منذ انسحب الجيش العراقي من الموصل، صارت التهديدات الإرهابية موجهة بشكل مباشر نحو كوردستان. وتركزت التهديدات على اتجاه إرهابيي داعش نحو المواقع الاستراتيجية مثل سدّ الموصل ونحو الانغماس أكثر بجريمة قمع أبناء المكونات الصغيرة من أتباع الديانات والمذاهب. وفي البدء مارست قوى الإرهاب جرائم التقتيل والاغتيال في الموصل إلى جانب الهدم والتخريب للمعالم الثقافية والآثار والمواقع الدينية.
ومع استتباب الموقف لسطوة مجرمي العصر بالموصل، توجهوا استكمالا لبشاعاتهم في معارك وحشية باتجاه المناطق الحيوية؛ فيما ارتكبوا جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية بحق كل من المسيحيين والأيزيديين الذين اضطروا للجوء إلى جبل سنجار حيث حوصروا هناك بلا ماء ولا غذاء!
الكارثة المضاعفة أن القوات العراقية التي تركت المنطقة وانسحبت منها لم تعدْ إليها ولا إلى حدودها لتأمين الأوضاع! وفُتحت بسبب ذلك البوابات على مصاريعها للغزاة الهمج. وفي وقت كانت قيادة المالكي مارست سياسة الحصار الاقتصادي وحتى في مراحل بعينها التلويح بالعصا العسكرية، فإنها في الوقت ذاته تركت الأمور بأكملها على عاتق البيشمركة للتصدي للغزاة.
وعلى الرغم من أنّ المعركة تتطلب تسليحا مخصوصاً وإدامة وصول العتاد وغطاءً جوياً، فإنّ قوات البيشمركة عاودت المهام القتالية لتحرير الأرض التي وقعت بأيدي أعداء السلام والحرية منذ الساعات الأولى، مثلما معاودتهم مهمة تحرير الأيزيدية الذين كانوا الضحية الرئيسة للمعارك الأخيرة عند اجتياح سنجار؛ حيث شهد العالم جرائم القتل الجماعي ودفن الأحياء بمقابر جماعية، فضلا عن جرائم الاختطاف للنساء والاغتصاب وبيعهنَّ في سوق النخاسة عبيداً للإرهابيين القتلة بوحشية ما يمارسون من قيم عنفية همجية!
وقد تقدم مقاتلو البيشمركة ميدانيا ودحروا قوات داعش، معتمدين على إرادة قوية وعزيمة بطولية عُرِفوا بها وعلى قيادة حازمة وخبيرة وقبل هذا كله وبعده بالاستناد إلى كونهم أبناء شعب كوردستان وحماة الشرف والقيم وحاملو مشاعل التضحية من أجل المبادئ والحق والحقيقة.. وفي ضوء التطورات الميدانية تحسنت الأعمال الحربية واندفعت إلى أمام مع وقفة دولية أرسلت بوجه عاجل الأسلحة والأعتدة بعد حملة تظاهرات تضامنية أممية اجتاحت مدن أوروبا…
وإذا كانت المشاهد الواقعية وحملات التضامن بتنوعات الاتصالات قد حققت لفت أنظار العالم إلى القضية الإنسانية وطبيعة الجريمة ومستوى جرحها الفاغر ومخاطرها لا على الأمن المحلي والإقليمي بل على الأمن والسلام الدوليين، فإنّ الخطوات الأخرى كانت بنزول القيادة إلى الميدان ومحاسبة من قصَّر وأهمل وتفعيل الجهد المباشر عبر خطط عملية في الأداء لتأتي رحلة الحصاد بتحرير أجزاء مهمة من المناطق والمشروعات الحيوية الكبرى وقرى وبلدات مهمة والخطى تتوالى انتصاراً للضحايا وتحريراً لهم…
إنَّ الأمور لم تجر ولن تجري سبهللة وبلا قيادة حكيمة تعقد الاتصالات المناسبة لمتابعة المعركة حتى منتهاها، فالحرب لا تجري بين قوات في ساحة المعركة حسب بل في فضاءات أخرى منها فضاء أو ميدان الدبلوماسية. ومن هنا كانت زيارة الوفود الدولية بأعلى مستوياتها. والقرارات الدولية التي تنوعت: من قرار لمجلس الأمن جسَّد تطلعا لمحاصرة داعش وقوى الإرهاب والعمل على تصفية أشكال وجودهم، إلى قرار الاتحاد الأوروبي بالسماح لدول الاتحاد بتسليح كوردستان وجيشها (البيشمركة) كونها قائدة المعركة ضد داعش وحلفائها.. وحتى زيارات وزراء الخارجية والوفود المعنية بالشأن العسكري لدراسة المطالب العاجلة وهو ما جرت الاستجابة له ويجري تطويره باستمرار على وفق الضرورة…
إنّ هذه المواقف الدولية لم تأتِ إلا في ضوء حراك دبلوماسي مميز للقيادة الكوردستانية وإدارة العلاقات الخارجية فيها ونقلها بحوار جاد وواقعي إلى المجتمعين الإقليمي والدولي.. ولعل استجابة دولية مهمة قد تحققت الأمر الذي ينتظر تفعيلا للمواقف الإقليمية أيضا، بخاصة منها تلك المواقف الرسمية الحكومية لدول المنطقة العربية انطلاقا من الحلف التاريخي بين العرب والكورد وفي ضوء وحدة المصالح والعمق الأمني الإقليمي الذي يتطلب تلاحما أمتن اليوم وتنسيقا جديا لتجفيف منابع الإرهاب…
إنّ فكرة إسناد بطولات البيشمركة من طرف البلدان العربية ومساهمتها المنتظرة تبقى نقطة تحول مركزية لصالح مستقبل العلاقات بين الشعبين والأمتين وبين قيادات حركة التحرر القومي والوطني في كل من كوردستان ودول المنطقة بتنوعات أوضاعها وطابع سياساتها التي تعتمدها في العلاقة مع العراق الفديرالي ومع كوردستان بشكل مستقل…
وعندما يجري الحديث باستقلالية العلاقة مع كوردستان فإن ذلك لا يأتي من مجرد رغبات أو أهواء بل من حقائق كنا قبل مدة تحدثنا فيها عن أسس العلاقات القنصلية التي ساعدت على الشروع بعلاقات صحية مع كوردستان بخاصة منها في المجالين الاجتماعي والاقتصادي وهي اليوم أكثر إلحاحاً لفتح العلاقات تطبيعا لفرض الإسراع بتحقيق الانتصار ومحق إرهابيي داعش عامل التهديد لكل دول المنطقة…
إنّ بقاء حكومات دول المنطقة بعيداً عن المشهد والسلبية والصمت مما تتمارسه تلك الحكومات يجب أن ينتهي سريعاً ويعلو صوت التضامن الفعلي، المخابراتي الأمني والعسكري وفي مجالات تخص تمكين كوردستان في تفاصيل يومها العادي كيما نقلل التضحيات ونمحو أشكال التهديد من استفحال سرطان داعش وأنصارها.. كما أن هذا الموقف التضامني يأتي من بوابتي الاستجابة لمواقف شعوب المنطقة وقوى التحرر فيها المناصرة للقضية الكوردية..
وغير هذا وذاك فإنّ ملايين العراقيين ومنهم من عرب العراق أخوة أبناء العربية، باتوا لاجئين في كوردستان تحميهم وتمنحهم فرص الحياة والأمن والأمان والعيش الكريم لهم، حيث يقتسم الكورد لقمة الخبز الضئيلة مع ملايين اللاجئين؛ على الرغم من الحصار الذي تمارسه حكومة المالكي ضد الكورد بقطعها الرواتب والمعاشات عن أبناء كوردستان! وتحارب تحت ستار ذرائع مضللة أية جهة تريد التعامل مع كوردستان!! وهنا ينبغي لأصحاب النخوة على أقل تقدير ممن يقف مع العرب المشردين الذين لجؤوا إلى كوردستان، عليهم أن يحملوا مهمة استعادة النخوة والتضامن فعليا عمليا مع الضحايا والمشاركة في مهام الدفاع عن التنوير ضد الظلام؛ أي دعم البيشمركة بشكل واضح مباشر ضد الجريمة والمجرمين ولن يذهب هذا سدى بل هو جزء من حماية المنطقة من انتشار وباء الهزات التخريبة وزلازل الدمار..
إنّ النداء للتضامن مع البيشمركة هو نداء للتضامن مع مبادئ تحقق السلام ليس لشعب كوردستان والعراقيين حسب بل لكل شعوب المنطقة.. إنه توحيد لجهود الشعوب والحكومات كي تتقي شر وباء بات على تخوم بلدانها حيث أعداء السلام من مشعلي الحروب يتكاثرون ليس لقوتهم ولا لقدرات إقناع لديهم ولكن لسلبية وقصور في التصدي ولتشتت في الجهود..
من هنا سيكون استثمار إرادة البيشمركة وقدراتها المعنوية الكبيرة فرصة جدية لتحويل اتجاه المعركة ضد وباء العنف والإرهاب ولصالح الاستقرار والأمن في المنطقة والعالم. وأقصد باستثمار الظرف انطلاقا من كوردستان لأنه يجمع اليوم قوى دولية ودعما كبيرا وسيكون تعزيز الجهود وصبها في نقطة فاعلة وقادرة على كسر شوكة داعش عملا مميزا وموقفا استراتيجيا ناجعا حيث العلاقات العربية الكوردية هي الثابت الأمتن وهي التحالف التاريخي الذي تحطمت على صخرته كل الأعمال الهمجية الإرهابية..
إنّ الوقوف مع البيشمركة وكوردستان بات يتضمن القوى الوطنية الديموقراطية العراقية وقوى التحرر القومي والوطني العربية والحراك الدبلوماسي الأوروبي والأمريكي وقوى رسمية عربية عديدة .. من هنا فإن من بقي سلبيا أو صامتا ينبغي أن يلتفت إلى خطأ موقفه استراتيجيا وتكتيكيا الأمر الذي يدعوه لتفعيل حراكه وتضامنه مع كوردستان في المعركة مع أعداء السلام…
بقي أن نؤكد انتصار كوردستان وقوات البيشمركة والحلفاء في المعركة على الإرهاب وعلى تلك السياسة الطائفية المريضة التي سمحت للتداعيات بانهيارات كتلك التي شهدناها.. وسيكون أول الانتصار كسر الحصار وقرار شجاع من الجهات العراقية المعنية تلغي قرارات الحصار وتعيد منح كوردستان مستحقاتها من الميزانية فوراً بل ولعب الدور الكامل في تسليح البيشمركة وتزويدها بمستلزمات تسريع الانتصار…