في خطوة مستنكرة؛ تقدّمت حكومة السيد العبادي في بغداد بمشروع قانون (حرية التعبير عن الرأي والتظاهر) إلى مجلس النواب العراقي. وقد أكدت الأنباء أنّ الصيغة المرفوضة هي تلك التي تمّ تقديمها للمجلس الحالي وهي الصيغة التي جمّد قراءتها المجلس في دورته السابقة، عندما نجحت ضغوط الاحتجاجات الشعبية في وقف إقراره بثغراته الخطيرة.
لقد رفضت منظمات المجتمع المدني والحركتين السياسية الوطنية والحقوقية الوطنية والأممية بقوة ما تضمنه القانون من اعتداء سافر على قيم خيار الشعب للاتجاه نحو الديموقراطية وآلياتها ولما تضمنه من مواد تتعارض والحريات والحقوق سواء منها: ضخ مصطلحات ملبسة تضمن للحاكم أنْ يؤوّل الأمور لقراءته مثلما يرد بشأن (الآداب العامة) أو تضع تعويما مضللا مثل استخدام مصطلح (المقدس) بغير تحديد أم بإدخال محددات وشروط تلغي النصوص الضامنة للحرية وأخرى تتعارض نوعياً جوهرياً مع قوانين حقوقية ثابتة أو وضع ..
إنَّ إعادة تقديم هذا القانون الذي مثَّل انتهاكاً صريحاً للدستور والقوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان وبالحريات العامة والخاصة، يعني تكرار ما ارتكبته حكومة السيد المالكي من اتجاه نحو شرعنة ممارسات تتعارض وحرية التعبير وتقمع صوت الشعب المثبّت دستوريا.
وعلى الرغم من التطمينات الواردة بتصريحات من جهات برلمانية بشأن وجود فرص للالتزام بالتعديلات وبالمقترحات الواردة من منظمات المجتمع المدني والحركة الحقوقية العراقية؛ إلا أنَّ القضية تبقى بوضع لا يقبل التمرير أو الصمت.. فلقد برهنت التجربة على أنَّ حالات توفيقية قد جرت بين بعض الكتل المتنفذة تحت ذرائع وحجج واهية بالتعكز على ظرف أو آخر الأمر الذي دفع لتمرير قوانين بثغرات خطيرة تعارضت ولوائح حقوق الإنسان ومع القوانين الدستورية العراقية الرئيسة ومع جوهر الدستور نفسه.
إننا في المرصد السومري لحقوق الإنسان نرى في تشريع القانون بصيغته المشوَّهة الحالية سيمثل تكريسا لاعتداء صريح سافر ضد حرية التعبير عن الرأي وخنقاً مقيتاً للصوت الشعبي وطعناً مريبا بحق التظاهر.. ومن أجل ذلك نؤكد وبشدة رفضنا تلك الصيغة جملة وتفصيلا؛ وعلى واجب الامتناع عن تشريع هذا القانون وإعادته لصياغة جديدة مختلفة جوهرياً وبما يلبي الاتفاق مع اللوائح الدولية وبما يلبي بالتأكيد تطلعات أبناء الشعب في الانعتاق من قوانين الظلام و وحشيتها المعادية للإنسان وحرياته وحقوقه. ونحذر من محاولات تمرير القانون بعيداً عن الأنظار بخاصة أنظار منظمات المجتمع المدني المدافعة الأمينة عن الحقوق والحريات…
وفي وقت نتضامن مع المنظمات التي أصدرت بهذا الشأن بياناتها وفي وقت نؤكد بياناتنا السابقة بالخصوص، فإننا ندعو في الظرف المعقد الحالي الذي تمر به البلاد إلى تنظيم ((حملة موحدة ضد طرح القانون للقراءة مجدداً في مجلس النواب)) حتى بحال جرت فيه تعديلات هامشية ترقيعية. فالقضية التي نشير إليها هنا هي قضية جوهرية تتطلب تغييرات عميقة بما يعني بالأساس تشريع قانون يضمن حرية التعبير عن الرأي وضمان حق التظاهر وهو أمر تأسيسي لآليات الخيار الديموقراطي بما لا يمكن التفريط به لأية جهة كانت…
أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي
رئيس المرصد السومري لحقوق الإنسان
لاهاي هولندا 27.10.2014