يراوغ الطائفيون وهم يديرون سلطة القرار ويحاولون إخفاء فلسفتهم الظلامية والتستر وراء أقنعة زائفة. ويثرثرون كثيراً عن بناء الدولة المصطبغة بالتبتل والتديّن والورع والزهد؛ والحقيقة أنَّ كل هذه المصطلحات ملغية في سلوكهم وقيمهم بدليل مفضوح للقاصي والداني من أبناء الوطن. فالفساد بكل أشكاله في قمته وهم دولياً وضعوا البلاد بأعلى قائمة الأكثر فساداُ مالياً إدارياً بل في كل الميادين والمجالات بلا تعداد ولا تفصيل.. وصار العراق الدولة الأكثر فشلاً أي القريبة من حافة الانهيار وقد حصل هذا فعليا في مساحة تقترب من نصف البلاد فتسلمتها عصابات الإرهاب وفرضوا سطوتهم وسلطتهم هناك!
ما نريد التركيز عليه هنا هو تلك المشتركات بين رؤية الطائفي ورؤية الإرهابي في إدارة المؤسسات وتحديداً في ميدان التعليم. لاحظوا معي قرارات السيد وزير التعليم ببغداد فلعلكم تذكرون أنّ عدداً منها تركز لا على المناهج وتحديثها بل على فصل الطالبات عن الطلاب أو كما تشير القرارات فصل الإناث عن الذكور ومحاولة استحداث كليات وجامعات مؤنثة وأخرى مذكرة! واستعجالاً فإنّ الإجراءات والممارسات الجارية تطارد الطلبة لتمنع أيّ لقاء بين الجنسين المؤنث والمذكر في قاعة الدرس وفي باحات الجامعة وحرمها! وفي الموصل يطبقون عقوبة الجلد فيما تُطبق عقوبات أخرى ربما أتعس على الطلبة (المخالفين) ببغداد.
وإمعاناً في ما يسمى سخرية (تطوير) الجامعات و(تنميتها) لا يهمّ المسؤولين جوهر التعليم الجامعي بل يهمهم ما يسمونه قيماً؛ فيُمعِنون في قرار الفصل الجنسي وفي مزيد روح محافظ يفرضون الزّي الموحد بصيغته الإجبارية الملزمة. وطبعا لابد من رداء شبيه بالزِّي الإفغاني وبالشادور أو الجبة الجلباب من قماش ثخين سميك ورداء فضفاض مع لزوم وجود البنطرونات الأسمك تحتها بالضبط على طريقة (حزام العفاف) الذي عرفته النساء في زمن استرقاقهنّ! وما الأمر بغريب بخاصة في ظل ظهور سوق النخاسة والاتجار بالبشر عفواً بالنساء كما حصل ويحصل بالموصل!!على أنّ قراءة العين الثاقبة أو البصيرة لا تستثني بغداد من استرقاق النساء وإنْ تمظهرت بصيغ أخرى!
وربما بات الناس يعرفون لماذا سمك القماش وعرض الثوب الفضفاض ولماذا اللون الأسود ولماذا فصاله بصيغة البراميل. كما إنّ الاتشاح بالسواد ليس ظاهرة عابرة بل أكثر من ذلك هي قضية تأثيرات إيحائية تؤكد أنَّ المرأة معتقلة خلف أسوار ظلامية تشير إلى كونها عورة وناقصة ومجرد فتنة جنسية أو شهوة رجل لا يملأ دماغه سوى الجنس بمازوخيته وساديته ونقصد هنا الرجلين أو الذكرين الحيوانيين الطائفي والإرهابي!! أما كون المرأة بشراً وأما كوننا ينبغي أن نحيا بمساواة فأمر غير مطروح تحت سلطة الطائفيين والإرهابيين.
إذن، فالصورة في جامعة بغداد التي تحكمها في أغلب الأحيان ميليشيات زعران السياسة من الطائفيين الذين ينظّرون لفلسفة لا علاقة لها بدين، هي صورة قاتمة مصطنعة اللون الظلامي وهي لا تختلف قيد شعرة عنها في الموصل حيث تحكم جامعتها مزعرة الإرهابيين من مراهقي الجريمة الدموية الأبشع من ظلاميي العصر.
فيما لو نشرنا صورتين من جامعتي بغداد والموصل ولم نضع عليهما إشارة فإنه لا فرق في شادور بغداد وعباءة الموصل اللذين يراد فرضهما. والمشكلة ليست في الرداء طالما كان يخضع لحاجة الإنسان امرأة أم رجلا؛ المشكلة في الفلسفة التي تعكسها هذه الممارسات كونها سياسة ظلامية مشتركة بين الطائفي والإرهابي أينما تسلّط وفرض سطوة هراوته.
لقد بات مواطنو الموصل برون أن التعليم بعامة في مدينتهم يواجه ما هو أكبر من أزمة في ظل ما يسمونه “ديوان التعليم” طبعاً التسمية تنسجم وفلسفتهم الماضوية الظلامية شكلا ومضمونا.. حيث فرض تنظيم داعش الزي الأفغاني والخمار كما قرر التنظيم فرض الدوام الثنائي حيث الطالبات صباحا والطلاب مساء إذ لا مجال لتوفير الأبنية فضلا عن انتشار أفراد ميليشيا داعش في جامعة الموصل مثلما الميليشيات الأخرى في جامعة بغداد.. ولابد لنا من توكيد هذه الصور الوحشية في إطار تسليط الضوء الكاشف على المشترك بين الطائفي والإرهابي.
الأمر الذي يمكن أن نضيف إليه قرارات مشتركة من قبيل فرض مقررات فلسفتهم الإجرامية الظلامية بديلا عن تدريس المجتمع المدني والديموقراطية وحقوق الإنسان ومناهج علمية أخرى وأبعد من ذلك جرى إلغاء عدد من الكليات مثل الحقوق والعلوم السياسية والفنون في الجامعة بذريعة كونها مخالفة للشرع بحسب المزاعم.. وربما جرى هذا ببغداد بصيغ مختلفة ولكنه الاتجاه ذاته في فرض الرؤية الظلامية.
وفي إطار التغييرات المتشابهة (المشتركة) نلاحظ تغيير اسم وزارة التعليم العالي إلى ديوان التعليم ونلاحظ انتشار أفراد العصابات أو الميليشيات وأتباعهم بكثافة عالية وبالعشرات من المسلحين داخل الجامعة بكامل أسلحتهم حيث تهديد من تبقى من الطلبة والأساتذة. ولعل من السخرية أن نلاحظ أيضا قرار ديوان المعارف التابع لداعش في المحافظة بتغيير مادة التربية الرياضية في المدارس وتحويلها إلى مادة التربية الجهادية ومقابلها ما يتعلق بفرض ممارسة طقسيات بعينها في محافظات أخرى.
إنها ليست مشتركات جاءت مصادفة بل هي جوهر واحد لجناحين يرتديان علامات فارقة محدودة لكنهما يتطابقان في الأداء وفي المنهج وفي الفكر السياسي على أساس أنّ ما يمارسانه يمكن تسميته فكراً سياسياً…
إنّ هذا المظهر هو إفراز لتمسك الميليشيات الطائفية والإرهابية بمبدأ تضليلي يدعي انفراده بتمثيل الله ودينه وحاكميته على الأرض، في محاولة لشرعنة سلطته وإسقاط قدسية على وجوده. ولا يدري المواطن المبتلى أيّ دين هذا الذي يتحدثون عنه في ظل بشاعات الجريمة بأشكالها من جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم جنائية مختلفة ليس أقلها حالات استعباد البشر والاتجار بهم وممارسة بشاعات الاختطاف والاغتصاب والاغتيال والتقتيل…
إنّ فكر الجناحين المقتتلين من جهة مضمونه يقوم على دموية فاشية، (دينية) الادعاء لأغراض تضليلية يحشون بها أدمغة الأطفال والمراهقين والمجهَّلين ممن شاعت فيهم الأميتين. ومن الطبيعي أن يكون العبث بمصائر الناس قائم على آلية إصدار فتاوى مصادرتهم واسترقاقهم ومن ثمّ الحكم عليهم بالموت!
هكذا ينبغي أن نتذكر أن بديلنا ممثلا بالدولة المدنية لا يسمح بوجود فروض أحزاب تقوم على أسس دينية طائفية النهج ولا يمكن أن تبنى دولة مدنية في ظل هذه السياسة التضليلية الظلامية. لأن ما تخدمه سلطة الطائفية ليس أكثر من سطوة قوى ثالوث الطائفية، الفساد، الإرهاب.
وفي ضوء ذلك فإن التعليم يكون في خبر كان بسبب من طابع هوية غير معرفية تُفرض عليه. والقصد هو إشاعة الجهل والتخلف واستغلاق العقول وربما أفلت بعضها فيُطحن وتجري عليه عمليات غسيل أدمغة.. إنها سياسة تخضع دائما للترويع والقمع ووحشية الأداء مع استغلال عناصر مغسولة الدماغ في تلك الجرائم البشعة…
فهل بعد هذا يمكن الحديث عن مصطلح اسمه التعليم الحديث؟ وهل يمكن لنا أن نجد تعليما يتفق ومنطق العصر وآلياته وما وصل إليه من تكنولوجيا ومن معارف وعلوم؟
لا يمكننا أن نجيب بالإيجاب تحت مقصلة الوداع الأخير وكل ما نراه من تزويقات تخص الجامعة ومجمل المؤسسات التعليمية ليس سوى أكذوبة للإيهام والتضليل مؤقتا.. سنصحو يوما لنجد أنفسنا أمام خرابة معتمة مظلمة لا بصيص فيها لنور عقل وعلم.
علينا أن نقف بوضوح وتأمل عميق تجاه السياسة التعليمية وألا نتركها بأيدي أحزاب جناحي الظلام: الطائفية والإرهاب. فكلاهما من طينة واحدة بل من وساخة واحدة. وتمرير قرارات يراها بعضهم ثانوية وربما هامشية ليست في جوهرها هكذا بل هي في صميم وجودنا ومستقبلنا.
فلا تسكتوا على ما يجري من رياض الأطفال ومرورا بالمدارس وحتى تصلوا الجامعة. لابد من جهود استثنائية للوقوف بوجه الجريمة التي تصادر هويتنا بوصفنا بشراً نستحق أنسنة وجودنا وأن ننتمي لحضارة عصرنا. والقضية أبعد من شادور وأوسع من عباءة وأخطر من زيّ أفغاني أو إيراني أو غيرهما.. إنها قضية آلية العيش وقوانينه ومن ثمّ طابع وجودنا وهويته.