أيتها السيدات والآنسات أيها السادة وددت وضع معالجتي الموجزة هذه محددة بمادتها في زاوية بعينها، وأن تكون بصيغة خطاب مباشر مع القارئ أملا بحوار مناسب ننضّج فيه ما يمكن أن نصل به لأفضل وسائل أنسنة وجودنا. ونحن جميعا ندرك كم هي الأمراض والسمات التي أصابتنا بدراية وإدراك أو من دونهما. وبإيجاز، فنحن نحيا في مجتمع إنساني قطع شوطاً مهما في مراحل التقدم القيمي.. حيث التمدن والتحضر والتنوّر يسود عالمنا المعاصر إلا بقع متناثرة هي كما الأفراد الذين يمرضون وسط محيطهم الصحيح. وفي إطار قيم التمدن هناك محددات للعلاقات الإنسانية.
وهذي المعالجة المتواضعة تقف عند موضوع ما يحكم علاقاتنا بالآخر. وبخصوص القيم المدنية التي تحكم العلاقات في الشأن العام لوجودنا لا ينطلق سمو تلك القيم وتمدنها ببناء علاقاتنا مع الآخر على أساس مزاجي لأن الأمزجة تخضع للتقلب وتخضع لتأثيرات مرضية أو سلبية بالمعنى الأشمل ولكن تأتي القيم النبيلة عبر مواقفنا التي نبنيها بمنطق العقل والروح الموضوعي لا المحدد الذاتي. صحيح أنّ من حقنا أن نختار هذا الآخر بما خصَّ علاقاتنا الشخصية وأن نحدد دائرة تلك العلاقات، لكن الآخر في قضايا الشأن العام أمر مختلف نوعياً لا يمكن أن تحكمه المحددات والأسقف الشخصية.
لذا وفي ضوء هذا الفهم، أجدد دوما ندائي للجميع كيما يمنحوا الآخر في قضايا الشأن العام جسور علاقة طبيعية مفتوحة ويتفاعلوا معه من منطلق كون الطرفين (الأنا والآخر) يسيران في ذات الطريق المؤدية لمجتمع التمدن والتحضر.
إنّنا عندما نحكم علاقاتنا مع الآخر في الشأن العام بأمزجتنا وعوامل الانتقاء الشخصي الذاتي المرجعية نعزز انتشار الشللية والتشظي بوجودنا والانقسام بين تخندقات مرضية ونتيح في إطارها فرص قيم سلوكية مسيئة لما نؤمن به ومتعارضة مع فرص بناء وجودنا في فضاء الدولة المدنية والمجتمع الإنساني المتفتح المتحضر…
إنّ هذه الحقيقة وما تفرزه من ممارسات نجدها اليوم أصابتنا بمقتل حين نرى بعض جمعيات ومنظمات تتأسس وتمارس أنشطتها لا على أساس منطق وجودها بدولة مدنية الأفق والقوانين حيث تمثيل شرائح وفئات ومكونات مجتمعية كاملة وإنما على أساس الارتياحات والعلاقات الشللية فجمعية باسم هوية وطنية تتشظى بين عشر جمعيات بذات المسمى وكل واحدة تعمل على وفق أهواء أمزجة فردية وتنحصر بمجموعة أو شلة محدودة..
والشلة تولد وتنمو بتمترسها فتتمزق اللحمة المجتمعية ويبتعد الجمهور الأوسع عن جميع الشلل النمتمظهرة بجمعيات مصابة بداء تحكم الأمزجة المرضية وهو عقاب طبيعي من جمهور العامة تجاه العناصر المجتمعة بحدود الخيارات المزاجية وهذا من إفرازات سماحنا لأنفسنا أن تتعاطى مع الآخر من منظور ضيق سلبي محدود يحكمه مزاجنا وخيارنا الخاص….
ربما نجد منظمات وجمعيات متعددة على وفق التيارات الفكرية الفلسفية والسياسية والقوانين العامة للمجتمع المدني وهذا يقع في التعددية وهو أمر مقبول؛ لكننا نتحدث هنا عن أمر مختلف يتعلق بتلك المواقف التي تتمترس خلف الارتياح الشخصي لهذا أو ذاك ومقدار تحديد الانتماء لجمعية أو منظمة أو الحضور في أنشطتها في ضوء تلك المواقف الضيقة..
لقد سارت المواقف المرضية تلك بتضخم وتفاقم حتى صار بعضهم لا يسمي الجمعية باسمها بل باسم شخص من قبيل جمعية فلان بدل جمعية عراقية أو حقوقية أو ما شابه.. تصوروا الكارثة أننا نتحدث عن الجمعيات الحقوقية كونها ملكية تنطبع بوجود شخص أو أشخاص [شلة] في إدارتها ونحاصرها ونحصرها باسم الشخص!!! وطبعا نتخذ منها موقفا متعارضا وما يُلْزِمُنا بدعم أنشطتها المدنية الحقوقية! فهل هذا هو منطق وجودنا المدني الإنساني المتفتح!؟
هل من السليم أن نحكم علاقاتنا بالآخر في الشأن العام بمثل هذي المواقف المتشنجة السلبية المتضخمة بما تحمله من أمراض وبائية؟؟
وحين تحاول التدخل للمعالجة، تجد من يقول لك لماذا تتحدث معيأنا بالتحديد؛ إنّ (الكل) يمارس هذا ويتخذ مواقفه من هذا المنطلق… وطبعا برده هذا يريد التبرير لممارسته أمراض النفاق، الغيبة، النميمة وممارسة القيل والقال بإلقاء التبعة على كون الآخرين يمارسونه وهو يرد فقط على تلك الممارسات!؟ ولكن لِمَ لا نبدأ بأنفسنا ونتخذ موقفا إيجابيا ونتجنب المزاجية وأمراضها في الشأن العام؟؟
تأكد يا صديقي، أنّ من حقك أن تحدد علاقاتك الخاصة وأن تختار من تشاء وأن تحدد أسلوبك معه في ضوء ما تراه وتحس به من عواطف ومشاعر… ولكن بالتأكيد ليس من حقك أن تفرض خطابك المزاجي الخاص في الشأن العام لأنه يتعارض وآليات المدنية والحضارة.
تذكر أنك إذا أبحت لنفسك ممارسة مزاجيتك واستيلاد الشلل فإنك تفسح لمثيلك الذي تراه نقيضك بأن يمارس ذات السلوك وبهذا ينغمس المجتمع في التراجع عن الروح الإنساني المتفتح وعن الانفتاح المدني وبناء مجتمع مدني بآليات نوعية متقدمة. من هنا تبدأ الأمراض تستفحل.
أرجوكم أيتها السيدات والآنسات والسادة
لا تنقلوا أمراض العلاقات الخاصة وتفرضوها قسراً على الوجود الجمعي لوجودنا..
أؤكد أن ما أتحدث عنه، ربما تناول مجتمع الجاليات من أصول مشرقية وشرق أوسطية وعربية وكوردية وأمازيغية وغيرها.. وهي معالجة لا تتهم وجودنا الجمعي ولكنها تحدث في نطاق هذا الوجود.. و لربما لاحظنا الأمر بمراجعة أنفسنا وممارساتنا وقيمنا السلوكية .. وأدركنا طابعه الذي سيدعونا لتجنبه.
وعسانا ننظر نقديا إلى ما نراه في بيئتنا بل فينا، مما قد يبدو عن غير قصد وربما سهوا أو بطريقة لا نعي مخاطرها النوعية؛ فنفلح بوساطة ممارسة النقد الذاتي، نفلح في تغيير أنفسنا ونغير في الآخر بدءا بمحيطنا وليس انتهاء بالآخر القريب منه والبعيد..
برجاء أن نعزز ممارسة وجودنا الإنساني الجمعي المتمدن بقيم العمل حضاري القيم متطور الأداء لا بالرجوع إلى الخلف
نشِّطوا الجهود لاستعادة اللقاء في ميادين جمعياتنا ومنظماتنا المدنية لننتصر لأنفسنا ولأبنائنا ولمستقبل حافل بالأنسنة وبالروح المدني الحضاري السليم
لا تنسوا لن يغير لكم وجودكم وطبائعكم إلا قرار من دواخلكم
لا تنسوا لن تبنوا بلادكم ولن تؤسسوا لنجاحات إنسانية في نطاق الجاليات إن لم تغيّروا ما بأنفسكم أنتم
وتذكروا أن لا جنة بلا ناس .. وأن العمر ليس طويلا بما يكفي وستأتي لحظة لات ساعة مندم يوم لا مجال لعودة الشروع بالعمر مجددا لتحيوا بطريقة إنسانية وبفضاء إنساني.. اليوم فقط ينبغي أن تبادلوا الآخر علاقات عامة إيجابية كي تحيوا الحياة المؤنسنة..
ونحن معا وسويا وبمبدأ احترام الآخر ومبادلته علاقة سليمة نحيا وتستقر حيواتنا وخلا ذلك نحن نمضي في طريق الآلام والأوصاب والجراحات..
فماذا تختار أيها الصديق.. أطريق المرض وأن تكون فيروسا وبائيا أم طريق عمل الخير على أقل تقدير وتجنب الوقوع أسير المرض والتسبب في إمراض الآخر؟؟
ومن قبل ومن بعد، فلكل من يقرأ هذا المقترح للحوار، ويجد فيه نقصا أو عيبا وثغرة، له حق التداخل لاستكمال المعالجة وإنضاجها أو حتى وضع بديلها لكن الشرط أن يكون البديل دائما بما يخدم أنسنة وجودنا ومعالجة أمراضنا..
هلا تفكَّرنا بأن الشأن العام يتطلب منا إبعاد مزاجنا الشخصي ومواقفنا وخياراتنا الخاصة؟