شمسُ كوردستان ساطعةٌ بميادين كثيرةٍ، بكلِّ حقلٍ للكوردستانيين تجد شمسَهم ساطعةً؛ بميادين السلمِ والحرب، تسطعُ مضيئة فضاءات الحياة الحرة الكريمة. اليوم يجدّدُ مقاتلو البيشمركةِ انتصاراتِهم. اليوم يستعيدون ذخيرةَ الخبراتِ والتجاريب التي امتاحوها من معاركِهم ضد عتاة الطغاة والمجرمين وجيوشِهم المدججة بالأسلحة الفتاكة. ومرةً أخرى، يسطّرُ أبطالُ المجد وحاملو أضواءِ الشمس الكوردستانية بطولاتِهم ليدحروا مجرمي العصرِ الإرهابيين وينتصروا على مكْرِهِم وإجرامِهم وعلى خططِ من درّبَهُم ومن زوَّدَهُم بالسلاحِ وبفرص الظهور على هذي الأرض الطاهرة ليدنسوها ويحاولوا اغتيال شعبها!
إنّ شعباً حماتُهُ أبطالُ البيشمركة لا يمكنُ تصفيته واغتيال وجودِهِ وإحالتِهِ إلى عبيدٍ كما توهَّمَ المجرمون الإرهابيون ومن أتاح لهم فرص التسلل في ليل أظلم. ومن هنا تنادى الأبطالُ الذين تفرغوا للعمل والبناء واشتغلوا بميادين السلام لإعادة إعمار كوردستان، تنادوا ليعودوا ويمتشقوا السلاح مجدداً لطرد تلك الشراذم التي حاولت التسلل، وليحرروا أبناء المدن والبلدات والقرى التي اُسْتُبيحت تحت جنح ظلام.
ها هم يلتقون اليوم عاقدي العزم على إزالة كل بقعة وساخة لطَّخت أرضَ الخصب والحرية؛ وعلى تحرير كل امرأةٍ وطفلٍ وشيخٍ من الوقوع تحت سلطةِ الجريمةِ الإرهابية الجديدة.. ها هم يلتقون تحملهم إلى ميادين المعركة عقيدةٌ أعمق من العقائد العسكرية المحترفة إنها عقيدةُ الإيمان بالكوردايتي حرة أبية لا تقبل الضيم، وهو إيمان لا تزعزعه قوة الشر مهما علا صوت الزمجرة فيها؛ فهو قرقعة طبول فارغة بينما عزيمة البيشمركة ملأى بقضيةٍ وبإيمانٍ يمتد بعمق تاريخ أبناء كوردستان البهية وجغرافيا الجبل وطَوْد ثباته، وذلكم هو عامل انتصارٍ ليس بحاجة إلى برهان.
ومن عوامل الانتصار الأخرى ما يتأكد في حقيقة أنّ البيشمركة تقدمت ومعها قيادتها الخبيرة، تتقدمها ولا تتخبأ خلفها. فهي قيادة تدرك أنّ المعارك المنتصرة لا تكون إلا بهذا الفعل الميداني المباشر. وإلا بوجودها حيث تقتضي الضرورة ويلزم الواجب. ولعلَّ هذا ردٌّ يمثل صفعة قوية للمتخرصين من مفبركي التهم ومن يكيلونها ظناً أنَّهم يستطيعون تشويه حركة التحرر القومي الكوردية وقيادتها بدجلهم واختلاقاتهم، وهم يمارسون ذلك بسبب عدائهم وبمحاولة منهم لترحيل فشلهم وجرائم ارتكبوها عبر هذا الخطاب التشويهي التضليلي..
أما كوردستانياً، فلم ينشغل طرف كوردستاني بمعارك وهمية عبر شاشات التلفزة والفضائيات كما الأعداء بل أعَدّوا لمعاركهم وواجباتهم وما فعلوه اليوم ليس سوى الخطوة الأولى في دروب الحرية وإعادة بنى الدولة ومؤسساتها للمناطق التي وقعت غيلة بأيدي عناصر الإرهاب.
إذن، المعركة بدأت مذ اللحظة الأولى التي حاول فيها الإرهابيون الاقتراب من أسوار كوردستان الحرة، ومذ حاولوا التسلل لممارسة عبثهم وجرائمهم؛ وقد تصدت القيادة الكوردستانية لمهامها عبر جملة من الخطوات المباشرة وغير المباشرة استعداداً لمهمة استعادة الأرض وانعتاق الناس من العبودية التي فُرِضت عليهم ولعل موجزها يتلخص بالآتي:
- اطلاق مهام التعبئة الشعبية في الداخل الكوردستاني، والعمل على توفير وحدة المكونات الكوردستانية وتكاتفها وتجاوز ألاعيب الخطاب المعادي الذي يحاول شق الصفوف بمشاغلة باتهامات مرضية لا تخدم سوى أعداء تلك الأطياف بأجمعها.
- التوجه بخطاب طلب التضامن إلى المجتمعين الأممي والدولي. الأمر الذي وجدت استجابته وتجسّده حراكاً تضامنياً أممياً كبيراً واسعاً وكذلك انعقاد التحالف الدولي لدعمٍ مباشر وغير مباشر، بعد أنْ تعرّض الإقليم لحصار حتى في وجوده الفديرالي عراقياً.
- معالجة القضايا الإنسانية للنازحين المحتمين بكوردستان وتحمّل الواجبات التي فاقت القدرات المادية الفعلية المتاحة في ظل الحصار الظالم القاسي ومنه على سبيل المثال ما تمثل بقرار قطع رواتب الموظفين من قبل حكومة المالكي السابقة!
- البحث في استثمار الإمكانات المتاحة بطريقة غنية بعمقها الاستراتيجي في الجانبين المدني السلمي والعسكري الحربي.
- تعزيز الاتصالات بالمنظمات والأطراف الدولية المعنية لفتح جسور الإمداد اللازمة والضرورية للتصدي لمهمة التخريب المتعمد الذي تعرضت له كوردستان في إطار العراق الفديرالي.
- ملء الفراغ الذي تركته هزيمة قوات المالكي وسد الثغرات التي نجمت عن حال تفكك بل انهيار مؤسسات الدولة الاتحادية ومنع تسلل قوى الإرهاب والنهوض بحماية المدن والبلدات التي تركتها تلك القوات في انهيار مفضوح الأسباب والعوامل..
- المبادأة والمبادرة بحراك استعادة المناطق المستباحة في شروع بمعركة الحرية ضد مجرمي الإرهاب وعناصره المقاتلة.
إنَّ مجمل هذا الاتجاه الثابت الذي يعني النهوض الجدي الأنجع بمهام الدفاع عن كوردستان وصواب خطواته ومفردات الاستعداد هو سطوع مميز يضيء ما ينبغي أن يكون على الضفة الأخرى من الوجود الفديرالي العراقي. حيث مهمة استعادة وجود الدولة في المحافظات التي انهارت فيها، بسبب السياسة الطائفية وجرائم التمييز وممارسة سياسة الإقصاء والإهمال المتعمد الذي أودى إلى تلكم النتائج المرضية الخطيرة!
ويأتي الانتصار العسكري الميداني للبيشمركة بأسلحة غير متكافئة؛ إذ لم يتم حتى يومنا تزويد البيشمركة بالأسلحة المطلوبة للحسم تحديدا تلك الأسلحة الثقيلة من دروع ومدفعية وغيرهما، يأتي هذا ليؤكد أنّ الانتصار ممكن إذا ما توافرت الإرادة السياسية المتمسكة بواجباتها تجاه الشعب. ومثلما انتصرت القيادة الكوردستانية بالاستناد إلى شجاعة البيشمركة وإرادتها الصلبة وخبراتها العريقة فإنّ الانتصار ممكن في الضفة التالية للوجود الفديرالي حيث توجد الإرادة الشعبية لدحر الإرهاب واستعادة المبادأة لكن المنتظر حتى اللحظة هو إرادة سياسية وقرار وخطى سليمة باتجاه وقف تداعيات الخراب الذي نجم عن رعونة السياسات الطائفية السابقة…
إنّ اجتراح الانتصار بتلك الإرادة الحديدية المكينة للبيشمركة يبقى الدرس الأنجع لقوى الشعب العراقي كيما تركز الضغط على غاية أولى تتمثل في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وعلى التخلص من زمن تولي شخوص لمسؤوليات لم يكونوا كفؤا لها والأتعس أنهم كانوا نهازي فرص فاسدين ركزوا اشتغالهم على السرقة والنهب وعلى نشر أمراض فسادهم ووباء طائفيتهم الأمر الذي نخر [ومازال] ينخر في بنى الدولة ومؤسساتها!
إن الانتصار الذي جاء بقوة البيشمركة يؤكد درساً يتمثل في أن تلك القوات موجودة في إطار مؤسسي صحي سليم البنية وتقف على أرضية متينة راسخة وتحمل عقيدة الارتباط بالوطن والشعب والتضحية من أجلهما وهو ما يعني التنبيه على ما يخص الجيش الاتحادي الذي وجب تحريره من جملة ثغرات جوهرية نوعية هي: أولا الانعتاق من آثار مكتب تأسس خارج سلطة القانون بالإشارة إلى مكتب القائد العام السابق وثانياً على إعادة الثقة بالضباط الكفوئين ومنحهم الصلاحيات في التخطيط والأداء وعلى حسم المعركة مع عبثية الفروق بين فروض الورق الوهمية من وجود خيالي وفروض يطلبها واقع الحال من إعداد…
فلقد تشكلت فرق وألوية كثيرة من قطعات جيش المالكي من (الفضائيين) المسجلين على الورق فيما الحقيقة ليست أكثر من مجموعات تفتقد للتدريب والخبرات وتفتقد للعقيدة العسكرية وللإيمان بواجبها المناط بها.. ومن هنا فإنّ الانتهاء من هذه الجريمة تطلب ويتطلب إجراءات جدية نوعية لبناء الجيش الاتحادي بعقيدة تنتمي للعراق الفديرالي من جهة وتتبنى تجاريب بنيوية سليمة يمكنها الانتصار لقضية الأمن الوطني وإعادة هيبة الدولة وسلطتها وتأمين سلامة الشعب في المحافظات كافة من دون تمييز بأي وجه وشكل كما بوجه الطائفية..
إنّ انتصارات االبيشمركة هي مفتتح الطريق إلى الحرية وهي الحاسمة في إيقاف زحف عصايات الإرهاب ولكنها تبقى بحاجة إلى جملة من الإجراءات الضرورية اللازمة تتمثل بــ:
- تزويدها بالأسلحة النوعية المناسبة.
- استمرار الدعم اللوجيستي ومواصلة التزويد بالعتاد المناسب.
- دعم المستشارين الميدانيين والمعلومات الاستخبارية وجهود الرصد.
- تعزيز التنسيق مع التحالف وتطويره نوعيا بما يتيح تأثيره الميداني ويديمه للمراحل التالية
- دعم مهام إنسانية تخص النازحين وتقليل الضغط المالي الحيوي المكلف للمعركة.
لكن المحصلة الأبرز تكمن في إدخال القوات الاتحادية الخاصة في المعركة مباشرة بخاصة على تخوم كوردستان وفي المناطق العربية من العراق الفديرالي مع تفعيل الجهود الشعبية الساندة مشروطة بأمرة القيادة العسكرية المحترفة. ومن دون إدامة مطاردة شلل العصابات الإرهابية وحسم المعركة سريعاً ستُمنح لهم الفرص المضافة لإعادة ترتيب أوراقهم وتعريض الأوضاع لضغوط ولربما لانتكاسات بسبب من مؤشرات أكدناها في سياق التحليل…
إنّ الانتصار الحاسم على قوى الإرهاب يقتضي عدم التلكؤ معها وتجنب منحها مزيد الوقت وقطع طرق امدادها بما يمنح جرائمها فرص الحياة أطول.. عليه ينبغي الدفع بالقوى الاتحادية إلى ميدان الالتحام والاستفادة القصوى من الانتضار الميداني الساطع للبيشمركة والاتجاه نحو الانعتاق النهائي من سطوة تلك القوى الهمجية الظلامية…
إنّ وحدة وطنية عراقية على أسس التمسك بعراق فديرالي جديد ستكون هي الخطوة التالية.. وإذا كنا نتقدم اليوم بالتهاني والاحتفال بانتصار البيشمركة اختتاماً لسنة من الشدائد فإنه يجب أن يدفع هذا لافتتاح عام جديد بانتصار آخر للقوات الاتحادية بتطهير أرض العراق الفديرالي من قوى الإرهاب كي لا يفسحوا المجال لأي محاولات استنزاف وتخريب جديدة لتلك القوى وكيما يتم إبعادها عن تخوم كوردستان ومجمل الأرض العراقية.. وذلك ممكن وسنحتفل به إذا ما توافرت الإرادة والقرار الوطنيين بعيدا عن آثار السياسة السابقة التي أودت بالأمور لما نحن فيه حالياً…
ومبارك لكوردستان الوطن والشعب انتصارات جيشها من قوات البيشمركة وعقبى للعراقيين كافة الانتصار للدول المدنية في عراق فديرالي ديموقراطي جديد ينعم بالسلم ويعيد مسيرة الإعمار والبناء بتكاتف أبنائه كافة.