منذ سنوات خمس ودورة جديدة من مطحنة الآلة الجهنمية تدور برحاها على مزيد من الضحايا من نسوة العراق. فبعد أن تطلعت المرأة العراقية للانعتاق بزوال نظام الدكتاتورية وحملاته الأمنية الإيمانية والسياسية، وجدت نفسها مباشرة بمجابهة مستجدات سلبية خطيرة…
لقد استكملت السياسة الطائفية وسطوة المافيات والعصابات المنظمة المسلحة على الأجواء العامة، ما كان قد بدأ في نهاية عهد الطاغية في حملته لإعادة المرأة للحجر الاجتماعي والسياسي بين جدران المنزل. ولكن الأخطر من كل ذلك أنَّ سلطة القهر الجديدة توسعت في أعمال البطش بصورة منفلتة من كل حدود…
حيث نشهد اليوم عمليات النحر البشعة؛ بذرائع جرائم الشرف أو بحجج تتعلق بعدم الالتزام بالزِّي الإسلامي الذي صار ملزما عند همج ميليشيات أحزاب الإسلام السياسي حتى على نساء العراق من الديانات الأخرى كالمسيحية والمندائية والأزيدية دع عنك العلمانيات من المحتشمات ممن يخرجن على الشادور الإيراني أو “الكبنك” الأفغاني…
ويوميا صارت الموظفات العاملات والطالبات المواظبات تجابه أساليب للتحرش والمضايقة من كل نوع حتى وصل الأمر لما تجاوز التهديد حيث الاختطاف والاغتصاب يجري بنسب كارثية مرعبة ولا توجد الجهة التي تعلن عن كل ذلك…
لقد استبيحت الحرمات ولم يعد للعائلة العراقية مستقر وهدوء حتى في بيوتها. إذ لا يوجد منزل آمن يحتفظ بحرمته ضد التهديد والاقتحام المنظم المستمر وبالتأكيد أعظم الأمور ما تتعرض له المرأة في مثل تلك المداهمات المخزية وما يضاعف الأمر أنه يجري بتحد سافر لكل عرف أو قيم أو وازع ضمير وأمام أعين الأبناء والأزواج والآباء.
وافتقدت المرأة العراقية للرعاية من كل شكل أو حاجة سواء الرعاية التعليمية ام الاجتماعية أم النفسية أم الصحية في ظل أجواء وزارة الصحة المنشغلة بترتيبات وأنشطة لا علاقة لها بها، وفي ظل الحكومة التي تعتريها أعراض الفساد الوظيفي الإداري والمالي فضلا عمّا تجابهه من معضلات معقدة أخرى…
وبدلا من مراكز للرعاية ولدراسات مشكلات المرأة وأشكال وأسباب معاناتها ومعالجة ما أصابها وترك لها من ندوب نفسية وتعقيدات اجتماعية كما في النساء المؤنفلات أو ضحايا المعتقلات وضحيايا الخوف والعرب لزمن سيادة الجريمة المنظمة بكل مستوياتها وأشكالها ؛ بدلا من كل ذلك فإنَّ أحزاب الإسلام السياسي وإدارتها بزَّت النظامين الإيراني والأفغاني وممارسات معتوهي المغاور الظلماء من طالبان والقاعدة فيما تعرِّض المرأة العراقية له من بشاعات شنعاء…
لقد أزيحت المرأة العراقية من كثير من الميادين المهمة التي احتلتها بجدارة ومسؤولية عبر سِفر نضالاتها طوال القرن الماضي في الدولة العراقية وما بقي سوى حالات الادعاء وبهرجة التمثيل الشكلي الذي يمرِّر سطوة الفلسفة الذكورية وسطوة أدوات الجريمة؛ حتى أننا لا نشهد في مستويات العمل المهم إلا نموذجين رئيسين هما الخانعة الجالسة شكلا في منصبها أو المشتركة بجريمة ضد أخواتها وضد المجتمع بعمومه..
كما تمَّ تعطيل عملي فعلي لقانون المرأة الذي حاولوا إلغاءه بقرار 137 المعروف، ويجري تعميد سطوة الأعراف العصملية البليدة البائدة بشأن قوانين العيب وغسل العار ووتجميل الجريمة بتسميتها جريمة الشرف حيث تمَّ اغتيال نسوة يعملن صحفيات وطبيبات ومهندسات وأساتذة في المدارس والجامعات وإعلاميات ومثقفات ومن مختلف أطياف الشعب العراقي بهذه الذريعة ولم تكسف السلطة الرسمية عن أيّ من تبعات هذه الجريمة… وما زال المجرمون طليقي اليد في متابعة جرائمهم من خلف مكاتب علنية معروفة…
وإذا كان صحيحا أن المرأة العراقية ما زالت تنهض بأعباء النضال الفئوي الخاص بها وبالنضالات الوطنية بعامة وأنها ما زالت تكافح من أجل تحقيق الحريات لها تحقيقا لانعتاق المجتمع من أسار أشكال استغلالها، فإنه من الصحيح أيضا أن ذلك صار مكلفا في قرابين التضحيات أكثر من كل ما سبق ولا يشابهه في الجريمة المهولة إلا زمن القرون الوسطى وظلامها الدامس…
إنَّ ثقافة الجريمة والاستلاب والمصادرة والتقتيل والذبح على الطريقة الهمجية الوحشية ثقافة الظلمة والتخلف ومغاور تورا بورا تنتقل بقوة السكين العمياء والبندقية الرعناء والقنبلة الصقعاء… ويوفر لكل هذا الجمع الوسخ من عصابات صناعة الموت فرصا مضافة، سياسات الطائفية والإسلام السياسي المتحكم بالأمور ببرامج تعبث بمصير العراقيين متحدية خيار الشعب في الحرية والديموقراطية وفي العملية السياسية السلمية بطريقها وبرنامجها الوطني المُتطلـَّع إليه…
إنَّ ما يؤكد هذه الحقائق ليس بيانات منظمات النساء والمجتمع المدني والأحزاب السياسية العلمانية والمتنورة ومعالجاتها الموضوعية العلمية بل تؤكده وقائع الأمور حيث تعالت نداءات الاستغاثة المستصرخة الضمير الإنساني لوقف جريمة قتل النساء واستباحتهنَّ حتى صرنا أمام أنهار من الدماء التي تغطي شوارع أحيائنا الشعبية يوميا..
إن واقع المرأة العراقية اليوم يجابه:
- تعطيل القوانين الدستورية بشأن حقوق المرأة ومساواتها ومن ذلك وقف العمل فعليا بقانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959على الرغم من التراجع الرسمي عن قرار 137 في 29 كانون أول 2003المشؤوم..
- تفعيل قوانين الأعراف تحت مظلة السلطة الدينية المقدسة وهو ما يمنح أشكال تنظيم ما قبل الدولة سلطة فعلية للحكم كما في سلطة فرد يتصرف باسم العشيرة أو القبيلة أو آخر باسم المذهب أو الطائفة وعلى وفق أدنى مستويات الإعداد للحكم أو الفصل في قضايا اجتماعية معقدة تتطلب إعدادا قانونيا وقضائيا واجتماعيا رشيدا كافيا…
- تفعيل قوانين العيب والعار في المستويين الاجتماعي والسياسي وتوسيع نطاق التثقيف بهذه الخلفية الظلامية الممثلة لأحط مراحل التخلف الإنساني…
- منح الفرص واسعة لتطبيق رغبات زعامات أحزاب الإسلام السياسي في نوع اللباس الذي ترتديه النسوة وتحديدا فرض الشادور الإيراني والرداء الأفغاني مع مبالغات مضافة أخرى ويجري هذا بممارستين الأولى عبر تسيير مظاهرات بهذا الغطاء في لـَفـِّهِ المرتدية [أو المرتدي؟؟] له بالسواد المطلق وإلزام نسوة تلك الحركات برفع شعارات أعيدونا إلى بيوتنا؟؟! والممارسة الأخرى تتضمن التهديد والوعيد والتصفية الجسدية بعد الاغتصاب والتعذيب ومن ثمَّ التمثيل بالجثث وإلقاؤها في الشوارع وقريبا من بيوت الضحايا….
- أمام الأزمة المستشرية والبطالة الواسعة فإنَّ أول من تطاله البطالة هي المرأة [نسبة البطالة 60% من قوة العمل ونسبة النساء في العراق تصل الـ60%] كما تم تحديد مجالات أو نوع العمل وميادينه المسموح لها بها… علما أنها المعيل لعشرات ألوف الأسر بسبب من وجود أكثر من مليون أرملة ومليون مطلقة وأرقام شبيهة من تلك التي تشير لاختفاء أرباب الأسر لأسباب قهرية…
- لا وجود للرعاية الصحية الخاصة بالمرأة من مثل رعاية الحوامل والولادات وظاهرة حالات التشوهات وأمراض التأثر بالإشعاعات والكيمياوي وما إلى ذلك… ولا يشمل التعليم البنات أو أنهنَّ أول من يجب حرمانه من ذلك داخل العائلة…
- ولا فرصة جدية حقيقية أمام المرأة لتنظيم نفسها في جمعيات ومنظمات إلا بشرط الخضوع والتبعية لسطوة جهة من جهات الإسلام السياسي… وتجد المنظمات الحقيقية عقبات وتجاوزات واعتداءات صريحة خطيرة باستمرار…
- تعاني المرأة العراقية اليوم من المشكلات الاجتماعية الخطيرة وهي تتعرض اليوم لأبشع عملية استغلال عبر استرقاقها وبيعها أو المتاجرة بها في سوق النخاسة والجنس سواء كان ذلك داخل العراق أم خارجه وباتت هذه المشكلة من الخطورة بحجم نوعي عميق الغور عبر العصابات المنظمة وأساليب تمريرها أنشطتها تلك..
- وفوق هذا وذاك تجد المرأة العراقية نفسها اليوم أمام مشكلات عائلية مريرة حيث لا تستطيع أن تلعب دورها إيجابيا بمصادرة حقوقها في التعبير وفي إدارة حياة أبنائها وعائلتها وتختل أجواء التوازن والعلاقات داخل العائلة بسبب من التشوهات الخطيرة في التركيبة وبالتدخلات القهرية من خارج العائلة ومن داخلها… وسيجد البحث والتقصي العلميين مشكلات كما في العنوسة وتوسع حالات الطلاق وشيوعها على حساب تراجع حالات الزواج والفصل الديني والطائفي في هذا الإطار وكما في مشكلات الفقر والحاجة وما ينجم عنهما…
إنَّ جملة المشهد الذي يعاني منه العراق عامة يتأسس على تحالف السلطة المال السلاح بما يمثله من غطاء كارثي حقيقي في توجيه أو إدارة الأعمال الإجرامية من بلطجة وتجارة واسترقاق وما أشبه، وهذا ما يعقد مسيرة استعادة حقوق النساء وتحقيق العدل والمساواة وإنصافهنّ على وفق مباديء الديانات السماوية والقوانين الإنسانية القويمة..
إننا بهذه الصورة الداكنة ندعو إلى توسيع نضال المرأة العراقية بالاستناد إلى قواها الواعية وإلى القوى الحليفة التي تتبنى تطلعاتها وأهدافها وبالاستناد إلى دعم جدي مطلوب ومنتظر من المنظمات الدولية بالخصوص..
ويلزم في هذا الإطار البحث في تعزيز العلاقات بين المرأة العراقية ومنظماتها والمحيط الإقليمي والدولي والقوى المتنورة فيه كما يلزم توسيع حملات التوعية والاتصال بالنساء ومنع حجرهن بطريقة تغطي على آلاف الجرائم التي تستفرد بكل امرأة لاستباحتها من شتى جهات الإجرام عائليا وأسريا وعشائريا وطائفيا وبعموم الأعمال المنظمة المشخصة…
ونحن نريد لحملة مناصرة المرأة العراقية أن تتجه نحو:
- توسيع تنظيم المرأة العراقية وتوحيد المنظمات المتنورة وجهودها..
- عقد الصلات الوافية مع المنظمات الدولية وتنسيق الفعاليات بالخصوص..
- عقد التحالفات والأنشطة على المستوى الوطني بعيدا عن سلطة القوى التي تمثل غطاء في برامجها لاستباحة النسوة العراقيات.. كما في أوباش الإسلام السياسي أو مدّعي العصمة والقدسية وتمثيل الله على الأرض!!!
- أوسع حملة إعلامية بكل وسائل الإعلام والاتصال وبكل المستويات المنتظرة منها وبخطط موضوعية سديدة مدروسة..
- فرض تعديلات قانونية مناسبة تتيح حماية المرأة وحركتها وتمنع اتصال استبحتها كما في المطالبة بمضاعفة العقوبات التي تمس التعرض للمرأة مثل الاتجار بها واستعبادها واختطافها أو تصفيتها وعد تلك الجرائم جرائم كبرى تمس مصير البلاد والمجتمع…
- إعلان أعلى مستوى جدي مسؤول من أشكال التضامن العملي مع المرأة العراقية داخل الوطن وفي المهاجر الجديدة في دول الجوار…
وليكن قبل هذا وبعده تصعيد وتائر النضالات الوطنية من أجل المرأة العراقية نقطة العمل من أجل استتباب السلم والأمن وانطلاق عمليات البناء وإعادة إعمار المخرب في الإنسان العراقي…