تتناقل وكالات الأنباء جملة من التصريحات والبيانات والخطابات بعضها لأجهزة الدولة وبعضها الآخر لموظفين كبار مسؤولين فيها وغيرها من اختلاق عناصر مختلفة سواء بالفريق الإرهابي الطائفي أم في الوسط المجتمعي العام. وبجميع الأحوال نحتاج دائماً إلى مراجعة الخطاب السائد وتحليله وتفكيكه بقصد التعرف إلى مكامن قوة أنصار السلام والانتصار له على قوى العنف الإرهابية على الشحن الطائفي بوصفه أرضية مؤاتية للجريمة الإرهابية…
وفي آخر ما ورد، نجدُ أنّ أهالي الموصل أو ما يُحكى أنَّهم تحدثوا به وعبروا عنه؛ باتوا على مقربة من ثورة على شراذم الإرهابين الدواعش الذين استباحوا المحافظة ومناطق عراقية أخرى وسط انسحاب ربما متعمد من بعض القيادات العسكرية الرسمية في حزيران يونيو 2014! ومثل هذا الغليان في صفوف أبناء المدن العراقية كافة، موجود بيقين، مثلما لدى أيّ مؤمن بحقه في الحرية وفي الأمن والأمان وفي احترام كرامته وعِرضه وحقوقه وحرياته كافة…
ولأنّ الدواعش هم سقط متاع الأرض الذين دربتهم ودعمتهم قوى إقليمية ودولية معروفة، وهم شراذم مجرمون همج، نجد أنّ أبناء المناطق المستباحة قد تعرضوا لمختلف أشكال الإهانات واستلاب الحقوق ومصادرة الحريات فضلا عن قمة الخسة في استعباد بعضهم وفتح سوق نخاسة للاتجار بهم ومزيد جرائم إذلال تحررت منها البشرية منذ قرون!
لهذه الأجواء، يأتي الحديث عن انتفاضة أو ثورة شعبية ليمثل حقيقة ساطعة تحملها ضمائر المواطنين العراقيين في تلك المدن والمناطق المستباحة. سوى أنّ المنطق يؤكد أن الانتفاضات لا تنطلق إلا باكتمال عواملها أو بصيغة أوضح بوجود خلفية داعمة تتمثل هنا في درجة فاعلية مشاركة القوات الحكومية العراقية في مهمة دحر المسلحين المتوحشين ممن استباح تلك المناطق..
إنَّ ما يعطل الانتفاضة، وما يحجِّمها هو حال من الخطاب الطائفي ليس في طرف قوى الإرهاب التي تطلق رسائلها كونها ممثلة الله على الأرض فتلك الرسائل فشلت فشلا ذريعا في إقناع الأغلبية التي تئن من بشاعات جرائم سقط المتاع السوقة من وحوش الجريمة؛ ولكن الكارثة تتعلق بتسويق خطاب طائفي بامتياز يتجسد في اتهام أبناء تلك المناطق بكونهم جميعاً (حواضن) للمجرمين الإرهابيين بالاستناد إلى التقسيم المذهبي الطائفي!
إذن، هذا الاتهام يقوم على لعبة التقسيم الطائفية التي تثير الغبار وترميه في أعين المواطنين لحجب تفكيرهم بهويتهم الوطنية والتمسك بها على أساس وجودهم الإنساني المتساوي الذي يفرض بناء دولة مدنية معاصرة.. وهذا الحجب والتعتيم يثار ليتم إطلاق أضاليل الخطاب التقسيمي الطائفي في العتمة المفتعلة… وكل ما هو خلف متاريس المذهب الآخر هو عدو لأتباع المذهب في الخندق المقابل والعكس عندهم صحيح أيضاً!
وكأن أتباع المذهب السني هم جميعا جيش الطائفي المدعي سنيّته وكأن أتباع المذهب الشيعي هم جميعا جيش الطائفي المدعي شيعيّته. وكلا جناحي الطائفية المدعي سنيَّته والمدعي شيعيَّته لا مصلحة له في الدفاع عن أتباع المذهب المتمترس خلف تضليله ولكن مصلحته بحقيقتها، تكمن في اختلاق التقسيم والمتاريس التي تفصل بين أتباع المذهبين، مع أنهما أتباع ديانة واحدة ومعتقد واحد يعمل الطائفي على تحييد بل إخفاء هذا المعنى، لمصلحة التمترس، من أجل توفير أرضية الاحتراب التي يمتصان بها دماء الناس من المواطنين الأبرياء…
هنا بمعركة استعادة سلطة الدولة العراقية على أرض عراقية، لا يجري الحديث عنها بالمعطى الوطني للدولة وللهوية بل يجري بطريقة نقيضة حيث تلك الأرض سنية والسنة حواضن لميليشيات الإرهاب من ذاك الجناح الطائفي والمحصلة أولئك إرهابيون جميعاً!!
فكيف يفكر بعض من جرى تجهيله من أبناء تلك المنطقة؟ كيف ينظر إلى القوات التي يُفترض أنها تقوم بواجب استعادة السلطة وحمايته؟ سيُستغل الأمر ويُنظر إليه بعين طائفية وخشية وريبة يجري استغلالها من الجناح المقابل طائفيا للتجييش والتحشيد باتجاه معاكس…
بلى يوجد حتماً ممن يخضع لسلطة البطش والاستعباد من آمن بتضليلهم بسبب عامل التخلف والانقسام الطائفي وبسبب وجود مؤشرات التمترس المقابل.. ويوجد ايضا من خضع ويخضع بسطوة البلطجة والتعنيف بالسلاح.. لكن هؤلاء ليسوا نسبة كبيرة بين المواطنين المبتلين بهذه البشاعات وحالما تقوم الانتفاضة وتدخل قوات الشرعية العراقية سينفضون عن المجرمين الدخلاء وعن مشروعهم وعن بلطجتهم…
ما يلزمنا هو توجيه الخطاب الوطني بصياغة وطنية ومحتوى إنساني سليم لا يقبل بالتشوهات وبمحددات الطائفي.. من يذهب لدحر الإرهاب في أراضٍ عراقية مستباحة هو عراقي أولا وآخرا ولا يذهب إلى هناك لمعركة بين طائفتين أو لا يجوز تويجه أية قوة ميليشياوية تثير الالتباس والتشوش والتمترس بخاصة مع معرفتنا اليقينية بوجود شعارات (ثأرية) و أخرى (انتقامية) إن لم تكن انتقاما من جهة لجهة أخرى تحيا اليوم فهي تجتر من التاريخ أسوأ القراءات التي تنحرف في فهم معاركه التي جرت فتسقطها على عصرنا بتلك الشعارات الثارية الانتقامية التي عفى عليها الزمن وحرمها دين الإسلام شيعة وسنة، مثلما تحظرها القوانين في عصرنا.
لقد اقتربت ساعة الصفر لمعركة إنهاء شراذم الفوضى الإرهابية وطردهم من الأرض العراقية المغتصبة المستباحة.. ولكن من أجل أن تكون الخسائر أقل ما يمكن ومن أجل سرعة الحسم ومن أجل التعامل مع واقع ما بعد العمليات العسكرية علينا، أن نتحدث بخطاب وطني يعيد تشكيل الوعي وصياغته بطريقة صحية سليمة صائبة.
ينبغي أن نلجم كل تلك الأصوات المرضية المشوَّهة التي تريد تشويه الآخر معها. وأن نتخلص من كل التلوثات التي أحدثتها حالات التشويه المرضية الجارية.. علينا أن نقرّ بأننا نبقى بحاجة للتسامح مع أخطاء الآخر وهفواته الإنسانية العابرة مثلما الأخطاء في التعبير من دون قصد للدلالة السلبية وأن نكون حازمين تجاه محاولات التشويه وتجاه ارتكاب الجرائم العمد بحق الآخر.. علينا أن نجد طريقنا إلى خطاب جديد غير ذاك الطائفي الذي حلّ بكلكله على أكتافنا جميعاً…
من الحتم أنه خطاب ترك آثاره السلبية ولكن ليس حتميا استمراره بل الحتمي إنهاؤه والعودة إلى منطق العصر منطق الدولة الحديثة التي تنظم علاقات بني البشر في بلاد.. نحن لا ننتمي إلى كهوف الظلام وأفكارها الغابرة ومنطق العنف والبلطجة فيها.. نحن ننتمي لعصر الحقوق والحريات حيث واجب العدل والمساواة وإخاء يؤسس للمواطنة التي تتبادل الحقوق والواجبات..
هذا الخطاب يتطلب منا تضحيات بسبب الخوانق التي دخلها المجتمع ومكوناته في ظل سطوة قوى الفساد الطائفي وتمظهراته بشراذم الإرهاب.. ولكنها ليست كالتضحيات التي سندفعها إذا ما بقينا أسرى نغمة الثأر والانتقام والتمترس خلف من يقودنا للانقسام ومن ثمّ الاحتراب..
إننا إذ نقبل على مهمة استعادة الأرض المستباحة وانعتاق أخوتنا في الوطن ينبغي أن نجدد آليات اشتغالنا وتفاعلنا مع الآخر.. وأن نباشر ونبادر نحن في خطاب التآخي والدفاع المشترك عن الحقوق والحريات بوصفنا مواطني دولة تحيا في القرن الحادي والعشرين وليس كانتونا طائفيا يحيا تحت عباءة رجل سياسة يتخبأ هو تحتها تضليلا باسم الدين والمذهب والدين والمبادئ الإنسانية جميعا منه براء.. وقيم أنسنة وجودنا جميعا براء أيضا مما يرتكب من موبقات وإفساد.
إن كل حديث بإطار الهوية الطائفية والخضوع لخلفيته الفكرية السياسية من جهة والخضوع لترتيباته العنفية عبر الالتحاق بميليشيات تصفية الحسابات بالتمترس الطائفي هو نكابة بوجودنا نحن قبل أن يكون نكاية بالآخر..
فلنكن أبناء وطن واحد ولنجد في مبدأ المواطنة أساس إخائنا مع الآخر وتبادلنا معه أسس العيش المشترك القائم على التسامح في كل ما يمكن وضعه بآلية التسامح فيما نبحث بمنطق العقل والحكمة في حل اية قضية أو تفاصيل تعقيدات ومشكلات لنجد حلولها بطرق غير العنف وغير التمترس الذي لم يجلب لنا سوى النكبات…
سيكون خطابنا الوطني الأسس أول الطريق لتجنب مزيد تضحيات ومبتدأ الطريق نحو الانعتاق نهائيا من قوى الجريمة بكل اشكالها المعبر عنها بثالوث (الطائفية، الفساد والإرهاب).. وسنعبر المرحلة التالية بأقل كلفة ونباشر مشروعات إعادة البناء والإعمار في الأنفس قبل الماديات..
فلنستعد فعليا بإنهاء أي فرصة للهاجس الطائفي وليكن الجيش العراقي وقيادته العراقية وليس اي صورة ميليشياوية هو طليعة الحراك نحو الحرية، ومثلما الجيش العراقي الفديرالي هناك البيشمركة ولا وجود لميليشيا ولكن لقوى التطوع من كل العراقيين. هنا، العراقيون بهويتهم أولا وآخرا وليس من يحدد لنفسه تمترسا طائفيا يدوس حتى على سماحة المذهب واسس التي تدعو للخير والسلام.. ارفعوا رايات وطنية أولا وآخرا.. ارفعو رايات العراق الفديرالي ورايات بنيته الفديرالية ولكن لا يقبلن أحد أن يثير الهاجس الطائفي برايات وشعارات تتبع لهذه الفئة أو تلك لأن القصد تطمين سلطة الدولة العراقية الفديرالية وليس حمل راية ميليشيا تتمترس طائفيا لتقسم المجتمع والشعب!!
بانتهاء التقسيم في الخطاب وبانتهاء التمترس بالحراك ندخل أرضنا المغتصبة لنلاقي أهلنا ونحتفل معا وسويا بانتصار عراق جديد عراق للبناء والسلام والتقدم يطرد الإرهاب ويكنس السوقة الهمج شراذمه وينهي من صفوفه التشظي بأسس الطائفية ويهزم الفساد ويطهر البلاد من المفسدين.. وذلكم هو أسمى انتصار يتحقق لنا نحن العراقيين بوحدة خطابنا وباحترامنا أطراف وجودنا في الهوية العراقية الفديرالية الجامعة الضامنة لحقوق الجميع مواطنين ومكونات..