبط العملية الجارية ويعيق التقدم ثانياً، أي ممارسة النقد البناء المنطلق من شعور بالمسؤولية إزاء الشعب الكردي وقضيته العادلة، ثم سجلت مقترحاتي لتحسين الأوضاع ثالثاً.
إن تجربة كردستان محاطة بالأعداء في الداخل والخارج ويسعون إلى إفشالها، فهل سيتعامل الأخوة الكرد في الأحزاب السياسية الديمقراطية بما يسهم في تحطيم تلك المحاولات؟ أرجو ذلك وأتمنى عليهم ذلك أيضاً. لدي الثقة بأن الأخوات والأخوة سيبذلون الجهد للتعامل الواعي مع الواقع الجديد، خاصة وأن وحدة القوى الكردستانية هي ضمانة لوحدة القوى الديمقراطية العراقية ولنجاح الديمقراطية ف بالعراق والتصدي للمتطرفين من مختلف الاتجاهات.
* دفعت إلى المطبعة أحدث إصداراتك وهي دراسة حول تأريخ اليهود في العراق، كما سبق وان نشرت كتابا حول الطائفة اليزيدية، هل هي ضمن سلسلة دراسات حول الطوائف الدينية التي تسكن ارض الرافدين؟ أم هي ضمن مشروع اكبر؟ وهل لديك النية في تقديم دراسة حول طائفة الصابئة المندائية؟
– نشر لي حتى الآن بعض الكتب منها “الأيزيدية ديانة قديمة قاومت نوائب الزمن” عن دار أراس في أربيل، وكتاب “الاستبداد والقسوة في العراق” عن مؤسسة حمدي للطباعة والنشر في مدينة السليمانية، وكتاب العولمة من منظور مختلف عن وزارة الثقافة ببغداد. وتحت الطبع الآن ثلاثة، وهي:
-لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكردي في كردستان العراق في مؤسسة حمدي للطباعة والنشر في السليمانية.
– مقالات حول قضايا ملتهبة في العراق في جزأين عن دار هافيبون للطباعة والنشر في برلين.
– يهود العراق ومحنة المواطنة في مؤسسة حمدي في السليمانية.
كانت لي إصدار كتاب عن الصابئة المندائية وجمعت عنهم الكثير من المعلومات والكتب. ولكني وجدت أن كتاب الصديق الأستاذ عزيز سباهي عن الصابئة المندائية الصادر عن دار المدى قد وفي بالغرض وهو كتاب جيد منهجاً ومضموناً وأسلوباً، ولم أجد ما يبرر البحث في الموضوع ثانية.
* ماذا عن مشروعك الكبير، واسمح لي أن أسميه مشروع العمر، واقصد به كتابك المرتقب عن تأريخ العراق المعاصر والذي تنكب عليه منذ سنوات عدة، أين وصلت فيه؟ ومتى تدفعه إلى المطبعة؟
– منذ عام 1998 بدأت أعد لإنجاز سبعة أجزاء من كتاب تحت عنوان “لمحات من عراق القرن العشرين”. وقد أنجزت منه حتى الآن خمسة أجزاء، وسأبذل جهدي لإنجاز الجزئين الآخرين حتى نهاية عام 2007.
* باعتبارك احد المثقفين والسياسيين البارزين في الحركة اليسارية العراقية، نود أن تحدثنا عن دور اليهود العراقيين في الحركة الثقافية العراقية وكذلك دورهم في التأريخ السياسي العراقي المعاصر؟
– كما تعرف عاش يهو العراق طوال 2500 سنة في بلاد الرافدين وفي كردستان العراق، وهم بذلك من بين أقدم الشعوب التي سكنت العراق، بالرغم من إرادتهم، إذ جلبوا إليه قسراً كأسرى بعد معارك احتلال مدنهم في فلسطين. عاشوا في العراق وعملوا مع السكان وساهموا في بناء وتطوير الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وكان الود والتفاهم قائماً بين سكان العراق القديم. ولم تكن الأوضاع كلها حلوة كما أنها لم تكن كلها مرة. وبعد الفتح الإسلامي للعراق عومل اليهود على أساس أنهم من أهل الذمة الذين يدفعون الجزية والخراج عن منتجاتهم من أجل حمايتهم. ومرت أوضاعهم بتقلبات حادة، كما هو حال أتباع بقية الأديان. وقد تتبعت في كتابي أوضاع اليهود في تلك الفترات أيضاً واكتشفت الكثير من الكوارث التي حلت بهم، وكانوا أحياناً يعاملون معاملة حسنة، إلا أن حالة المسلمين أنفسهم كانت بين مد وجزر أيضاً، بين تمييز صارخ ومرهق لكرامة الإنسان وبين حرية دينية تمارس بصورة طبيعية. وكانت التغيرات ترتبط بطبيعة الحكام وسياساتهم. ثم تتبعت حياتهم في الدولة العثمانية وأخيراً في العراق الملكي والجمهوري، أي يهود العراق في القرن العشرين، وخاصة نصفه الأول.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى ازداد دور اليهود في الحياة التجارية والاقتصادية عموماً، وكانوا يعيشون في أحياء مشتركة مع المسلمين والمسيحيين إي لم توجد في العراق گيتوات خاصة باليهود. وخلال الثلث الأول من القرن العشرين لم يساهم اليهود في السياسة في ما عدا وجود ممثلين لهم في الوزارات الأولى وفي المجلس النيابي ومجلس الأعيان، وكانوا يعملون كباقي السكان في دوائر الدولة وفي القطاع الخاص. شاركوا ابتداءً من النصف الثاني من العقد الرابع في الحياة السياسية الحزبية بصورة محدودة، وابتداء من بداية الأربعينيات ازدادت تلك المساهمة في الأحزاب والتجمعات السياسية السرية مثل الحزب الشيوعي العراقي، وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية شاركوا في أحزاب أخرى مثل الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الشعب أو التحرر الوطني أو غيرها. وكان لهم دور تثقيفي ملموس في الحزب الشيوعي وتعرضوا للكثير من المضايقات والسجن بسبب نشاطهم الوطني. شاركت صحافة يهود العراق بصورة ملموسة في التبشير بمبادئ الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني وبالمساواة بين المواطنين ودافعوا عن شعار الدين لله والوطن للجميع كما دافعوا عن حق المرأة في المساواة مع الرجل. لقد كان نشاطهم علماني واضح ومهم. منذ العشرينات ظهرت بعض النشاطات الصهيونية ولكنها كانت محدودة وتبلورت في الأربعينيات، ولكنها لم تكن مقبولة من غالبية اليهود، فيهود العراق كانوا يعيشون العروبة، فهم عرب ديانتهم يهودية، كما كان يهود كردستان كرد وديانتهم يهودية. كانوا يكتبون بالعربية ويفكرون بها ويمارسون حياتهم العامة بها.
وفي الحقل الثقافي لعب اليهود دوراً مهماً لنشر ذات المبادئ إضافة على حب الوطن والشعب والتراث العربي، وقد برز منهم كتاب وشعراء مبرزين منهم مثلاً:
ومن بين الأسماء البارزة نشير إلى سالم إسحاق (1877-1949)، سلمان شينة (1998-1978)، المحامي أنور شاؤول (1904-1984) الذي لم يترك العراق إلا في عام 1971 بعد أن أصبح جحيما لا يطاق. ومراد ميخائيل (1906-1986)، ومير بصري (مواليد 1911)، وسلمان درويش (1910- 1982)، وشالوم درويش (1913-1997 )، ويعقوب بلبول (1920-2003)، ونسيم رجوان (مواليد 1924)، وإسحاق بار موشيه (1927-2003)، ومنشي زعرور، وسمير نقاش (1938-2004)، والبروفسور سامي (شموئيل) موريه وحسقيل قوجمان، ويوسف هارون زلخة (كاتب سياسي). لقد كتب اليهود الشعر والقصة والمقالة والنثر الأدبي باللغة العربية ولم يتركوا تراثاً يهوديا متميزاً وخاصاً في هذا المجال، بل كان جزءاً من الأدب العربي ولكن مكتوب من مواطنين يهود عرب من العراق.
حاولت أن أتطرق إلى الفاجعة الحزينة التي مر بها اليهود في عام 1941، ومن ثم قانون إسقاط الجنسية العراقية عن اليهود الذي ساهمت في صياغته ثلاث قوى هي المنظمات الصهيونية العالمية والحكومة البريطانية والحكومة الملكية العراقية وساعدت على ترويجه القوى القومية والإسلامية المتطرفة في يمينيتها وتعصبها القومي والديني. لقد حاولت في هذا الكتاب استعادة ذاكرتي العراقية الفردية، ومعها الذاكرة الجمعية للعراقيين، وحاولت أن أذكر بأن جزءاً من شعبنا، هم يهود العراق، طردت غالبيتهم من العراق شر طردة لا تستحقها بأي حال من الأحوال، وهي جريمة بشعة ارتكبت بحقها في حينها، وهي خسارة للشعب العراقي، كما أنها كانت خسارة لليهود بالذات إذ فقدوا وطنهم العراق في حينها.
السيرة الذاتية
د. كاظم حبيب / كاتب وسياسي عراقي وأحد العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان
- ولد في مدينة كربلاء في 16/4/1935.
- درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية فيها.
- سجن وأُبعد في العهد الملكي في الفترة 1955-1958 لأسباب سياسية.
- أكمل دراسة الإعدادية في لبنان في العام 1959.
- درس الاقتصاد في كلية الاقتصاد في برلين وحاز على درجة البكالوريوس ومن ثم الماجستير في العام 1964.
- حصل على شهادة دكتوراه phD من ذات الكلية في العام 1968.
- وحاز على درجة الدكتوراه علوم (هابيل)sc. في عام 1973.
- درَّس في الجامعة المستنصرية ابتداءً من العام 1968 وعمل عضوا في المجلس الزراعي الأعلى ابتداءً من العام 1975.
- اُعتقل وأحيل على التقاعد لأسباب سياسية في العام 1978 وغادر العراق في نهاية العام.
- درّس في معهد العلوم الاقتصادية ومعهد الحقوق في جامعة الجزائر العاصمة بين 1979-1981.
- غادر جامعة الجزائر وتوجه إلى كردستان العراق للمشاركة في حركة الإنصار منذ نهاية العام 1981 حتى نهاية 1984, ثم بين عامي 1987-1988.
- أصدر أكثر من 25 كتاباً والكثير من الدراسات والبحوث والمقالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وفي مجال حقوق الإنسان باللغتين العربية والألمانية.
- أصدر بين 1995 2006 الكتب التالية:
– ساعة الحقيقة [مستقبل العراق بين النظام والمعارضة]. بيروت. 1995.
– بلدان الجنوب .. المشكلات والآفاق. القاهرة. الثقافة الجديدة. 1996.
– المأساة والمهزلة في عراق اليوم. بيروت. دار الكنوز الأدبية. 2000.
– فهد والحركة الوطنية في العراق. بيروت. دار الكنوز الأدبية. 2003, بالمشاركة مع الدكتور زهدي الداوودي.
– “الأيزيدية ديانة قديمة تقاوم نوائب الزمن” و “العولمة من منظور مختلف”, و “لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكردي في كردستان العراق”.
– لمحات من نضال حركة التحر الوطني للشعب الكردي في كردستان العراق. أربيل. دار آراس. 2005.
– العولمة من منظور مختلف (في جزئين) بغداد. وزارة الثقافة. 2005.
– الاستبداد والقسوة في العراق. السليمانية. مؤسسة حمدي للطباعة والنشر. 2006.
– اليهود والمواطنة العراقية أو (محنة يهود العراق بين الأسر الجائر والتهجير القسري الغادر).
السليمانية. مؤسسة حمدي للطباعة والنشر. 2006.
– مقالات حول بعض المسائا الملتهبة في العراق. (في جزئين). برلين. مركز هافيبون للدراسات والنشر الكردية في برلين. 2005 و2006.
- وله ستة أجزاء جاهزة للطبع من كتاب بثمانية أجزاء بعنوان ” لمحات من عراق القرن العشرين” السليمانية. مؤسسة حمدي للطباعة والنشر.
- عضو في منظمة حقوق الإنسان العراقية في ألمانيا والمنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية وعضو الجمعية العربية للبحوث الاقتصادية وعضو منظمة الصحفيين العالمية وعضو في نادي الرافدين الثقافي العراقي بألمانيا.
- عضو في معهدين للبحوث العلمية في ألمانيا وباحث علمي.
- عضو سابق في هيئة تحرير الثقافة الجديدة وجريدة طريق الشعب.
- رئيس تحرير مجلة الاقتصادي العراقية للفترة 1970-1975
- عضو سابق في هيئة تحرير مجلة الوقت (قضايا السلم والاشتراكية).
- عضو نقابة الصحفيين العراقية وعضو شرف في نقابة الصحفيين الكردستانية.
- عضو المعهد العربي الألماني للبحوث الاجتماعية ببرلين.
- متزوج وللعائلة أبن وبنت, وتعيش العائلة في ألمانيا منذ 1981.
تعمل ألواح سومرية معاصرة على توفير التسجيل الكامل وتفريغه في نص مطبوع ومراجعة ما تم تسجيله وعرضه هنا وما ربما اعتوره من هفوات طباعية أو ثغرات في نقل المداخلة على وفق ما جرت في أربيل.. نشكر مساعدتكم وتفهمكم