الأستاذ الدكتور العالم الجليل الراحل عناد غزوان الباقي فينا رحل في أمس لا يفارقنا؛ لنبقى في عناء ألم الذكرى لإنسان ومفكر وعالم هو نخلة عراقية باسقة باقية في عطائها ثمارا علمية جنية عبر منجزه وعبر تلامذته ومن نهل عنه ومنه المعارف التي طبعها بأدبه الجم وورعه وأريحيته وحبه الناس والحياة… وصورة عالمنا الراحل تأبى إلا أن تبقى باسمة ترفض الألم والحزن…
والأستاذ الدكتور عناد غزوان يبقى العلم المهم بين أعلام الثقافة النقدية العراقية فهو العلم في البحث العلمي والأكاديمي الذي ساهم مع جيل الريادة في وضع اللبنات الأولى لتقاليد تحديث الدرس النقدي في الوسط الأكاديمي والثقافي العراقي. مثيرا بتجديده أسئلة مهمة في مستويات الإبداع والفكر العراقيين بخاصة وقد جمع بين خطاب الجامعة العلمي الأكاديمي من جهة وبين خطاب الثقافة وقيمها النقدية في الحياة العامة فاتحا بوابات الدرس الأكاديمي على الحياة بأوسع مصاريعها.
لقد كان الأستاذ الدكتور عناد غزوان رسمة جغرافية ممتدة واسعة ذلك أن كتاباته وقراءاته تبقى غنية التنوع والمحتوى.. وهي تستند إلى مرجعيات متعددة من خطابات علوم الجمال والنقد والتراث والألسنية ومفرداتها فضلا عمّا أضفاه من عمق على تجاريب الرسائل العلمية والأطاريح التي ناقشها… ولقد عادت هذه التعددية على البحث بأصالة ما ينهل من التراث حسناته ويقعّد للحداثة وجودها فمكنها من خلق كينونة حيوية بهويتها العراقية التي تضم جناحي ثقافتنا التراثية والحداثوية…
ولقد كان الأستاذ الدكتور عناد غزوان قبل ذلك وبعده بعمقه الثقافي المميز خير صديق لطلبة العلوم والمعارف، فهو بحق رجل موسوعي في زمن يندر حكماء الموسوعية المنتظرة التي شادت المحاور التأسيسية لزمن نهضتنا المتردد في خطوه بين واحدة إلى الأمام واثنتين إلى الوراء، أما غزوان فقد كان ثابت الخطو إلى أمام…
ونحن من زملاء وطلبة لهذا العالم الجليل نعرف أيَّ موسوعة نوعية غنية كان يختزنها وأيّ تجديد وتحديث وتطوير وإغناء جاءت بها دراساته وأبحاثه عبر أدوات تأمل خاص به واستقراء واستنباط كان محكوما عنده بذائقة نقدية مخصوصة متسامية.
وهذا ما يؤكد أنَّ أثر الراحل عناد غزوان لن يندثر أو يمَّحي لأنَّه يبقى في اثنين هما منجزه وطلبته وهما خير رسالة يمكنها أن تعطي وتمضي بسفينة الإبداع مثلما رسم لها روح حيوي متشبث بسمات إنسانية روعة في السكينة والهدوء والمرح وهي سمات وأجواء لازمة للعقل ونتاجه وحركته دع عنك أن نستذكر تنوعات انتاج الراحل تربويا و نقديا وفي مجال الترجمات وغيرها.
ولكن أستاذنا، مثلما الرحيل المأساوي وجوديا، يمضي ليتركنا ومنجزه نتعاطى مع تلك الأريحية وذياك الروح الجميل النقي نستذكر لحظات محاضراته في الفصول الدراسية وفي أروقة الحياة الثقافية فيما لقائنا الأبقى في اسمه المحفور عميقا ليس على جدران الجامعة العراقية وقاعاتها ومكتباتها بل هناك في قلوب مجايليه وتلامذته الذين يرتقون بما أغناهم وأعطاهم، سلالم أخرى لبناء عراق مختلف.. هو عراق عناد غزوان باسما ضاحكا مقهقها مجلجلا بصوته الإنساني الدافئ حيث رايات السلم والحداثة والمنطق العقلي السومري المنقول بموسوعاته التي تركها فينا..
ومما ليس في الوصف لمآثر وذكريات لا تنسى، أقول إنَّ الجامعة العراقية مدينة أن تخلد الراحل في مسمياتها وفي بحوث تظهر في بعض اعتراف بجميل ورد له فراحلنا الأبدي باق ولكن دينا يُعنى بتخليد مثله لا يكون إلا توكيدا لنجاح منطق مسيرة الرافدينيين مسيرة العلم وأهله ونوره وشموسه وهو ما ينتظر منّا ولو بعض وفاء بحقه..
إلى روحك أيها الأستاذ العالم الجليل وإلى ثراك واسمك تبجيل العراقيين ورايات ترفرف بعلمك وفكرك وعطائك ولك البقاء بما منحت من خير العلوم والمعارف والأخلاق وستبقى شمسا وستبقى النخلة العراقية أبدية العطاء ثمارا جنية ومحبة الذكر الطيب الباقي لك…