السابع من آب 2008 يوم الشهيد الآشوري
على وفق منطق الزمن الغابر دارت رحى مطحنة بشرية معاصرة بحق عديد من شعوب المنطقة.. وبعد أن كانت تلك الشعوب هي التي شادت البلاد ومدنها وزرعت قراها وأعلَت راية حضارتها صارت بعد جرائم هولوكوست دموية متكررة مجرد [أقلية!] بمنطق عنصريي اليوم. ويزيد [العنصريون] إيغالا بحرمان شعب عريق من بقايا فتات حقوقه، ممعنين في استلابه حتى من حقه في الحياة.. ومن هنا كان ما جرى بعد المتغيرات التي جاءت مع سنابك خيول الجزريين وراياتهم الدينية [قديما] ومع رصاصات وخناجر الغدر وإرهابها في سُميل ثلاثينات القرن الماضي ومع كل المحاولات التالية لإذابة وجود الشعب ومحوه في دوامات محيطه وعلى أرض قراه ومدنه..
وإذ تمَّ إشهار يوم الشهيد الآشوري، فإنَّ ذلك جاء تمسكا بقيمة دم الشهيد وحرمته المستباحة ومحاولة لوقف نزيف الدم الآشوري وهو آخر ما تبقى مما يمتلكه شعب معروف ببطولاته وبمكانته في إعلاء المعارف والعلوم وإشادة ثقافة عريقة وحضارة مجيدة يجري اليوم محاولة طمسها ومحو آثارها بإزالة الكنائس والمكتبات والرُّقُم والآثار الباقية وتهجير أبناء هذا الشعب وتشريده في ميادين وطنه الذي بناه بتضحيات أبنائه وفي أفضل الأحوال يجري عدّ أبناء هذا الشعب العريق أقلية يـُتثاقل من وجودها ويـُتعجب من مطالبها!!
في يوم الشهيد الآشوري [مثلما يدعو الجميع] يدعوني الإنصاف أن أتحدث عن كل تلك الجرائم التاريخية المتصلة المستمرة بحق بُناة عراق الجذور وهم أنفسهم الذين يطبعون العراق الحديث بسمة التنوع والتعددية وهي سمته الرئيسة اليوم حاضرا وليس في بطون الكتب الغابرة. ويدعوني الحق أن أقول: إنَّ منطق الرد على سِفر الإبادة التاريخية منها القديمة والمعاصرة لا يكون إلا بإنصاف هذا الشعب العريق حقه.. وذلكم ليس تمننا أو تعطفا أو حسنة أو صدقة من أحد.. بل هو منطق العدل الإنساني في المساواة والإخاء؛ ولا يمكن لمنطق عادل النظر لشعب بتعالِ ِ وفوقية وعنجهية حتى لو جاء ذلك من منطلق الحجم السكاني العددي الذي كانت ظروف الجريمة (جريمة الهولوكوست) هي السبب الحقيقي وراءه…
ومعروف أن الآشوريين إذا ما بحثنا عن حجمهم العددي ينتشرون في بقاع الأرض بما (يكاد) يعادل حجم الشعب العراقي بمكوناته كافة وهذا الشتات للشعب الآشوري لم يأتِ من محبة الـ14 مليون آشوري في التغرب وهو الشعب المتعلق بأرضه ووطنه ولكنه جاء من جريمة مطاردة واستلاب ومصادرة لا للقرى والقصبات والمدن بل ولحيوات الناس.. وبشاعة مجزرة سميل ما زالت حية ودماء الشهداء ما زالت طرية تروي أرض وطن الآشوريين..
في يوم الشهيد الآشوري لا نلتقي لنتبادل العزاءات ومشاعر الأسى والحزن ولكننا نقف أمام واجب مكين في الأنفس يتحدث عن آليات إعادة الحقوق وإنصاف الأحياء بوقف دوران مطحنة الإبادة الوحشية وتدوير عجلات العلاقات الأخوية التي أسس لها الآشوريون عندما كانت دولتهم هي حاضرة مجد العراقيين لسنوات من الخير والزهو والرفاه…
ومن أجل ذلك فإنني لأرجو أن يأتي يوم الشهيد في سنة قابلة وقد شرعنا بوضع الحلول المكينة الراسخة متمثلة بـ:
- داخليا للشعب العريق أن ينتهي من إشكالية الانقسامات التي لا تنتسب لوجوده الواحد شعبا عريقا ولكنها تنتسب لما لحق به عبر مراحل صراعه مع أعدائه الذين عملوا على استغلال سمات التنوع والتعدد في كل ما يتعلق بالفكر وتـَنقـّلِ عواصم حواضر هذا الشعب ومراكز ثقافته واقتصاده وإدارته وباللعب على وتر التعدد الكنسي والاعتقاد المذهبي الديني وبالمنتهى بالعزف على وتر التسميات تثبيتا لمحاولات تمزيق الشعب وتقسيمه وتشظيته.. وعليه فسيكون الردّ داخليا يكمن بإعلاء كلمة الوحدة والبحث عن حل لابد سيظهر يوما وحتى يأتي الحل يلزم تبادل التفاعل الإيجابي والاعتراف بجميع الأطراف والمكونات الاجتماعية والدينية المذهبية وبالتيارات الفكرية المتنوعة.. وذلكم تأسيس لحق الكلدان الآشوريين السريان في توكيد وحدة وجودهم وفي تجسيد ذلك ودائما تبقى الوحدة أمتن وأغنى بثراء تنوع كينونتها…
- على أن الأمر لا يقف بحدود الدولة العراقية الحديثة وإنما ينبغي لكل آشوري أن يعرف أين يمتد وجوده هنا في بلدان الشرق وحتى منتهى مغارب بلدان الشتات.. ما يتطلب البحث عميقا في محاولات الحل الجدية بما يعود على الشعب بوقف استلابه ومصادرته ومحاصرته وبتعزيز معنى وجوده تاريخيا وانعكاس ذلك جغرافيا على الأرض حيث الحياة الإنسانية الحقة بكل آلامها ومعاناتها وأوصاب الناس فيها وإشراقات حركتهم ووجودهم وعطائهم.. ومن هذا الوجود ستنعكس قوة مفيدة بالخير على جميع الأطراف المترامية للشعب…
- أما بالتفاعل مع موقف الآخر من جميع مكونات الوجود العراقي المعاصر (من غير الآشوريين) فيمكن تثبيت الحقوق واضحةَ َ معلنةَ َ صريحة عبر دراسة مطالب ثابتة وعادلة تقرأ المشكل المعضل بكل حيثياته سواء منها تلك المتعلقة بتعويض هذا الشعب العريق عما لحقه من تضحيات بشرية ومادية وحماية ممتلكاته لحين استتباب الأمور وعودة النازحين والمهجرين والمذابة قراهم ومدنهم لأية جهة… وتتحمل الجهات الرسمية العراقية وكل أطراف العلاقة مسؤولية وقف عمليات الإذابة والطحن بالتهجير القسري أو بالتعرض لحيوات الناس وتصفيات جسدية همجية تطاول أبناء الشعب فضلا عن عمليات الهدم والتخريب والمصادرة وغيرها…
- ويلزم على المدى الاستراتيجي أن تجري مراجعة الدستور العراقي لإدخال تعديلات على طريقة تكوين البرلمان العراقي بين جناحين يتكون منهما البرلمان هما مجلس وطني مباشر الانتخاب على المستوى الوطني ومجلس اتحادي للقوميات يتشكل من نسب متساوية أو متقاربة ومن المجلسين تأكيدا يتركب البرلمان العراقي ويمكن بعد إقرار الرؤية هذه التي تنصف مكونات العراق وأطيافه أن يجري الحديث عن الأرقام والحسابات المناسبة للتطبيق وبعيدا عن اختزال العراق بين الأغلبيات المكونة (الثلاثة!)… كما يلزم اليوم قبل الغد إدخال وزارة المجموعات القومية والدينية وفورا لأنها الجهة التي ستتابع بوضوح مجريات جريمة إبادة جارية يوميا في بلاد طغت عليها لغة الدم والحرائق والحروب العبثية.. ولا مجال لمسؤول أن يتردد في التعاطي مع هذه الحقيقة لأنها لا تحتمل التأجيل… إذ هل يصح أن تخضع حياة إنسان للبحث في أولويات مع ماديات عبثية مهما علا ثمنها وما بالنا عندما يتعلق الأمر ليس بحياة فرد بل بحيوات أبناء الشعب الآشوري ومجموع القوميات التي شادت جذور العراق ولا تحصد اليوم إلا مزيدا من الطحن…!!!
في يوم الشهيد الآشوري نستذكر كل أخت وأخ في الوطن وفي الإنسانية لنصلي له ممجدين دمه الزكي الطاهر الذي ارتوت منه أرض كانت مهد الحضارة البابلية الكلدانية الآشورية وستبقى لتعيد هذا المجد لأنه بغير إنصاف وعدل لا قائمة لعراق الهدوء والاستقرار والسلم والديموقراطية.. فهذي كلها سمات تحضـّر إنساني وتمدن بشري لا تستقيم الأمور فيه بوجود مظلوم مغتصَب الحق فكيف إذا ما استمرت جريمة التطهير العرقي!!
لقد صحا الآشوري صبيحة جريمة الغدر في سميل فاقدا خيرة رجاله من أبناء شعبنا وفاقدا هويته التي حاولوا طمسها بتغيير الأسماء وتشتيت الأبناء والنساء وسبيهم وصحا في السنوات الخمس الأخيرة على جريمة إبادة جماعية أخرى ومحو لقراه ومدنه وبيوته فهل سنصحو بعد حين وقد قبلنا صاغرين بمحوهم من الوجود! ونقول بعد ذلك حسبنا الله ونعم الوكيل متوقعين خيرا لأحد بسكوته على الجريمة منتظرا غفران إلهيا متوهما…
أيها العراقيون، كونوا يدا واحدة بيد أخوتكم في الوطن والتاريخ والجغرافيا.. أخوتنا اليوم وغدا، هم جمال صدورنا في المحبة وهم سداد عقولنا في الحكمة.. فبغير أخوتنا من الشعب الكلداني الآشوري السرياني لا نكون بحق لا عراقيين ولا نمتلك إنسانية صادقة نستحقها في حياة حرة كريمة نحياها…
وبعد، فلا عزاء للشهداء فــ هُم أحياء بيننا يَخِزون الضمائر كي لا تصمت وكي لا تنسى ولنكن سويا بلا معادلات الأرقام وحسابات التضليل لأغلبية باغية وأقلية مهضومة فنحن سواء في الحقوق الإنسانية لأننا سواء في الوجود البشري… وليعلو الخير ولتسمو قيم المحبة والسلام فلعلنا نعيد بعض حقوق منهوبة ثمنها دماؤنا جميعا ونهرها الواحد هو وجودنا العراقي….
ومحبة لكل من نطق بخطاب التصالح والتسامح وعلى أرض العراق السلام يوم نطمِّن أرواح ضحايانا فتنام وادعة بإقرار الحق والعدل.