بين الفينة والأخرى تتعرض الشخصيات الوطنية والأكاديمية والثقافية الإبداعية العراقية لهجمات مغرضة عليها. وهي هجمات تقع في الغالب من جهات مختلفة متقاطعة بين مستويين سياسي عام؛ وشخصي مرتبط بتصفية حسابات مرضية.. وطبعا يجري هذا كله في إطار ما يصب في الحملة الشرسة التي تجري بحق تلك الشخصيات في خطاب تصفوي موجه ضد العراق وشعبه وقياداته الفكرية الثقافية بما يعمل على ضرب العقل العراقي ومنتجه التاريخي المعاصر…
إنَّ مختلف الهجمات تجري من مركز [أو مراكز] يجري التخطيط فيها حيث توضع المهام والواجبات من استغلال الفضائيات ووسائل الإعلام المتطورة والأنترنت على رأس القائمة إلى أشكال الاتصال المباشر بالمحيط الخاص بالشخصية وميدان وجوده ونشاطه.. كما تتم عملية شراء الذمم بالأموال والعطايا أو تكليف الأبواق الخاصة بمثل هذه الفعاليات الوسخة..
ومن الطبيعي أن يتم استغلال الحجم النوعي الكبير لمؤسسات استخبارية وشبكة جمع المعلومات الأولية قبل وضع تلك الخطط البائسة موضع التنفيذ لتُقدَّم لتلك الأبواق والأدوات المكلفة بهذا الواجب أو تلك الفعالية في الهجوم على شخصية وتشويه تاريخها وحاضرها والحطّ منها بطريقة تثير الاحباط وتعرقل أي إمكانات لحركة الشخصية ودورها الفاعل في الحياة العامة…
وطريقة التصفية أو التسقيط الفكري السياسي والأخلاقي هي الطريقة المُثلى عند القوى المعادية للشعب العراقي وللعقل المتمدن المبدع لديه.. إذ أنَّ تلك القوى تلجأ إلى هذه الفبركة المرضية ولمعركة التصفية بالتسقيط الأخلاقي السياسي حتى إذا فشلت في تحقيق مآربها لجأت إلى التصفية بشكلها الأخير أي التصفية الجسدية…
ولكل طريقة أسبابها وما يقف وراءها من أهداف. ومن هنا كانت المهمة المباشرة الأولى بعد سقوط نظام الطاغية لتلك القوى العدائية، هي الدخول بسرعة وقوة في ظروف عدم وجود مؤسسة حماية أمنية وطنية وجرى تصفية مئات بل ألوف من الأكاديميين والمتخصصين والمثقفين المبدعين بعمليات اغتيال وتصفية جسدية غير مسبوقة بمشهدها النوعي الدموي، فيما تمَّ التحرك التالي وأحيانا المرافِق لتلك الحملة لتنفيذ خطط التصفية الفكرية السياسية والتسقيط الأخلاقي لمن يقيم في أماكن فيها بعض الحماية الأمر الذي لا يمكنهم النفوذ إليها لاستكمال عمليات التصفية الجسدية..
وبتأجيل التحدث عن طبيعة تلك القوى ومراكزها المحلية والإقليمية والدولية؛ فإننا نود هنا التحدث عمّا يجري بحق شخصياتنا من جهة التسقط وتتبع تفاصيل أنشطة الشخصية وجمع المعلومات الدقيقة عنها بما يفيد في تلفيق القصص المختلقة أو تأويل بعض الحقائق وليّ أعناقها بطريقة يتم تقديمها مشوهة فتصل بالصورة التي يُراد أن تكون لدى المتلقي عن الشخصية المقصودة..
وبعض أمثلة هذه الحالة ما تزال حية بين أيدي المتابعين، ونجد فيها قراءات تصوّر أكاديميين كونهم شحاذين يستعطون مسؤولا أو يستجدون موقعا أو وظيفة.. وفي الحقيقة فإنَّ هؤلاء أو غيرهم يستحقون المكانة وهم الذين يشرّفون المسؤولية أو الوظيفة أو المنصب بمنجزهم البحثي العلمي والأدبي، الأكاديمي والثقافي وهو منجز جاء بجهود وتضحيات ومثابرة وتميّز…
أما وقد جارت الأيام فوضعت مهجَّري العراق في أوضاع اللجوء ومعاناته وأوصابه وفي شتات الأرض وضغوط المنافي و[بعض] دول ما كان لها يوما ذكر في ثروة فكرية أو ثقافية أو حضارية كما ماضي العراق التليد وحاضره بما فيه من مبدعين وخبراء ومتخصصين وأكاديميين علماء وأساتذة، أما وقد وقعت الواقعة فإنَّنا ينبغي أن ننظر بعين مفتوحة لحجم المأساة وإلى ما يجري بحق هؤلاء من عملية سحق وتصفية مقصودة وغير مقصودة حيث الحط من المكانة والمحاصرة في دوائر حياتية ضيقة حتى أنهم لا يجدون لقمة العيش بسبب هذه الحال البائسة التي وُضِعوا فيها!!
في مثل هذه الأجواء يجري مضاعفة الضرب فيهم عبر الحديث عن عطايا واستجداء واستخذاء وكل ذلك غير صحيح ولا مصيب في أمر. الصحيح أن مجموع المثقفين والأكاديميين تقدموا لتشكيل مؤسساتهم المتخصصة كما رسموا المشروعات في إطار تلك المؤسسات لتحل مشكلات من نمط الحديث عن الاستجداء وبدل العطايا الشخصية من مسؤول أو آخر يكون صندوق الأزمات والطوارئ ونعيد المهمة والمسؤولية للدولة والمجتمع. وتنقطع ألسنة السوء في التأويل واسترخاص مهاجمة علم أو شخصية أو أكاديمي أو مبدع…
وغير المال وثروة العيال؟! يبقى الأكاديمي العالم ثروة في فكره ومنتجه الثقافي الأكاديمي مما لا ولن يُعوَّض أبدا.. وثروة العقل في مجتمع إنْ تمَّ إغفالها أو إهمالها فالطامة الكبرى تكمن هنا حيث إ‘دام أهم الثروات المجيدة الخالدة.. فتراث الإنسانية بقي لأن الإنسان الصحيح في عهد السلالات الأولى للحضارة البشرية لم يقف عند احترام فردي لتلميذ كان يرتاد المدرسة الأولى أو معلم كان لخص خبرة البشرية ومعارفها ونقلها في لوح من ألواح سومر بل احتفظ بمكانة ذياك المعلم ومجد عمله بأن حفظ ألواحه وخلدها مُرسِلا إياها لنا لنبني حضارة اليوم…
فما بال بعضهم بدلا من الاحتفاظ بمكانة عالِم جليل أو أستاذ فاضل يهبط بلغته ليتعرض له في أمر سلوكي أو آخر؟؟ إنَّ ذلك في أفضل أحواله يمثل خطأ كارثيا (قد يكون غير مقصود النية السيئة) ولكنه يصب في خدمة من يمضي في عملية تصفية الحساب مع العقل العراقي والحط منه بل وتصفيته..
أما القول: إنَّ الأمر يمكن أن يدخل في باب النقد والتقويم والمعالجات لأخطاء تقع بشكل عادي فأمر يمكن قبوله عندما تأتي الخطابات في إطار موضوعي غير مشخصن وفي إطار جمعي لا فردي وفي إطار يهتم بالجوهر وبالعلاج المنطقي لا بالتعرض وبصيغ الشتيمة والانتقاص…
من هنا كان لابد لنا من توضيح بين الفينة والأخرى لا تقصد موقفا أو شخصا بعينه بقدر ما تتبنى الوقوف عند ضفاف الحقائق وتبيانها وفضح أشكال الهجمات وطرائقها فيما يدخل في إطار الحسابات الرخيصة لأعداء الفكر الإنساني النيّر..
وما يستند إليه العقل العراقي بكل مفكريه وعلمائه هو الثقة بالشعب العراقي كونه الشعب الذي يحمل مشعل الحضارة ويتمسك بقيم الدفاع عن التنوير الفكري والمنطق العقلي الرشيد ومن ثمَّ يمثل الشعب الحارس الأمين لعلمائه ومفكريه واحترام مكاناتهم وأماكن تصديهم لقيادة دفة المسيرة بصواب ما يرسمونه… وأما أصوات التشويه بمختلف أدواتها فهي من الزبد الذي يذهب هباء وما سيبقى هو العقل العراقي بمنتجه من أبسط طلبة العلم حتى أعلى مراتب العلماء من العراقيين المتمسكين بمنطقهم العقلي المتمدن المتحضر… وللحديث بقية تُعنى بتوضيح من يقف في مقدم الأعمال التصفوية لعلماء العراق وما أقلامهم وأدواتهم الباطلة المريضة في تنفيذ خططهم في التعرض للعقل العراقي وتشويه أقطابه وأعلامه…