بين مصائر مجهولة ومزايدات غير محمودة العواقب، تمضي أوضاع المهجرين العراقيين أو النازحين من جحيم الإرهاب الدموي المستشري استهتارا في داخل الوطن.. وفوق ضيم ترك الديار إلى مخيمات بائسة أو أوضاع قلقة غير مستقرة تكتنفها مصاعب وتعقيدات وأمراض سياسية واجتماعية وتفاصيل يوميات غير عادية بالمرة؛ فوق كل ذلك تتداول قوى سياسية وتدفع أقلام ىمأجوريها لمزايدات رخيصة منها ما يقع في خدمة مصالح تلك الأحزاب والحركات وقياداتها ومنها ما يقع في دائرة تأثيرات الصراعات الإقليمية والمرجعيات غير الوطنية…
وإذا أجلنا البحث في هذه الإشكالية المرضية وكثرما نجد في عراقنا الجديد مخلفات إشكاليات مرضية عادية وخطيرة وما بينهما، ننتقل إلى أنَّ منطق الشرائع وقوانين حقوق الإنسان والقوانين الدولية السارية تشير إلى مرجعية كل إنسان إلى جنسيته وحقه على بلاده وحكومة بلاده في أن تتبنى حلّ مشكلاته وأن تبقى في أداء تام كامل لمسؤوليتها تجاهه وهو في أبعد نقطة من أرجاء الأرض القصية خارج وطنه…
وكل دولة تحترم اسسمها وقيمها وقوانينها وفلسفة رعاية المواطنين وتحقيق الالتزام الكامل بالمسؤولية عنهم، تقف مع مواطنها في سرائه وضرائه وفي حقوقه واستحقاقاته حتى عندما يرتكب جريمة بحق أية جهة خارج وطنه.. تتابع الدولة وحكومة تلك الدولة مجريات أمور مواطنها وتتصدى بكامل الهمة والالتزام لمسؤوليتها حتى تعيده إلى وطنه حيث مستقره وعلاج مشكلاته النهائي..
فما الذي فعلته حكومتنا العتيدة لجمهوريتنا العراقية الجديدة؟ مع أننا نشعر في سؤالنا هذا نستبق أمورا وأوضاعا حيث أن حكومتنا بين عجزها وفشلها في حماية الوضع الوطني عامة ومهامه الرئيسة وبين انتهاء صلاحيتها وخروجها عن تاريخ الفعل الميداني بتعطلها عن أداء المهام المباشرة وانتظار قرار التغيير، لا يمكنها أن تمدّ يد عون أو فعل ميداني لمن صاروا بمجابهة أقدار المصير المجهول في بلدان الشتات والنزوح والهجرة…
مع ذلك فإنَّ هذا لا يعفيها من التزامات معنوية أدبية على المستوى السياسي وبدل من انشغالها في مطاردات فردية لهذا المجرم أو ذاك ومخاطبة هذه الدولة أو تلك لتسليمه وهو أمر مطلوب في وقته الآتي بظروف مناسبة؛ ينبغي عليها بدلا من ذلك أن تتعاطى مع الأزمة الإنسانية التي تساهم هي بفشلها على أقل تقدير في تعقيدها [متجاوزين اتهام بعض أطرافها في اختلاق أزمة المهجرين الجدد]..
أما مساهمتها في الأمر فيكمن في توجيه المسؤولين في وزارتي الهجرة وحقوق الإنسان والوزارات المعنية الأخرى لفتح مكاتب عمل تنهض بالمهام الجدية الفعلية المناسبة المؤملة؛ ولتكن أول هذه المكاتب في كل من الجارتين سورية والأردن.. ومن المهام المعول عليها أن توزضع الدراسات الإحصائية والاستطلاعية الاستقرائية لطبيعة أوضاع اللاجئين..
ومن الطبيعي أنه في حال مطالبتنا الدول التي استقبلت هذه الملايين بمسائل توفير الاستقرار أمنا وأمانا وشروط العيش الصحي من خدمات السكن والإيواء إلى خدمات التعليم والصحة، من الطبيعي والصحيح أيضا أن نطالب مكاتبنا الرسمية بمهام مباشرة في التعاطي مع مواطنينا وظروف معيشتهم وماديا ينبغي وجوبا والتزاما رسميا أن يتم تخصيص مفردة رئيسة في ميزانية الحكومة لهذه الأفواج المليونية..
وتحديدا في الجانب المادي يجب أن يستحي أولئك الذين يتحدثون عن مطالب رعاية مادية بخاصة في تلك الأقلام التي تستهدف سوريا والأردن ليس بمطالب تلتزم مبادئ الجيرة وحقوق الإنسان والقوانين والأعراف الدولية المتوافق عليها بل ببئس تهجمات تعكس توجهات فردية أو فئوية تخص تصفية بعض الحركات السياسية لحسابات بعينها لصالح جهات إقليمية أو برامج أثبتت خطلها.. بدليل وجود هذه الملايين بعيدا عن ديارها: لماذا؟
إنني هنا لا أهمل الأخطاء وحتى الجرائم المرتكبة بحق نازحينا العراقيين ووقوعهم تحت طائلة غول الزمن ومضايقات ومطاردات بعضها من جهات رسمية كما حصل في الجارة الشقيقة سورية وهو الأمر الذي يؤكد ما نذهب إليه من أهمية تشكيل مكاتب العمل المخصوصة ومتابعة مهام الحكومة العراقية تجاه مواطنيها فضلا عن حوارنا المباشر عبر مؤسسات المجتمع المدني العراقية والعربية والدولية مع المسؤولين تسهيلا لمواطنينا الأبرياء وبعيدا عن نفاق خدمة الأجندات الإقليمية وغيرها وبعيدا عن المزايديات وطبعا بعيدا عن كتاب العبث الأنترنيتي والصحف الصفراء التي تساهم بدورها في مزيد من تعقيد الأمور..
إننا بهذا الصدد نرى إلى جانب فتح مكاتب العمل المعنية بشؤون المهجرين في البلدين الجارين وتخصيص مفردة ترتقي للمسؤولية في الميزانية، نؤكد على أهمية التشاور مع الدول المعنية ومؤسساتها ومع المنظمة الدولية وما رصدته من ميزانيات وخطط موضوعية للتعاطي مع الحالة الإنسانية بعيدا عن لغة السياسة وخطابها وتهجمات قد يحسبها [بعضهم] على شعبنا وقواه ومؤسساته النزيهة منها تحديدا…
ونحن في موضع الإشارة إلى التجاوزات والاعتداءات والأخطاء بحق عراقيينا، لنؤكد من جهتنا على بحثنا الموضوعي مع الجهات المسؤولة لحلها وللتعاطي القانوني الإنساني معها شاكرين لكل الدول المستضيفة لأهلنا مواقفها الإنسانية على المستويات الشعبية والرسمية وواضعين مسؤوليتنا موضعها لأخذ المهمة المناطة بنا حيث اقتضى الأمر…
وبودي أن أسجل شخصيا وحدة المصير الإنساني في مستوياته الوطنية والإقليمية والدولية وعمق العلاقات بين عراقيينا ومستضيفيهم وكذلك مطالبتنا الجهات الرسمية للتعاطي مع القضية من جهة بعدها الإنساني أولا ومن جهة الحوار الرسمي المنتظر على المستوى الرسمي الذي تستدعيه الظروف الميدانية الفعلية بما يسهل على جميع الأطراف التعامل مع الإشكالية بمنطق الحلول الصائبة المفيدة..
ولنستبعد تلك الأصوات من جميع الأطراف والمرجعيات التي تتعاطى بطريقة اختلاق الاختلافات وتعقيد الأزمة أكثر مما هي معقدة ومأساوية بما يحمله خطابها من انفعالات وردود فعل سلبية على مجريات الوضع المتداخل فضلا عن ولوجها أنفاق الحسابات الرخيصة وأفلاكها المريبة على حساب الحقائق التي لا تنتظر تلك الإضافات المرضية بقدر ما تتطلع إلى معالجات فورية عاجلة لكثير من الحالات…
لنعكف على دراسات جادة فاعلة للأزمة ولنضع الأمور بين أيدي المتخصصين لا المزايدين السياسيين ومن يدور في أفلاكهم.. ولنعلن بشفافية عن خططنا ونضع الدواء حيث الجرح الفاغر مطالبا إيانا بالعلاج.. حيث الشيوخ ومعاناتهم الروحية والبدنية الصحية وحيث الأطفال وآلام مطالبهم وعيونهم المفتوحة على محيط يريد ويأخذ من وجودهم وحاجاتهم ولنقف وقفة مسؤولة إلى نسائنا بنات عراقنا اللواتي صرن تحت تكاليف الزمن وأوصابه وحملهنَّ رزايا وجراح لن تندمل بلسان قلم يصبّ جام غضبه وشتائمه على الآخرين… وفقط حين نتصدى لمهامنا ومسؤولياتنا يمكننا الحديث عن الآخر ومسؤوليته وممارساته..
أيها السادة النبلاء، ألا فلنمضِ سويا ويدا بيد من أجل أن نقرأ بموضوعية وأن نحاور بموضوعية ومنطق عقلي سليم وأن نتصدى لمسؤولياتنا بلا تردد وتلك هي القضية ودفاعنا عن أهلنا حيث حل مشكلاتهم وتلبية مطالبهم وحاجاتهم الإنسانية المباشرة لا المتاجرة بنقطة كراكمتهم وكرامتنا بالمزايدة وبالتصابي وقشمريات الكلم…
ولصوت المهجرين ومطالبهم بقية دائما حتى تندمل الجراح بعودة العراق لأهله آمنا بهم ولهم….