هذه المادة تبقى مبدأً ثابتاً في مطاردة الجناة وكشف ما يرتكبون وكيفيته ومن يقف وراءه على وفق القانون.. ولكن هناك دروب ومعالجات شعبية لما قد يستعصي عندما تنحرف السلطات.. أترككم مع هذه المعالجة استنطاقا لمقاصدها في ظروف العراق الراهنة
توطئة:
كما دائما، أتمنى مقدما أن يتم إبعاد أي تعبير يرد سهوا ويكون مثيرا من بوابة خطاب الاختلاف الذي يراه بعضهم سلبيا تجاهه، أو يتفاعل معه انفعاليا. كما أرجو دوما أن تُعد قراءتي مقترحا يحتمل الخطأ مثلما يرجو أن يحمل الصواب والسداد. وفي معالجتي هذه لا يمكنني أن أقبل بتوجيه الاتهام إلى مافيات الفساد وقوى الإرهاب في الجرائم الجارية وأصمت مكتفيا بهذا التعبير مثلما تفعل بعض القوى؛ لأن الصورة لا تكتمل إلا بتشخيص الدور الرسمي (الحكومي) ومسؤوليته في طمطمة الأمور وتمييعها والفشل في وضع الحلول الناجعة التي توقف الجريمة.
لهذا أتمنى أن نقرأ ما يرد هنا بوصفه محاولة في مساهمة مقترحة للحل؛ وفي كشف ما يجري وإمكان أن يبقى [ما يجري من مصالحات] بدائرة الالتفاف وربما الغدر والوقوع بمشكلات أعتى وأكثر عصفا إذا ما تفاعلنا معه بحسن نية وطيبة لا تتوخى الحذر لتتقي الاحتمالات السلبية الأخطر. كما أرجو أن نتمعن في خطواتنا بما يتقدم بنا باتجاه الحل على وفق منطق الصواب ومصالح الشعب ومكوناته لا على وفق ما يبدو من آخرين من تظاهر استعراضي، شبع الشعب منه وعودا وعهودا وجعجعة بلا طحن.
المداخلة:
الجريمة في العراق بمستويات وأصناف متعددة، فمنها جرائم الفساد ومنها جرائم التمييز الطائفي العنصري ومنها جرائم الإرهاب الدموية التصفوية البشعة. فأما جرائم الفساد فهي ممتدة اليوم في أغلب إن لم نقل كل مفاصل الوجود العراقي.. فهي في دوائر الدولة ومؤسساتها من أدنى تشكيلاتها حتى قمة الهرم فيها! وربما هي ليست غريبة على (بعض) البنى والتشكيلات غير الرسمية!! ومن الطبيعي أن ترافق ظواهر الفساد تلك رديفاتها من أمراض الفردنة والشللية وكل ما تخلقه الطائفية وسياستها وبرامجها، حتى بات المواطن يعيش ويتنفس في أجواء يعمها الفساد بكل شيء حتى بيئته في جلّ تفاصيلها.
في ذات الوقت تطيح الجريمة المافيوية المنظمة يوميا بعشرات ومئات وربما آلاف المواطنات والمواطنين من الأطفال الأبرياء والكهول المنهكين والبالغين من الجنسين؛ فنرصد الاختطاف والاغتصاب والاغتيال والقتل المجاني بالكواتم والتفجيرات بكل وسائلها.
وفي جميع الأحوال تسجل دوائر الأمن والأجهزة المختصة كل تلك الجرائم بتنوعاتها ((ضد مجهول)) والأدهى والأكثر غرابة أنْ لا أحد ((مسؤول)) عما يجري! ففي العرف الوظيفي الحرفي، لكل واقعة أو حدث أو أمر، جهة مؤسسية تمثل شخصية معنوية وترأسها شخصية عينية وتكون الشخصيتان مسؤولتين عما يجري على وفق القانون. وفي حال حدوث شروخ جدية يسارع وبشكل مباشر وفوري الشخص ((المسؤول)) في الإعلان عن استقالته تعبيرا عن الاعتراف بـ(الثغرة) التي جرت في ظل مسؤوليته وإدارته كما تعلن المؤسسة قراءتها وتفسيرها لما جرى إثر تحقيقات فورية عاجلة تنتهي بسقف زمني إلى نتيجة تعرض على العامة بكل شفافية.
ما جرى ويجري من قبل الحكومة في بغداد، يندرج في فوضى التخطيط وانعدام الجاهزية والانشغال في فضائح متوالية تنتهي بإغلاق ملفاتها بالطمطمة والمصالحات بطريقة تبويس اللحى ولكن بعيدا عن أيّ فرصة لحل موضوعي سليم! أما التحقيقات التي تُجرى بشأن الجرائم الإرهابية فهي بين غالبية من الجرائم تُدفن بتقييدها ضد مجهول أو تقديم عروض هزلية لاعترافات منتزعة تحت (التعذيب) سرعان ما تقدم الجهات المعنية اعترافات أخرى عن ذات الجريمة وهكذا تكون النتائج عبر الإيقاع بضحايا، هي مجرد أكباش فداء للفشل والتخبط والخطل من دون الإمساك بأطراف حقيقة!!!
ولا مناص هنا في ظل هذه الحقائق من تسجيل الآتي:
- إنّ ما يجري من جرائم بات بمستوى يتفشى بكل مفاصل يوميات العراقي وحياته ومؤسساته؛ الأمر الذي يعني أنها ليست جريمة بمسؤولية موظف صغير أو متوسط بل هي من الحجم والمستوى النوعي بمسؤولية أعلى منصب حكومي في بغداد. إنها الجريمة التي عمت على الشعب بمجمل وجوده واستقراره ومساراته، بمعنى أن المسؤول عنها هو من وضعه الشعب ليكون قانونيا مسؤولا أمامه عن ضبط تلك الأمور…
- كل المؤشرات المحلية والدولية، باتت تنظر إلى الدولة العراقية وعمل مؤسساته الرئيسة وسلطاتها كونها دولة فاشلة بمعنى أنها على حافة الانهيار؛ كما نظرت إليها من زوايا أخرى كونها الأعلى فسادا، والأبعد عن الاستقرار والأمان، والمهدَّدة في أسس السلم الأهلي وضمنا الحكومة غير المؤهلة لإدارة مهامها ومعالجة مشكلات البلاد بسياقاتها الراهنة…
إن تلكم المؤشرات الخطيرة تطرح تصورا جوهريا للحل يكمن في الآتي:
- أما العمل بحكومة تكنوقراط مهنية تستطيع إنجاز المهام المعطلة بخطط علمية دقيقة رصينة، على أن تمتلك صلاحيات الحركة والعمل في ضوء اتفاق وطني وربما حكومة وحدة وطنية مصغرة في إطار حكومة تكنوقراط موسعة لإدارة الخطوط العامة التي لا تخضع للمآرب الحزبية الفئوية. وبهذه الطريقة تتحمل جميع القوى مسؤولية مرحلة إنقاذ لا يمكن نكران فروضها الواجبة وقد وصلت الدولة لمرحلة الفشل المؤدي للانهيار. وبالمناسبة لابد من الإشارة إلى أن إصرار القوى التي عجزت عن الأداء الصحي الصائب على هذا النهج سيؤدي لنهاية تراجيدية تلغي وجود البلاد وتضع الشعب بتقسيمات لا تخدم مصالحه ولا استقرار المنطقة…
- وفي الحل الآخر يجب أن تتشكل حكومة تصريف أعمال لكنها من جهة بعينها، مكلفة بالتحضير لإصدار قوانين تحضِّر للانتخابات المشروطة بتلك القوانين وبضمانات النزاهة، يجري في ضوئها تشكيل حكومة أغلبية تلتزم بالتداولية وبالتنحي في حال الفشل لمصلحة خيار بديل لأداء المهام… طبعا مع تمكين القضاء من جهة وتفعيل البرلمان بجناحية مجلس النواب ومجلس الاتحاد معا…
- وفي كلتا الحالتين يجب الاستعانة بالمنظمات والخبرات الدولية التي تخضع للإرادة العراقية ولسيادتها. وأن تبقى تلك الأدوار بحدود الفعل الوظيفي التقني الاستشاري.
إن لقاءات المصالحة بين أطراف السلطة الحالية لا تعبر عن اتفاقهما بقدر ما تعبر عن إدراكهما أن عدم التظاهر بالمصالحة سيعني إزالتهما من السلطة بغضبة جماهيرية شعبية متوقعة؛ أمام الاحتقان والاختناق الجاري. ومثال ذلك المصالحة الشكلية بين رأس السلطة التنفيذية ورأس السلطة التشريعية قبل أيام.
وفي وقت لا توجد مصداقية للمصالحات، فإن اللقاء الفعلي يتطلب خططا جدية وعلاجات معروفة لجمهور المواطنين بشفافية وأسقف زمنية للتطبيق فالشعب لا يعنيه تناقض أو تضارب تلك الشخصيات ولكنه يعنيه ويريد منها أن تنهض بمهامها على وفق القوانين وعلى وفق المطالب والحاجات.. لأن الشعب ليس رهينة الزعامات وليس جهة مستعبدة تخضع لأمزجة ومآرب خاصة.. فهو بدولة تحاول صنع نظام ديموقراطي تعددي يعبر عن تركيبتها الفعلية وليس عن بنية فوقية مريضة مستجلبة بظروف طارئة على المسيرة العراقية المعاصرة. هذا فضلا عن أن المصالحة الشكلية لا تتضمن برامج عمل لحل ما ينتظرها واقعيا ميدانيا…!
ومما يمكن الإشارة إليه، أن الحكومة، وتحديدا القوة التي توجهها وتقودها وتحصر صلاحياتها بين يديها، تلك الجهة التي نقضت دائما الاتفاقات وضربت مواد الدستور عرض الحائط هي جهة لا يركن إليها في إعلانها مصالحة أو قبولا بمطالب حتى لو وضعت أسقف زمنية لوعودها الجديدة. بالخصوص في أعقاب زيارة أربيل. إذ من يضمن أنها لا تفكر بالانفراد بقوة ثالثة لتنتهي منها وتعاود الضرب بظروف أفضل لها وبطريقة أقسى في شعب الإقليم الفديرالي وقواه!؟
هذا التساؤل لا يأتي من فراغ؛ بل من واقع حال إذ كلما وجدت تلك الجهة فرصتها تتعالى أصوات صقورها وزعامتها لتعلن عن حقيقة فلسفتها وبرامجها وتوجهاتها ولطالما طعنت في الظهر بصيغ غدر مسجلة في الذاكرة الحية الطرية بيومنا!
إن هذا لا يتعارض مع التوجه لاستثمار تلك اللقاءات بحثا عن منافذ حل ومحاولة متدرجة متأنية في التفتيش عما يقربنا من استعادة الثقة التي أعدموها بأفعال وليس بأقوال فقط. ولكن برنامج الحل البديل لا يمكنه أن يكون عبر اجتماع للحكومة في هذه المدينة أو تلك ولا بمصالحة تقوم على ضحكة تمثيلية استعراضية تنتهي حالما تنتهي مهامها الآنية في إطار خطط مريبة.
ومن هنا فإن مسؤولية القوى النزيهة، تلك التي تقود حركة تحرر قومي معروفة [الكورد] والتي تجسد تطلعات الشعب في بناء دولة مدنية، بقصد قوى التيار الديموقراطي هي مسؤولية التقدم بالأمور نحو حلول جوهرية تمتلك حصانة اليقظة والحذر من جهة وضمانات التقدم الفعلي نحو الحل المنشود.
ومن دون ذلك سنبقى بلعبة تتعسف بحق الشعب ومطالبه وحقوقه وتتاجر بالدولة ومؤسساتها حتى آخر لحظة يمكن لمثل هكذا دولة أن تبقى تقاوم بإرادة شعبية محيَّدة مستلبة فتنهار الدولة وتهرب تلك القوى الفاسدة مولية الأدبار تاركة الوضع خرابا لا أثر لسيادة ولا وحدة ولا أي شكل بديل يحتضن الشعب ويلبي ما يحميه ويضمن مصالحه بحدها الأدنى، وسيكون حتى الإقليم الفديرالي مهددا بالرجات البركانية التي يحتمل حصولها.
إنّ اللحظة الراهنة وما تشهده من مصالحات استعراضية وربما خطط مداهنة من بعض الأطراف ومحاولات الالتفاف، هي من الخطورة ما يجعلها مفردة أدخل في استكمال جرائم الطعن في الشعب ومطالبه وفي الطعن الغادر بقوى الشراكة الوطنية وبمن اختار بقناعة وجوده الفديرالي.
وعند ذاك، سيكون المتضرر الفعلي هو الامتداد الطبيعي للمتضرر الآن، أي الشعب ومكوناته بخاصة هنا تلك التي تمثل المجموعات القومية والدينية التي يصادرونها ويهمشونها بمصطلح أقليات.. وربما كان الكورد منهم في ظرف يحمل بعض ضمانة عبر استقلالية نسبية إلا أنهم سيكونوا ضحية مجددا بسبب من وجود تربص إقليمي متحالف مع قوى الطائفية المتحكمة بالأمور ببغداد.
وبصراحة أقصد تسخير إيران قواتها لاجتياح تختار توقيته في ظروف إقليمية محتملة مثلما اخترقت سوريا بوساطة قوات ميليشيا حزب الله بلا رادع لا محلي ولا دولي؛ فما الذي سيمنعهم من الاختراق والاستباحة في اللحظة التي يعدون لها!؟؟ ومن الخطورة استبعاد التفكير بالاحتمالات البعيدة تلك لمجرد كونها بعيدة في اللحظة الراهنة ولمجرد تظاهر قوة أو أخرى بتقديم حلوى مصالحة استعراضية! ولابد من النظر الاستراتيجي بدل العمل على وفق التكتيكات التي قد توقع في ورط غير محسوبة!
على أنَّ هذا لا يمنع من تطوير تلك المبادرات (المصالحات والوعود) والبناء على السليم الإيجابي منها والاحتياط من المحتمل السلبي وهذا فقط هو ما سيمنح الفرصة للتحول لحلول منتظرة جوهريا. بخلافه فإن صقور ثلاثي الطائفية الفساد الإرهاب يمكنهم أن يديروا المسيرة لمصلحتهم كما مر معنا.
إنَّ القوة الرئيسة القادرة اليوم على توجيه الفعل إيجابيا هي الشريك الأهم والأبرز في الميدانين الرسمي والشعبي العراقي ممثلة بالقيادة الكوردستانية التي تدرك عبر تجربة عميقة هذه الملاحظات التي مررنا عليها، كما تمارس النهج المناسب للتفاعل مع الأحداث ولكن الضمانة المضافة لا يمكن إلا أن تمر عبر تفعيل دور التيار الوطني الديموقراطي بقواه الليبرالية واليسارية ومكونات هذا التيار كافة. كما ينبغي ألا يقبل أي طرف وطني مجالا لانفراد جهة حكومية في ممارسة سياسة القمع في حل قضية لأن هذا يعني أن التالي هو هذه القوى ومن تمثلهم اضحية لنهج القمع. بالإشارة هنا إلى واجب حماية الاعتصامات السلمية وفرض سياسة حوار يفضي بأسقف زمنية مناسبة الحل السلمي والاستجابة للمطالب السليمة الصائبة.
ومن هنا فإنَّ الحكمة المستنبطة المستنتجة يمكن أنْ نلخصها في أنه: ((لا يجوز أن تستمر الجرائم مقيدة ضد مجهول من دون محاسبة مسؤول)). لأن المسؤول هو الحكومة، رأسها ومن يقبل العمل وكيلا عن رأس الحكومة، مصادِرا حقائب العمل الأصيل وملغيا العمل بخطط موضوعية لصالح العمل سبهللة ما يفسح للجريمة فضاءها الأنسب وأرضها الأخصب.
إن تمرير النهج الحالي في عدم إجراء أي تحقيق في الجريمة ومن ثم عدم محاسبة المجرمين وترفُّع المسؤولين عن تحمل مسؤولياتهم يعني توجهنا بتسارع أخطر باتجاه الانهيار الذي سيعم اجميع بلا استثناء.
فــــَ
لا للجريمة مقيدة ضد مجهول
لا للجريمة تمر بلا استقالة المسؤول الحكومي حتى لو كان بأعلى سدة الحكومة.
وهذه اللاءات لن تنفذ إلا بموقف شعبي موحد من جهة وبموقف رسمي وخطط حكيمة فاعلة بخاصة عبر تفعيل القضاء أولا والبرلمان ثانيا.
لتبدأ رحلة نوعية جديدة بإطفاء ما مضى والشروع بمعالجات نشرك فيها الخبرات الدولية.. فهلا أدركنا ما ينبغي في ضوء ما يجري؟؟؟