وردت الأنباء من داخل الوطن بوجود نية تغيير قراءة الرموز الموجودة في العلم العراقي واستخدام ألوان جديدة! وعرض الأمر على البرلمان العراقي للإقرار.. وبهذا يعتقد من تقدم بهذه الجزئيات أنه انتهى من إشكالية تغيير العلم وانتهى من مشكلة رفعه في عموم الوطن…
إنَّ هذه المحاولات الملفقة تشير إلى الطرف الذي لا يقف وراء أزمة رفع العلم العراقي حسب بل ووراء المشكلات المفتعلة نتيجة سياسة يصر عليها المعنيون بإدارة الوضع العراقي بعمومه… كما أن الإشكالية لن تنتهي برفع النموذج الذي سيُفرض في الغد في ربوع الوطن جميعها…
فأزمة العلم العراقي ليست خلافا شخصيا أو حزبيا وهي ليست قرينة لمشكلة تفسير رموزه حسب بل إلى آلية تصميمه واختيار تلك الرموز وعائدية الشفرات الدالة فيه.. وليس من المنطقي أن نعود لنفس الآلية في طريقة اختيار علم العراق وجميع العراقيين… إذ أنَّ آلية اختيار العلم لا يمكنها أن تعود بنا إلى خيارات أفراد أو مجموعة منهم كما حصل مع العراقيين في مراحل منصرمة..
إنَّ حصر الأمور في مجرد قراءة الرموز ومن ثمَّ وقفها على إعادة تلفيق القراءة سيبقي على الأزمة مفتوحة الأبواب أمام احتمالات تفسيرات مغايرة لهذا الطرف أو ذاك وهو حق مكفول للجميع؛ لنعود مجددا للبحث عمّا يفيد في حل المشكل المتولِّد أو يجنبنا أزمة جديدة أخرى متوقعة…
أما الحل الحقيقي فيكمن في الابتعاد عن آفاق التفسيرات الحزبية أو الفئوية الضيقة ومنع حصر القرار في أفراد أو أحزاب بمعنى إخراج قضية العلم العراقي من دائرة المحاصصة التي تتحكم بالوضع العراقي بعد أن فرضت المحاصصة وجودها بديلا للدكتاتورية وكلاهما من أمراضنا المستعصية…
الحل يكمن في تشكيل لجنة من المتخصصين: من المفكرين والفلاسفة والمؤرخين ومن الفنانين التشكيليين تحديدا، للإشراف على عملية اختيار نموذج من بين نماذج عديدة مقترحة يجري دراساتها بدقة وتُعتمد مبدئيا بقراءات وطنية عراقية دقيقةسواء في اللجنة المعنية أم في البرلمان أو بالتصويت العام أيضا حيثما كان متاحا الأمر في الأوضاع المعينة لحظة إقرار الصيغة المختارة…
إن الاعتراض يبقى موجودا حيثما جرى اختزال سلطة القرار بزعامات حزبية سياسية أو بأفراد يمالئونهم الرؤية الأيديولوجية السياسية ويطوِّعون القيم الفنية التعبيرية بما ينسجم معهم…
ولابد لكل قضية وطنية عامة أن تعود لرؤية شعبية عريضة واسعة لا تستلب أحدا أو فئة أو قسما من أبناء الشعب بل أن تعبر عنهم وعن اتفاقهم الجمعي بممارسة أوسع آليات الديموقراطية..
فإذا كنّا نحن أبناء الشعب مغلوبين على أمرنا حتى في اختيار الرمز الذي يعبر عنّا ونرفعه فوق رؤوسنا باعتزاز، فأية ديموقراطية تحققت بإزاحة دكتاتورية الطغيان؟ هل هي حقا ديموقراطية الحصص والمحاصصة.. سنوافق على الأمر إذا كانت حصتنا نحن جياع العراق ومنكوبوه ومشردوه في الشتات والمنافي وضحايا آلامه ومآسيه، حصة الأغلبية المقهورة أي حصة القرار لا حصة الخنوع والخضوع لكل ما يقوله من يعتلي كرسي السلطة منذ حصة الطاغية المستبد وحتى حصص آخر من احتل هذا الكرسي اللعين…
لا قبول بعلم ملفق من أي طرف إلا طرف الشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته وعبر آليتي الديموقراطية الحقة لا ديموقراطية المحاصصات المرضية بل ديموقراطية احترام صوت الشعب وعبر آلية توظيف المبدعين والمفكرين المعنيين بالصياغة والاختيار بطريقة صحيحة صائبة…
وكل ما عدا ذلك سيظل مجرد تلفيق بقصد اختلاق أزمات مستمرة من جهة ومشاغلتنا بعيدا عن المشكل الحقيقي الجاري في الوطن وبحق الشعب… ويبقى السؤال عن سر الإصرار على عدم التغيير الحقيقي وعلى التمسك بالقرار بيد أنفار لإدارة فلسفة إخضاعنا للطائفية وحصص زعاماتها لا أبناء أطيافها المصادرين…
إنَّ أي علم عراقي جديد وبديل ينبغي أن يتم اختياره عبر هاتين الآليتين بما يلبي مطامح الشعب الوطنية وليس بما يلبي رغبات أو رؤى وأفكار زعامات الواقع العراقي المريض بالطائفية والمصادرة والاستلاب وأشكال الاستغلال..
فهل نحتفظ بأمل أن نمارس موقفا جديا وطنيا مسؤولا أم يستمر من يدير الوضع في نهج الابتعاد عن فلسفة الديموقراطية وحقوق العراقيين؟؟؟