سنوياً تنطلقُ أمنياتُ الناشطاتِ والناشطين في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، متطلعة إلى أنْ يعودَ العامُ وقد انتهتْ مسببات تلك الآلام والأوجاع والحرمانات من الحقوق. وعراقياً تمرُّ الأيام والأعوام في سنوات من الشدة والمتاعب والأوصاب.. وإذا كان قد ذهب نظام الطائفية الذي استلبهم حقوقهم السياسية فإنّ أوضاعاً جديدةً حلَّت بهم ليولد نظام طائفيٌ كليبتوقراطيٌ؛ فيصادر التطلع الديموقراطي للشعب، ويلغى خياره ليحتل النموذجُ الطائفيُّ مكانَ النظام المهزوم!
وما جلبه الطائفيون، هو استغلال بلا حدود، واستعباد للناس وتوزيعهم بوصفهم غنائم للزعامات الطائفية. أما من ينفذ ابتزاز المجتمع واستغلاله فأداة هي الأخطر ترويعاً، إنّها الميليشيات المسلحة وعنفها الدموي يرافقها مافيات فساد هي الأعتى دولياً على وفق سلّم القياس العالمي منذ 2003 حتى يومنا.. وتلك المافيات لا تلتهم الأموال حسب بل تندفع لعمليات اختطاف وأسْرٍ واغتصاب وتصفيات إجرامية بشعة!
لقد تم تصفية مئات العلماء والأساتذة والإعلاميين والصحافيين والمتخصصين بحقول العلوم والمهن المختلفة الأخرى. وتمّ اختطاف مئات وابتزازهم كما تتم جرائم الاغتصاب بشكل يومي وبحجم لا يُحصى ويجري تمرير كل الجرائم بلا حسيب ولا رقيب!! ويجري بشكل أسبوعي أو شبه يومي عمليات تفجير عشوائية ومجابهات طائفية ومعارك مع ميليشيا الإرهاب التكفيرية الطائفية تلك التي حصدت أرواح عشرات الآلاف!!
ولا يوجد في العراق الجديد، إحصاءات لعمليات التطهير الطائفي والتهجير القسري من الأحياء والضواحي والمحافظات.. فكم هو حجم التهجير الذي طاول المسيحيين والمندائيين من محافظات الجنوب والوسط والعاصمة؟ كم هي عدد حالات الاختطاف والاغتصاب؟ وكم منها طاول النساء وكم طاول الأطفال وغيرهم؟ كم هي عمليات المصادرة للأملاك والمقتنيات؟ كم هي عمليات التخريب والعبث بالأوقاف الدينية لغير المسلمين؟ كم من المقابر والآثار والكنائس والمعابد تلك التي جرى انتهاكها؟
كم هو حجم المهجّرين من المحافظات التي استباحها الإرهابيون وزمرهم وشللهم المريضة بكل موبقات أزمنة الظلام والهمجية؟ وإذا كان حجم النزوح قد وصل الـ4 مليون نسمة، فأين يسكنون الآن؟ من يأويهم وما طبيعة المخيمات التي يقطنونها؟ وما الخدمات الإنسانية وما حجمها؟
وهل تضمن تلك المخيمات حماية من بيئة الطبيعة القارة بحرِّ صيفها ولهيبه وببرد شتائها وصقيعه وأمطاره؟ والأنكى هل يوجد ما يكفي من طعام ومن مياه صالحة للشرب وللاستخدام الآدمي؟ وهل يوجد صرف صحي سليم أو مناسب؟ هل تحميهم تلك المخيمات من الأمراض؟ وهل توفر الرعاية الصحية والتعليمية؟ وهل بالفعل توجد متابعة لما يُرتكب بحق الفئات الهشة من نساء وأطفال وشيوخ؟؟
إنّ الوقائع تسجل 10 مليون ممن هم بحاجة للسلة الغذائية بكل نواقصها وعيوبها..! وتسجل 8 مليون طفل بحاجة للمعونة والرعاية وملايين منهم في قارعة الطريق من أطفال الشوارع الذين يتعرضون لأشكال الاستغلال والابتزاز!! وتسجل لنا حالات الفقر والبطالة ومن ثمّ العوز والفاقة والحاجة للضروريات!!!
أول الواقعين في أبشع استغلال هنّ النساء.. حيث العنف الأسري، العنف الاجتماعي، العنف الجنسي وأشكال حالات الابتزاز والاستغلال الجنسي المتستر عليه مجتمعيا حتى من كثير ممن يسمَّون رجال دين!
ومعهنّ أطفالهنّ الذين يتعرضون لكل أشكال البشاعات والتشويه الأمر الذي يحولهم إلى قنابل موقوتة ستنفجر قريبا في مطاحن العنف الوحشي الموجه من زعامات المافيات والميليشيات…
أسئلتي أتحول بها إلى الصحة حيث اغتيالات الأطباء وتهجيرهم تحت التهديد بالقتل.. وحيث المستشفيات بأبنية متهالكة وبأجهزة من القدم وانتهاء الصلاحية والخروج على الخدمة فضلا عن عناصر في القطاع الخاص تستغل بوحشية باسعارها الباهضة وبسلوكها المنتهك للقسم المهني والحنث به..
العراقيات والعراقيون يحيون في بيئة ملوثة بكل أصناف التسبب بالمرض. ملوثة بالأوساخ والقاذورات البيئة الوسيطة لنمو البكتريا والفيروسات ومن ثم ظهور الأوبئة كما بالكوليرا مرضا وبائيا وكما بكثير من الأمراض التي عشعشت في البلاد.. وملوثة الهواء بالغازات والمحروقات من مصانع بلا ضوابط صحية بيئية، إذ تطرح عوادمها الغازية مثلما تطرح فضلاتها إلى المحيط من أنهار ومجار لا تستثني فضاء بالخصوص!
والأخطر مما لم يجر التطرق إليه على نحو رسمي أو شعبي إلا بمحاولات فردية هو التلوث الإشعاعي المسرطن حيث أن الضربات الحربية تركت من آثار اليورانيوم المنضب وغير المنضب ما سطع وعلا في الفضاء لمنسوب يمكن كشفه بلا تعقيد ونتائجه الكارثية متجسدة في التشوهات الخلْقية للولادات ولنسبة السرطانات بتنوعاتها ولا ننسى هنا الإشارة إلى ما ترسله الدول الجارة من ملوثات بمجاري الأنهر المقطوعة المياه…
أما في مجال حق التعليم فإن الانهيار الشامل بات فضيحة بكل مقاييسها حيث خرج العراق من دائرة الإحصاءات الدولية المعروفة ولم تحظ جامعاته بمكان في الجداول المعتمدة سنوياً… ومخرجات التعليم الأساس تشير إلى أمية غريبة عجيبة! وتسرب التلاميذ تفاقمت نسبه عند الإناث والذكور في ظروف الانفلات الأمني والخشية على الأبناء أو الحاجة لتشغيلهم وسد العازة ومطالب الفقر!
هناك نقص مهول بأبنية المدارس حتى وجدنا مدارس طينية المباني أو من جريد النخيل بل في الهواء الطلق! والمباني الموجودة آيلة للسقوط ومخربة بلا مرافق مناسبة وبلا مختبرات وملحقات تحتاجها العملية التعليمية.. أما الجامعات فانحدار بكل المقاييس حتى بات فيها تدريسيون بلا معرفة ولا شهادة حقيقية حيث اخترقها الفساد والتزوير والغش!!
فماذا ستعني ديمقراطية التعليم مثلا؟ ماذا تعني مجانية التعليم؟ ماذا تعني العملية التعليمية إذا كانت المخرجات مبنية على الغش والهزال والخروقات من كل صنف!!؟
وقد وصل الأمر في حقوق الناس أن من يمتلك النزاهة يقاضى ويدان فيما الفاسدون يمارسون عبثهم وجرائمهم.. فأين العدل وإنصاف المظلوم أمام قضاء استشرى فيه الفساد؟
أين حقي؟
تلك صرخة عراقية يومية من أغلب الفئات حيث تتفاقم الأزمات لتشمل مجموعات جديدة في المجتمع…
الفارون إلى منافي الغربة تغتالهم بالآلاف أمواه البحار ووحوش الغاب ومن يفلت يقع أسير الابتزاز والاستغلال بلا رحمة. بخاصة من الأطفال والنساء… ومن أتباع الديانات والانحدارات القومية من المكونات الصغيرة.. إنّ هؤلاء باتوا تحت رحمة ممارسة طقوس لا ينتمون إليها ولكنهم مكرهون من أجل العيش وتأمين الحماية باجتناب وحش الآخر وميليشياته… المسيحي والمندائي والأيزيدي والكاكائي والبهائي مهدد بالموت بعد التعذيب إذا لم يخضع للأسلمة على إحدى الطريقتين السنية أو الشيعية والقضية لا علاقة لها لا بالسنة ولا بالشيعة بل بميليشيات متشددة متطرفة وحشية تريد افتراس الجميع ووضعهم في خدمة مآربها وأطماعها والجميع غنيمة يقتسمونها!!
فأي حق يمارسه أتباع تلك الديانات؟ إنهم لا يحظون حتى بممارسة طقس في الخفاء!؟ بل لا يملكون حق التصرف بأنفسهم وبحرية إرادة واستقلالية!!
أين حق الطفل: في غذائه؟ في صحته؟ في تعليمه؟ في عدم تشغيله بشكل جائر؟ في عدم تعنيفه؟ في عدم استغلاله؟ في عدم ابتزازه؟ في عدم وقوعه في مطبات جرائم الإدمان والمخدرات والاستغلال الجنسي؟ في توفير الأمن والأمان والاستقرار النفسي وتجنيبه الضغوط البدنية والنفسية والاجتماعية؟ لا شيء من كل هذا ولا من غيره.
أين حق المرأة: في وجودها الإنساني؟ في رعايتها الصحية بحسب طبيعتها البدنية والنفسية؟ في عدم تعرضها للعنف الأسري والاجتماعي؟ في عدم تعرضها للضغوط العائلية الاجتماعية من جهة حرياتها وطابع خياراتها وعيشها، كما في حرية اختيار الشريك والزواج؟ في عدم تزويجها وهي قاصر كرهاً؟ في تجنيبها ما يسمى جرائم الشرف؟ في تعليمها؟ في حصولها على العمل؟ في عدم ابتزازها واستغلالها من البيت حتى المدرسة والمصنع والشارع؟ في عدم تهديدها بالاختطاف والاغتصاب !!؟
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان فنحن في حيص بيص من انفلات وفوضى تجتاحنا بطريقة همجية تغرق في تلاطم أمواجها الوحشية كل الحقوق بلا استثناء!!!
في اليوم العالمي لحقوق الإنسان نحن بحاجة لصرخات من كل نوع لإيصال اصوات الضحايا وتحريرهم من الكابوس المرعب لاستعادة حقوقهم الأساس الرئيسة ومنع تداعيات أبعد مما جرى!!!
فهلا تحولت مهام الحركة الحقوقية العراقية إلى أنشطة نوعية جديدة يمكنها أن تتحدث عن تكافل مع الانتفاضة الحقوقية الشعبية أولا قبل كل التسميات الأخرى للانتفاضة؟؟
سؤال يجترح نفسه عسى أن يجترح انتصارا ولو أوليّ المعاني والمنجزات لصالح حقوق مهضومة مصادرة.