كارثة هيروشيما ناكازاكي مازالت ماثلة بآثارها المأساوية، لم تنسها البشرية. ومع ذلك وبعد كل تلك العقود على حدوث الجريمة مازالت الدول النووية تمارس الجريمة مرارا وتكرارا وإن بطرق مختلفة، مثلما دفن النفايات النووية اليوم في أراضٍ أخرى وكاستعمال اليورانيوم المنضب وغيره بأنماط أسلحة جديدة، ومثالنا هنا تلك التي تركت أعرق واد للزرع والنماء بوراً لزمن لاحق يتجاوز الـ 125000 سنة من القحط وكل هذه السنوات من الإشعاع ستقع بآثارها على أجيال أبناء الوادي ومحيطهم!!!
من المسؤول؟ لم يعد هو السؤال الرئيس ولكن قبله ما الحل؟ وكيف نعالج الآثار الكارثية لمخلفات الإشعاع في بلادنا ومجمل بلدان الشرق الأوسط..؟ فالمطلوب مباشرة عراقياً أن نقوم بإزالة تلك الأسلحة وآثارها، بوقف تصنيعها فورا وتفكيك كل أشكالها إذ لم تنهِ قنبلة الذرة على هيروشيما الحرب الكونية الثانية ولا مآسيها ولن ينهِ هذا السلاح ولا عنفه ولا أشكال العنف الهمجي دوامة الصراعات والمآسي الراهنة بل سيزيدها إيلاما وضربا وطعنا في البشرية ووجودها..
ومن أجل ذلك ينبغي ألا تشغلنا أولوية التركيز على طرد قوى الإرهاب واستعادة سلطة الدولة المدنية في الأراضي المستباحة عن مخاطر آثار المناطق التي باتت مناطق محظورة محرمة بسبب نسبة الإشعاع. وعلينا منح تلك القضية اهتماماً مناسباً بالمستويين الشعبي المنظماتي والرسمي الحكومي.
حيث يلزم النهوض بتعزيز الحملة الدولية ضد الأسلحة الكتلوية، أسلحة التدمير الشامل وأولها السلاح النووي.. ولأننا من وادي الرافدين المصاب ولأننا في منطقة الشرق الأوسط التي تتصاعد فيها حمى السباق النووي وتهديداته. ينبغي أن نطالب ونعمل على وضع برامج لبناء مؤسسة أو جهة متخصصة إقليميا من دول المنطقة وخبرائها وتبدأ تلك الجهة بدراسة خارطة طريق لاعتماد مشروع إخلاء المنطقة من السلاح النووي ومن آثاره الموجودة فعليا ومنع التصعيد بشأنه وحصره ببرامج سلمية تحديداً. وأن تتشكل المؤسسة أو اللجنة بشكل تكاملي بقسميها في الاستخدامات العسكرية والمدنية.. وألا يتم استثناء أية دولة في المنطقة من هذه اللجنة ومن قرار إخلاء الشرق الأوسط من تلك الأسلحة الفتاكة التي يعد امتلاكها جريمة ضد الإنسانية..
ولعل البحث في وضع قانون اتفاقية وتنفيذه على وفق خارطة طريق مناسبة هو السبيل الوحيد لجعل المنطقة أنموذجا للسلام بدلا من كونها نقطة التوتر الإقليمي والعالم. ولأن المنطقة وشعوبها ودولها باتت تحت خط الأزمة وفي عمق الهاوية وهي بحاجة لمشروعات إنقاذ عاجلة فإنّ حسم هذا الموضوع سيكون جزءا من حسم قضية السلام والحرب فيها. ومن ثمَّ سيكون الاتجاه نحو منع احتمالات نشوب حروب محلية وكبرى جديدة فضلا عن منع تأثيرات القتل الجماعي لبقايا الحروب الأخيرة ونبدأ مشروعات معالجة الأرض المصابة بما يعيد الحياة والأمل لأهلها..
إننا اليوم مسؤولون مباشرة أمام أنفسنا وشعوبنا ودولنا للسير باتجاه حملة فعلية لبناء مؤسسة ((نووي الشرق الأوسط للسلام)) لا للحرب. وللذهاب نحو تفعيل أدوار علمائنا المتخصصين في هذا الاتجاه لينطلقوا بمؤتمر مخصوص ينعقد سنوياً وينبغي أن يجري التحضير له الآن قبل الغد وليختر الذكرى السنوية لهيروشيما لينطلق في مركب التنفيذ والحل…
إنّ إمكان تنفيذ هذا الأمر يبدأ من قرارات وطنية على مستوى كل دولة بتفعيل مؤسسة وطنية للنوي السلمي وبتشخيص مسؤول للمفاوضات الإقليمية بإطار مؤسسي يبدأ بمؤتمر ويتحول إلى بنى مؤسسية دائمة ترتبط بالمنظمة الدولية ومؤسساتها المتخصصة.
إذن، هل يحق لنا بهذه المعالجة الموجزة المتواضعة أن نقترح خارطة طريق أولية بالنداء من أجل:
- استكتاب الأقلام المتخصصة بهذا الشأن.
- الشروع بحملة ((نووي الشرق الأوسط للسلام)).
- المطالب بلجنة إقليمية وإشراف دولي على نووي المنطقة.
- الدعوة للتعاون بشأن مشروعات سلمية لاستخدام النووي.
- الطلب إلى المنظمة الدولية أن تشرع بتشكيل وتقعيل لجنة متخصصة بنووي الشرق الأوسط.
- العمل على ربط قضية السلام في المنطقة بالحل الشامل.
- توحيد مشروعات السلام في إطار منتدى إقليمي متخصص مع استقلالية لملف النووي.
بعد مرور عقود على معالجتي هذا الموضوع وندائي من أجل إخلاء المنطقة من السلاح النووي، فإنني هنا أتقدم بندائي مجدداً من أجل هذا الهدف الإنساني النبيل عسى نستجمع قوانا ونوحدها بمسيرة تنظيف المنطقة من آثار ما تم استخدامه بحروبها وإخلاء دولها من أسلحة الدمار الشامل ونبدأ بالنووي على وفق اتفاقات وفي إطارها مما سيبتعد بنا عن مزيد هزات غير طبيعية.
إنّ الصراعات القائمة ودرجة العنف فيها تبقى اقل تهديدا استراتيجيا لشعوبنا من تلك الأسلحة ومخاطرها.. فهي أسلحة همجية عمياء يمكنها أن تطال مئات آلاف من أبناء بلادنا بل ملايين الضحايا.
ومن هنا تأتي الأولوية التي أشرنا إليها. فهلا سُمِع قرع نواقيس الخطر أم نحتاج لمزيد مثابرة ومواصلة بشأنه!؟ ثقتي أن مساهمة مؤسسية جمعية تبدأ بمنظمات مجتمع مدني عنوانها ((نووي الشرق الأوسط للسلام)) لا للحرب ولا للعدوان والابتزاز هو أمر ممكن ومتاح.
فإلى كل العلماء بالتخصص وغلى ناشطي حقوق الإنسان والناشطين بمجالات البيئة والمعنيين بالأسلحة الكتلوية الشاملة، هل شرعنا بالتأسيس وقيادة الحملة الإقليمية بما يجذب إليها طاقات وقدرات التأثير والعمل وإصدار بيان المباشرة باتفاقية إخلاء المنطقة وتنظيفها من هذه المتفجرات الكارثية الموقوتة!!؟
أؤكد مجدداً:
إنّ هذه الأسلحة ونتائجها ميدانياً هي إرهاب بأبشع أوجهه، يجب الانتباه على مخاطره، والعمل على وقفها.
إنَّ هذه المعالجة الموجزة المتواضعة هي جزء من رؤية وحلم عسانا نتعاضد للشروع به عملا لا شعارا وقولا.
تحايا لضحايا النووي والإشعاع القاتل في كل مكان
وعهدا أن نتحرك سويا من أجل غد خال من النووي سلاحاً وتأثيرات مرضية.