بمناسبة يوم الصحة العالمي الذي يحتفل به العالم سنوياً في السابع من أبريل، ينبغي التوكيد على أهمية تفعيل دور الدولة والوعي المجتمعي وتوعيته ودفعه للالتفات إلى الأولوية الاستراتيجية لقضيتي الأمن الغذائي والرعاية الصحية الشاملة التامة والكاملة للمواطن. ذلك أنّ نمو المجتمع لا يمكنه أن يكون سليماً طبيعياً إلا بحال تكامل أركان أمنه؛ ومن أبرز تلك الأركان، الأمن الغذائي الذي يبدأ بالاهتمام بإنتاجه وطنياً والعناية بكل من صحة زراعته وسلامة صناعته وتسويقه وتحضيره. فسلامة الغذاء أساس لسلامة الإنسان وصحته ومن ثمّ انعكاس الأمر على أحوال النمو البشري والتنمية المجتمعية.
إنّ قضية توفير الغذاء لملايين النازحين والمهجّرين قسراً ولملايين الفقراء مع تنامي نسبة الفقر تبقى قضية رئيسة وجوهرية. كما أن سلامة ذلك الغذاء المنتج محليا أو المستورد هي قضية جوهرية في باب رعاية العراقي وصحته وسلامته. ولطالما رصدت الجهات المعنية حالات الغش في صناعة الأغذية وتسويقها. ومن ذلك ما طاول مواد قائمة البطاقة التموينية وما تعاني منه من فقر وحالات استثناء وقصور فضلا عن حالات التلوث وانتهاء الصلاحية والمواد المخلوطة المضرة بصحة الإنسان!
إنّ عوامل تفاقم نسبتي الفقر العمودية والأفقية وتصاعد نسب البطالة والخراب في محوري الزراعة والصناعة هي من القضايا المؤثرة في موضوع الأمن الغذائي وفي الرعاية الصحية. ومن دون معالجة جوهرية شاملة ستتدهور الأمور وتصل مراحل اللاعودة في مخاطرها الكارثية. وفي مجال الصحة أيضا يجابه العراقيون تدهوراً في نسب المياه سواء ما يخص الحصة التي تحتاجها الزراعة وسلامة البيئة أم ما يخص تلك المياه الصالحة للاستهلاك الآدمي حيث النقص الحاد في مياه الشرب التي تعاني من مشكلات الاختلاط بالملوثات وحتى بمياه الصرف الصحي بالإشارة إلى وقائع معروفة لدى المواطنين والمجتمع برمته!!
وينبغي إلى جانب ذلك أن نشير إلى رصد ظواهر هجرة الأطباء والمتخصصين وفراغ المستشفيات والمراكز الصحية من الكوادر المؤهلة وتراجع مخيف في نسبة عدد الأطباء إلى الحجم السكاني مع خراب تلك المؤسسات وتدني مستوى الخدمات فيها بما دفع بعشرات آلاف المواطنين للمعالجة على نفقتهم في خارج البلاد وهو الأمر الذي عرَّض كثيراً منهم لنهب الأعضاء البشرية وللابتزاز وسوء الخدمة و\أو سوء المتابعة التالية ما بعد العمليات الجراحية الكبرى والمعقدة…
أضف إلى هذا انعكاس المتغيرات السياسية والاجتماعية في الجو العام السائد على صحة الإنسان وقصور الوزارات المعنية بالرعاية الصحية، كوزارة الصحة والتربية والتجارة وغيرها. فقضية الصحة العامة تظل مسؤولية وطنية تتطلب تعزيز الوعي الحقوقي به وإدراك مخاطر إهماله أو افتقاد أحد أركانه. ونحن نذكّر هنا لا بسلامة الصحة البدنية حسب بل ما هو أخطر في الأجواء السائدة حيث الصحة ببعديها النفسي الاجتماعي. ولطالما أكدت الدراسات على أنّ ظواهر كثيرة مما يجري في العراق اليوم هي حال من التفاعل متبادل التأثير مع الصحة النفسية. نشير على سبيل المثال لا الحصر إلى اللجوء إلى العنف المفرط والسلوك الإجرامي وعلاقته بشيوع الأمراض النفسية الاجتماعية…
ولابد لنا من تأشير ظواهر القصور في الجهد التوعوي الثقافي والإعلامي من طرف وزارة التربية والتعليم بشأن دور الإدارة العامة للصحة المدرسية في التوعية الصحية بالشراكة مع وزارة الصحة وبشأن سلامة المياه بالمدارس ومعها كذلك وزارة البيئة ووزارات أخرى بشأن الفحص الدوري لعينات الطعام وتطبيق معايير الصحة العامة.. وتؤكد هذه المعالجة على ضرورة أن تلعب المنظمات الدولية المعنية دورها في الظرف العراقي المخصوص سداً لحالات نقص الغذاء سواء عند الطلبة الفقراء أم عند النازحين والمهجرين والفئات الهامشية الضعيفة باتساع وجودها.
إنّ هذه الإشارة بمساحة واسعة بمعالجتنا هنا لمشكلة الغذاء وتأثيرها في الشأن الصحي تعود لتفاقمها في ظل الظروف التي يشهدها العراق. كما تعود إلى حقيقة أن الوقاية خير من العلاج. وإلى تفاقم انتشار الأمراض المنقولة بسبب حالات التلوث المختلفة سواء منها البيولوجي (البكتريا والطفيليات وغيرهما) أم الكيميائي أم الإشعاعي. وعلى الرغم من عدم توافر إحصاءات رسمية وافية ومكتملة فإن نسب الأمراض المختلفة باتت مشهودة ومتفشية بانتشار جد مؤلم.
إنّ برنامج الغذاء العالمي يوزع سنويا على وفق آخر إحصاء أكثر من مليوني طن من الطعام في 75 دولة شاملاً نحو 80 مليون شخص. ولكن كم هي حصة ثلاثة مليون نازح اليوم في العراق؟ وهل رصدت الدولة العراقية قبل المنظمات الدولية معاناة هؤلاء ومعهم ملايين الفقراء؟ وما نسبة ما يستطيع كل هؤلاء توفيره في ظروف معيشية سيئة يعانون منها؟ وهل تمتلك الدولة إحصاءات صحية دقيقة لمواطنيها؟ هل تعرف حجم الإصابة بأمراض سرطانية نتيجة التلوث البيئي؟ هل تعرف حجم الإصابات الوبائية؟ وهل تدرك مخاطر الأمراض المعدية وحجم انتقالها؟ هل لديها إحصاء لحالات الإعاقة وطبيعة الرعاية التي تحتاجها؟ هل تعرف معنى ظروف السكن لمدد طويلة خارج المنزل الصحي المؤهل؟ هل رصد الأمراض التي استجدت نسب انتشارها في الظروف الراهنة؟ هل هناك فعليا رصدا للمؤسسات الصحية وما يجري فيها؟ وماذا اتخذت بهذا الخصوص؟ وما إجراءاتها ميدانياً فعلياً؟ وما الاستراتيجية التي اتخذتها؟ وهل تتابع الجهات البرلمانية رقابتها بخصوص صحة المواطن وسلامته؟ وماذا فعلت بالخصوص؟ وهل توجد دراسات أكاديمية بحثية وأخرى بمستوى التخطيط الاستراتيجي المؤمل؟ وهل ارتقى مستوى الوعي الحقوقي بقضية الصحة العامة والحق فيها إلى مستوى يتناسب وما يجابه المواطن من تهديد في صحته؟ وماذا فعلت كل الجهات الرسمية والحقوقية بهذا الشأن؟ ما هي المؤشرات المرصودة؟ ماذا فعلت الحركات الحزبية السياسية وما برامجها وماذا فعلت (إجرائياً) لا نظرياً بهذا الشأن؟؟؟
تلك أسئلة نطلقها بمناسبة يوم الصحة العالمي.. ولنقرأ عبرها وعبر أسئلة أخرى محايثة وضع المواطنة التي تتعرض قبل المواطن لانتهاكات خطيرة في سلامة صحتها! وأسوأ منها ما تتعرض له الطفولة من انتهاك صارخ في السلامة الصحية من مدخلات رياض أطفال غير كافية وغير مؤهلة ومبرمجة على وفق أمراض مجتمعية من قبيل انعكاسات تربوية ليس هذا موضع التفصيل به وحتى وصول الإنسان سنّ البلوغ. إن مجمل ضغوط العصر باتت أسوأ من معقدة وأسوأ من التوصيف بالمصطلحات التي تمتلكها معاجمنا اللغوية. ولا تفيها هذه القراءة الحقوقية العجلى.. ولكننا هنا:
ندق نواقيس المَهْلكة والكارثة المحدقة بعد أنْ قرعنا نواقيس الخطر لسنوات عجاف بلا صدى.. فهل من التفاتة من جميع المعنيين بلا استثناء لطرف في هذه القضية ذات الأولوية!!!؟