ببالغ الحزن والأسى ننعى إليكم الشخصية النسوية الديموقراطية السيدة زكية خليفة الزيدي (العمّة زكية)؛ التي رحلت في ديار الغربة بالسويد. إنَّ شخصية السيدة زكية رسمت النموذج المثالي للمرأة العراقية ودورها في صنع القرار السياسي والتغيير الاجتماعي في الحياة العامة. فلقد آثرت التوجه إلى قرى الريف العراقي في سنوات التخلف بخمسينات القرن المنصرم لإدارة حملة التوعية والتثقيف من أجل تحرر قطاع الزراعة من مشاهد التخلف ونقلها باتجاه قوانين الإصلاح والتقدم وخدمة الفلاح وبيئته وحياته بتفاصيلها.
كما ساهمت الراحلة في حركة النسوة العراقيات عبر رابطة المرأة العراقية ونضالاتها في سياق الحركة الديموقراطية والوطنية التقدمية. فكان أن تحمَّلت عبء قرارها في الانخراط في مسيرة النضال الشعبي من أجل الحريات وحقوق الإنسان وانعتاق الشعب من استبداد النظم الاستغلالية المتعاقبة، فدخلت السجون والتجأت إلى المنافي ورحلات التخفي ومراوغة سلطات القمع وعيون المطاردة لأجهزتها الوحشية…
وعلى الرغم من كل تلك الآلام والتضحيات الجسام وظروف شظف العيش بسبب الملاحقة والعنف السياسي والاجتماعي، إلا أن الراحلة علَّمت نفسها وثقفتها وواظبت على القراءة والاغتناء وتوسيع مداركها في أحلك ما حاق بتفاصيل حياتها.. فسجلت علامات إبداعية في مجالات الثقافة والفنون فكانت الشخصية المسرحية (والتلفزيونية والسينمائية) اللامعة بإبداعاتها وما قدمته على الخشبة وفي الدراما بعامة من أدوار متميزة مهمة سواء فنيا أم ثقافيا مضمونيا فكريا عبر الدلالات والمضامين المنتخبة..
ولقد تابعت الراحلة جهودها حتى آخر لحظة في حياتها وعلى الرغم من آلام المرض التي رافقتها بسبب التعذيب والمعتقلات وظروفها.. فكان من بين آخر ما نهضت به من قيادة اعتصامات ومظاهرات وتجمعات وأنشطة من مثل قيادتها الجهود النسوية ضد القرار 137 المعادي لحقوق النسوة العراقيات الذي حاولت قوى طائفية للإسلام السياسي إصداره بعد العام 2003.. كما ساهمت في جولاتها بين عراقيي المهاجر في تنشيط الهمة وربط جمهور المنافي والمهاجر بالوطن فالتقت جمهور النساء والقوى الوطنية الديموقراطية وتابعت مناقشة همومهم ومتاعبهم ووسائل حلها..
إن مسيرة نضالية ضخمة في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية الفنية المسرحية هي من الغنى ما يستوجب تسليط الضوء عليها و وضعها في مكانها ومكانتها الكبيرتين.. فالراحلة من طراز الشخصيات المهمة على صعيد الحركة الوطنية والحركة النسوية والحركة الثقافية الفنية وكانت قدمت تجربة ثرة غنية وعطاء متصلا سيبقى أثره المميز في أذهان العراقيين والحركة النسوية في المنطقة بأكملها..
الذكر الطيب للراحلة والمجد والخلود لمبادئ النضال وقيم الديموقراطية والتقدم وتحرر المرأة والمجتمع، وإعلاء كلمة العقل العلمي التنويري المتفتح والإبداع الفني المسرحي المحمّل بالمضامين الإنسانية وبهموم الناس وتطلعاتهم والمعبر عن انفعالاتهم وعواطفهم، كما حملت همّه العمة زكية طوال عمرها وعقود عطائها السخي؛ والصبر والسلوان لمحبيها وأصدقائها والأوفياء لمسيرة نضالها…
أ.د. تيسير عبدالجبارالآلوسي
رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر
مستشار رابطة الكتّاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا
لاهاي هولندا 18 فبراير شباط 2010