مادة وجدتها منشورة في دويتشة فللة الألمانية ولاحظت ضروروة إعادة النشر هنا للأهمية مع وذعها بتاريخها وسياقها على الرغم من أن القارئ يمكن أن يلاحظ باهتمام حيوية الطروحات فيها برجاء التفضل بالحوار والمناقشة بعد الاطلاع
التغيير في العراق بين سلطتي الحكومة والبرلمان
تيسير عبد الجبار الالوسي٥ يونيو ٢٠١٤
الإنسان هو مادة التغيير وصانعه. ومن ثمّ فهو المسؤول الوجودي عن هذا الفعل الذي يمسّه مباشرة. وبالعودة لمصطلح التغيير تؤكد التجارب أن شرطه -أي شرط التغيير- هو الإيجابية؛ وشرط الإيجابية وجود الوعي بمعنى إدراك الواقع. وعلى الرغم من أنّ النظرة العجلى أو السطحية ترى أن الوضع العام مليء بمصادر بث المعلومات، إلا أن شرط المعرفة لا ينحصر بتوافر المعلومة بل بقدرة قراءتها وتفسير أسبابها وإدارك معانيها في إطار السياقات التي تحتضنها وتضمها. ومن هنا يلاحظ من يقرأ التاريخ أن التغيير الذي جاء في القرن 18 تمَّ بإنهاء سطوة الكهنوت وتضليله الظلامي لصالح التنوير العلمي وبكبح جماح الفساد وشراء الذمم وكسر ظاهرة الخوف والخنوع؛ مع التهام لمنجز المعرفة البشرية وتمسك بمرجعية العقل العلمي، حيث تأثيرات ديكارت، فولتير، روسو، باسكال وغيرهم. وبهذا كان الفاعل حياً حيوياً قادراً على الفعل الإيجابي. فهل يتوافر هذا في العراق رسمياً، شعبياً؟أم أنه قد يكون وصل حالا أشبه بمن يؤمن بنظرية موت الفاعل وبتحدد التغيير برتابة مسار أوتوماتيكية؟
مشكلة في النخبة السياسية
إنّ متاريس وعقبات كبيرة تقف حاجزاً بين العقل العلمي وجمهور الشعب العراقي في مرحلته الراهنة؛ مع سيادة منطق الخرافة وآليات الخطاب البياني لا البرهاني، حتى بتنا نرى المقاربات تجري بعقدها بين ثمن كتاب وسعر حذاء! وبين عدد الكتب وعدد البدلات والجلابيب والمحابس! ونتساءل عن عدد البرلمانيين الذين يمتلكون مكتبة شخصية؟ ونُسائل كلا منهم عن عدد الكتب التي قرأها لا في العام الأخير بل في العشرة أعوام الأخيرة كي نسهّل الأمر له ولن نجد رقما مهما يُذكر في إجابته!! تلكم هي الحال في المستويين الشعبي حيث الأمية والتجهيل والرسمي حيث تردي المستوى المعرفي وتردي الخزين من خبرات وتجاريب واطلاع على محددات إدارة المسؤولية حكومية كانت أم نيابية بمعنى عدم وجود تأسيس سابق يقدم لنا رجال دولة بمعنى المصطلح حرفيا مهنيا!
هذه الصورة القاتمة تعيدنا لزمن التغيير الأكثر نوعية في تاريخنا الإنساني، يوم ركَّز الوطنيون الهولنديون والإصلاحيون البريطانيون وأغلب ثورات القرن التاسع عشر على البُعد السياسي الوطني ربما باستثناء الثورة الروسية التي منحت البعد الاجتماعي اهتمامها.. ولم يكن ذاك التركيز خطأً لأن تلك الثورات بمعنى التغيير الجذري التقطت المهمة الرئيسة للتغيير من زمن الحروب الطائفية والانعتاق من قيود الجهل والتخلف وسطوة خطاب ظلامي بليد باتجاه بناء وعي بناء الدولة المدنية واستكمال مقوماتها السليمة الصحيحة… بمعنى أن التغيير في أوروبا ذلك الزمن جاء قارِئاً الممكن المتاح والمطلب الأساس فكان التركيز على بناء الدولة المدنية الأمر الذي تطلب وعياً وإيجابية ركزوا على توفيرها.
“سلطة الخرافة وأوهامها”
ليس العراق الحالي بعيد عن نكبة سطوة سلطة الخرافة وأوهام مرضية تخضع لآليات بيانية لا برهانية حيث يوجه دعيّ يعتدي على العمامة والجلباب الأصيلين في سياقهما التاريخي حين يرتديهما في سياق تاريخي جديد مبتسراً الموقف مُكرِهاً الناس على تصديق أضاليله..! ومنطق الميتافيزيقية يرى التغيير حالة طارئة بينما هو الثابت فلسفيا في مسيرة وجودنا حيث ديمومة التنقل مع خط الزمن آلياً ومع إرادة الإنسان صانع التغيير الحقيقي في مراحل عديدة..
ونحن نربط التغيير بفعل الإنسان حيث يجسد بمضمونه التحول المجتمعي نحو الأفضل؛ وكل ما لا يدخل بمنطق التنمية والتطور ومسيرة التقدم والارتقاء يقع في إطار آخر قد نسميه التغير أو التحول والانتقال أو الانقلاب والتعديل والإصلاح، وهي مصطلحات محايدة قد تصف الحال ولكنها لا تكون بنيوية صاعدة بل بوتيرة سلبية ربما تنحدر إلى الأسوأ والأدنى. وهذا يتعارض ومهامنا التي لا نريد لها أن تقف عند قراءة الحال وصفاً أو تفسيراً بل مهمتنا التغيير بمعنى التأثير في الواقع ونقله لمستوى أعلى أو أفضل بفعل إيجابي.
وبهذا الخصوص يعنيني أنْ أؤكد أنَّ قراءة المشهد العام السائد تشير إلى وقوف أغلب القوى المجتمعية عند تخوم أو حدود بيانات وصفية جامدة سلبية للوضع. وربما تردفها بخطابات لفظية بسعيها إلى التغيير، الأمر الذي لا يتاح إنجازه فعلياً بمثل هذه السلبية المكتفية بالوصف والاستقراء الفوتوغرافي. وعليه فإننا إجرائيا ينبغي أن نركز على وزارتي التعليم والثقافة وعلى تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والحركات الحزبية السياسية في بناء الوعي المناسب للتغيير مثلما على إطلاق الدورة الاقتصادية صناعيا زراعيا. إن ظواهر مثل البطالة والفقر وما ينجم عنهما لا يكفيان سبباً للتغيير فشرط التغيير الحقيقي هو الوعي بالبديل ومعرفة كافية بالمهام المناطة بالإنسان الفرد والجماعة.
“طابع حكومة المحاصصة ومثلها البرلمان يشلّ إمكانات التغيير “
على أن المشاكل الهيكلية وطابع الحكومة المحاصصاتي يشلّ إمكانات التغيير ومثله السلطة التشريعية (البرلمان) هي الأخرى مشلولة بسبب عمله بنصف طاقته حيث لا وجود لجناحه الثاني مجلس الاتحاد وقد تم الاكتفاء بمجلس النواب للدورات السابقة. ويكون مهما اليوم أن يبدأ مجلس النواب بتشريع قانون مجلس الاتحاد وتكليف الحكومة بإجراء الانتخابات له في سقف زمني محدد مثلا أن يكون بحدود سنة واحدة لا أكثر. على أنه من المهم أن يبرهن البرلمان على استقلاليته مؤسسة وأعضاء. وهذا يتطلب عودة النائب باستمرار إلى جمهور ناخبيه وتعزيز نشاطه الاتصالي المباشر وغير المباشر الذي من دونه لا يمكن استنهاض مهام البرلمان وسلطته لا التمثيلية في المجالين الوطني والدولي ولا التشريعية حيث القوانين التي تستكمل بناء مؤسسات الدولة تلبيةً للمطالب الدستورية المخصوصة ولا الرقابية حيث كانت الصورة مقلوبة يوم عطَّل رئيس السلطة التنفيذية سلطة البرلمان ورفض الانصياع لأدائها الرقابي.
إن حال خضوع الوزراء والنواب لسلطة المسؤول الأول [رئيس وزراء ورئيس برلمان] وحجز كل مسمى بمكون يخضع لأحزاب الطائفية يعني أن المؤسسات تفرّغ من معانيها ويجري تعطيل أدائها الجمعي المؤسسي. ونتحول إلى هياكل فارغة لا تجسد إلا أوعية تدوير حركة الفساد والسير بنا نحو الانهيار الحتمي.عليه فالاستقلالية المؤسسية والفصل بين السلطات يبدأ من تحجيم كل موظف مهما كان مسمى وظيفته بصلاحيات محددة مسبقا وبمنع تسلطه على مرؤوسيه بشخصنة وفردنة بل بقوانين وآليات عمل معينة بنيويا. ولربما كانت عودة النائب إلى جمهوره أداة مهمة لتعزيز استقلاليته وقدرته على الأداء الموضوعي المحتكم لقانون.. ولابد من نظام داخلي يجري التمسك به والتذكير به بنقاط نظام لا تسمح بالتلاعب من طرف أو آخر.
لابد من ” تفعيل سلطة الاتصال المباشر وغير المباشر بالناخب”
إن الكارثة التي وصلنا إليها لم تنجم لا عن الوحدة الوطنية ولا عن الشراكة حكوميا. فكل التجارب وقراءاتها الفلسفية والسياسية تؤكد صواب مجابهة الأزمات الكبرى في حيوات الشعوب بخاصة بعد الحروب وانهياراتها يتم بوساطة حكومة وحدة وطنية أو شراكة. المشكلة أن حكومة الشراكة جرى تفريغها من طابعها بالاستناد لأبعد من المحاصصة أي بالاستناد لمفهوم الغنيمة والثأر حيث الوزارات هي حصص تم امتلاكها ولا يمكن التنازل عنها..وعليه فإن كون المسؤولية هي حصة غنمها المسؤول هي العائق الجوهري الأمر الذي يقتضي تفعيل وسائل الانتهاء من هذه الوضعية.
حكوميا لن ننتهي من الحال بهذه المرحلة ولكن تعزيز الضغط الرقابي برلمانيا وتصعيد الدور الشعبي (المعارض) باستخدام المذكرات والاحتجاجات والاستبيانات الضاغطة قد يمر ببعض الفائدة لعرقلة سطوة المتنفذين من تجار المناصب. على أننا سنكون أقرب وأفضل برلمانيا حيث نوظف آلية الضغط باتجاه تفعيل الدور الرقابي المخصوص عبر تفعيل سلطة الاتصال المباشر وغير المباشر بالناخب.
- انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط لتشارك على LinkedIn (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للمشاركة على Tumblr (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على Telegram (فتح في نافذة جديدة)
- انقر للمشاركة على WhatsApp (فتح في نافذة جديدة)
- اضغط للطباعة (فتح في نافذة جديدة)