توطئة: يُجمع المدنيون على أن نظام المحاصصة الطائفية هو أسّ الفساد والإرهاب الذي وضع العراقيين في تلك الخوانق واشكال المهالك المنصوبة لهم تباعاً. ولكن بعض المدنيين مازالوا لم يصلوا إلى النتيجة التي وصلها الحراك الشعبي المدني بهبته الجماهيرية من ضرورة تغيير شامل يبني الدولة المدنية خالية من هذه الشلل الميليشياوية المافيوية التي التهمت كل شيء.. أو لم يصل بعضنا إلى برامج التغيير الأنجع ما يجعله مترددا من التقدم بالهبة لتجسد خطى التغيير.. هذه حلقة من سلسلة قراءات تكتسب أهميتها فقط بالحوار الموضوعي للوصول إلى قرار فوري عاجل
السؤال الذي يتحدث عن استمرار أم وقف التظاهرات هو جزء من حال تشوش بعض العناصر المدنية.. إذ أن الهبة الجماهيرية تحولت بشعاراتها ومطالبها من موضوع الخدمات إلى موضوع أغنى وأشمل وأعمق هو التغيير الجوهري في النظام وإن كان بحراك إصلاحي يتدرج بمفرداته، كما تبناه بعض المحتجين، إلا أنه بالضبط موقف انتقل نوعياً فانصبّ على التغيير بما هو أبعد من الوجوه والشكلانيات المزيفة مما جرى ويجري حتى هذه اللحظة من أعمال مناورة في معركة السلطة مع حراك الشعب…
وفي ضوء عدم الاستجابة لتلك المطالب التي يمكنها وحدها أن تلبي الحقوق وتعيد الحريات.. أي مع مطالب التغيير ببنية ونهج السلطة، فإن الحديث عن وقف التظاهر [ولو بمجرد التساؤل] أمر غير مناسب وغير صحيح نهائياً.. فلقد أدركت الجماهير أن احتجاجاتها وتظاهراتها هي الوحيدة الكفيلة بفرض إرادتها ولن تستجيب قوى المحاصصة الطائفية الفاسدة الموجودة في سدة الحكم، لأي من مطالبها.. ومن هنا فإنّ الإجابة الشعبية عبر تعاظم التظاهرات المنظمة والمبرمجة بخطى واضحة المعالم هي ما يرد على التساؤل وعلى المترددين، في اي خيار نستمر أم نتوقف…
وهكذا فالإجابة هي مستمرون، والمطلوب تطوير طابع التظاهرات وخطاها والاتجاه لإرفاق اعتصامات واختراق الأطواق التي تحمي سلطة الفساد؛ الأطواق التي لا تحمي الشرعية ولا العملية السياسية التي أرادها الشعب ووضعوا بديلها دكتاتورية قوى الطائفية الكليبتوقراطية..
أذكّر هنا بحقيقة واحدة وهي أن الحالية لم تحترم الدستور ولم تنفذ ما أرادته القوانين الدستورية في تمثيل الشعب ومطالبه بل فرضت إرادة القوى الميليشياوية ومطامعها وانتصرت دائما على الحقوق لصالح ناهبي الثروة ومررت هروبهم من وجه العدالة إن لم نقل إن رؤوس القضاء تسترت على جرائم بمستوى وطني مثلما التستر على جريمة تسليم الموصل وغربي البلاد بلا حسيب ولا رقيب!
فلماذا يتحدث بعضهم عن موضوع اختراق الأسوار الأمنية كونه يخدم أجندات لا يتحدث عنها ولا يثيرها سوى خطابات الطائفيين بجناحيهما.. فعند تعلق الأمر بطرف طائفي يستغل الطائفي بعبع تهديد من يدعي حمايتهم ببعبع الطائفي الآخر وعند تعلق الأمر بالتغيير الشامل يستغل الطائفيون بعبع النظام المنهار والبعثيين ليشوش على خطى تطوير الاحتجاجات الشعبية إلى مرحلة الحسم والتغيير الفعلي..
إنّ الاصطدام بسلطة الطائفية أما أن تلتحم به قوى المؤسسة العسكرية الوطنية جيشا وشرطة أو أن يمضي الشعب بمهامه النضالية وبصدوره العارية ليحسم أمره مع تلك السلطة ومع كل من ينحاز إليها… لأنّ التقدم إلى أمام لا يعني الفوضى بالضرورة كما تدعي بعض الأصوات ولكنه يعني الضغط الحازم والحاسم كي تستجيب تلك القوى التي احتلت الكرسي وعدّته جزءاً من غنائمها من الشعب، إذا ما توافرت قيادة حقيقية خبيرة ومعها برنامج عمل ناجز..
إنّ كل قوة مدنية لا يمكنها أن تتردد وتخضع لتحذيرات قوى الطائفية بجناحيها ذلك أنّ أيّ صوت يقف واجما خشية من عودة البعث كما تنذره به قوى الطائفية المتحكمة بالسلطة هو عامل اصطفاف مع برامج الطائفيين ضد الحركة الشعبية.. فمثل هذا التحذير هو كارت ترفعه قوى الطائفية وهو ليس سوى بعبعا سخيفا فضلا عن أمر آخر يتجسد في كون المدني لا يمكنه الاصطفاف مع جناح طائفي لا هذا الذي في السلطة ولا ذاك الذي خارجها فكلاهما نظام واحد للفساد والإرهاب وللسطو على مقدرات الشعب وإذا ما اصطف ولو تكتيكيا مع أحد الجناحين فسيفقد تمثبله للحراك الوطني الشعبي الأشمل..
ومن المعيب الاعتقاد أن الاصطفاف من طائفيي السلطة هو المنقذ من احتمال عودة فاشية النظام السابق مثلما الخطأ عينه الاعتقاد أن من يحرر الشعب من طائفية السلطة هو طائفيي الإرهاب ممن يريدون ركوب الموجة!
إن الحراك العفوي قد نضج وبات واضح الاتجاه وما يتطلب لتقدمه خطى أنجع هو مزيد من الطمأنة من أي انجرار لمطبات تعود به إلى وراء أو تذهب إلى ميادين الفوضى؛ وخطاب الثقة بالنفس وبالمشروع المدني البديل وأيضا وبالتأكيد يتطلب ولوج الميدان قيادة ثورية محنكة من تلك التي خبرتها ساحات النضال..
الآن حان وقت الانسحاب من فروض مؤسسية أدانها الشعب حيث برلمان الفساد الموجَّه من شلة شخوص انتفخوا على حساب ثروات الشعب وباتوا معروفين ليس لتضحياتهم ونضالاتهم ولا لفكرهم ولكن للكرسي الذي تربعوا عليه غنيمة إلى جانب ميليشياتهم الدموية..
إن استمرار التردد والخشية لدى بعض المدنيين والإيهام بإمكان الإصلاح من داخل أحزاب الطائفية هو وقوع بأسر تلك القوى الهمجية المتوحشة التي ستسفر عن وجهها وتنتهك حرمات الناس بأبشع مما فعلت طوال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة بمجرد ظهور حال تردد في الحراك أو انقسام بين مستمرين ومترددين…
على القوى الثورية والوطنية الديموقراطية التقدم إلى أمام بتنظيم يحرسه الحراك الشعبي الأوسع والأعمق نضجا منذ التغيير الراديكالي في 2003 حتى يومنا..
وبعد، فهذه مجرد تصورات عامة للمنافشة والحوار، يتبعها تحليل لتشخيص القوى التي يمكنها التقدم لقيادة الحراك الذي يتطلع إليها وينتظرها لحظة بلحظة.. كما يقترح برنامج الحراك وخطاه..
ولكن قبل مغادرة المعالجة ننبه على مخاطر جمة شرعت بها قوى الجريمة من اغتيالات وأشكال اختطاف واعتقال وممارسات دونية للانقضاض على الحراك الشعبي وأخذ مبادرة الحسم قبل أن يتحول الحراك لحسمه معركة الانعتاق والتحرر، فاحذروا وتوجهوا إلى صيغ تأمين قيادة الحراك على وفق معركة جدية مسؤولة لا تهادن الذئب ممثلا بسلطة الطائفية و\أو إشاعة الخدر لهذه الخطوة أو ذاك التصريح والخطاب..
يتبع الجزء الثالث