الثابت والمتغير في العملية السياسية والأوضاع الحكومية
تختلط أوراق قراءة الوضع في العراق في ضوء حالة الضبابية الناجمة عن غبار الميدان المستعر وعن الكم الهائل من التداخلات السلبية فضلا عن عملية التضليل والخداع وهذا يجري بمرافقة مع ظروف وجود القوات الأجنبية ومع حالة التقية وحجم الأسرار الناجم عن انعدام الثقة بين التيارات العاملة…
طيب، في مثل هذه الحال أجد أنَّ المطلوب من القوى الواعية المتنورة أن تكون واضحة مباشرة في خطابها وفي استخداماتها للمصطلح عامة والسياسي منه بخاصة.. وأنْ تكون تلك القوى إضاءة جدية وفعلية في الميدان العملي تساعد بها جمهورا واسعا ليس غيره ضحية للإرهاب من جهة وللمعطيات السياسية وتفاصيل مجرياتها من جهة أخرى..
لاحظوا معي أن بيانات بعض القوى السياسية احتوت على مغالطة في التعاطي مع المصطلح والمشكلة ليست لغوية وإلا لكنّا أهملناها تماما.. ولكن المشكلة في النتائج المترتبة على طبيعة أخذ المصطلح بمعنى بعينه.. فقوة سياسية تتخذ موقفا بالبقاء في حكومة المالكي لأنها ترى ذلك بقاء في العملية السياسية ومحافظة عليها! وهو أمر ينطوي على مغالطة…
فالعملية السياسية شيء والحكومة وإجراءاتها شيء آخر.. ومن يريد المحافظة على العملية السياسية وتطويرها ليس ملزما بالقبول بإجراءات المالكي تحديدا والطرف المهيمن على خطط الحكومة ومجريات قراراتها وإجراءاتها. مع أنه من حق كل طرف أن يتخذ الموقف الذي يراه على وفق برامجه وفي ضوء ذلك يتخذ الشعب موقفه من تلك القوة ومصداقيتها وصواب قراراتها وبرامجها…
عليه، أبدأ مداخلتي اليوم بالقول: إنَّ العملية السياسية تظل الثابت الأساس في الوضع العراقي.. وهي القاسم المشتركلأغلب العراقيين وتياراتهم السياسية سواء منها ذات الجذور التاريخية والخبرات العريقة أم وليدة عراق اليوم وإفرازات العملية السياسية وتعقيداتها.. على النقيض من أغلب القوى التدميرية التي اتخذت طريق العنف المسلح أو بمصطلح آخر [الإرهاب] وسيلتها لمآربها.. وأقول أغلب لأستثني فئة صغيرة حجما تقع أولوياتها خارج العملية السياسية السلمية أو في إطار التضاغطات العنفية الخاطئة من أصلها في التعاطي مع القضية العراقية مع أنها تتوهم كونها مقاومة وطنية…
والعملية السياسية تتضمن الآتي:
- أولوية تشكيل مؤسسات الدولة ممثلة في وزارة مهام طارئة تتلخص في: ضبط الأمن وتصفية مخلفات الأمس المرضية والشروع بإعداد أرضية انطلاق مشروعات إعادة الإعمار…[والسؤال هنا: كم هي المدة التي يجب على الشعب الجريح انتظارها لتستطيع حكومة المالكي أو الحكومة المنتخبة أو أي مسمى كما في الوحدة الوطنية – أي وحدة وأربع فئات خارجها- أن تضبط الأمور؟ وكم هو الوقت المطلوب لجاهزية قوى الأمن؟ وكم هو المطلوب لتحرير الشارع من سلطة الخارجين على القانون من غير الإرهابيين أزلام الماضي أقصد للانتهاء من المافيا والقوى المسلحة من خارج سلطة الدولة (الميليشيا)…؟] وأي وزارة يمكنها أداء هذه المهام؟
- توطيد سلطة القانون والقضاء وتنقية دستور دائم مستفتى عليه فضلا عن التوافق بشأنه… [السؤال: هل توجد محكمة اتحادية دستورية؟ هل يوجد اتفاق بشأن مجلس القضاء الأعلى؟ هل يجري التعاطي مع القانون في ضوء عراق ديموقراطي فديرالي جديد أم ما زالت قوانين الأمس لم يُلغَ كثير مما كان معادِ ِ لفئات الشعب العريضة كما في مثال قانون الموظفين وإلغاء وجود العمال ومن ثمَّ نقاباتهم؟!! أذكِّر بالموقف من إضرابات عمال النفط بموقف الوزير وقوله إنهم نقابات غير مشروعة مستندا إلى قانون سابق مشبوه وموقف رئيس الوزراء الذي لم يستطع تحريك القوات لوقف الإرهاب ولكنه يستطيع توجيهها إلى العمال المضربين كما حكومة جميل المدفعي أيام انتفاضة الخمسينات]
- استكمال بنية المؤسسة التشريعية في برلمان وطني يتكون من الجمعية الوطنية والبرلمان الاتحادي لمجالس القوميات إلى جانب مجلس إقليم كوردستان.. ومعنى استكمال يصب في الكشف عن شلل البرلمان عن أداء مهامه لأسباب عديدة منها طبيعته من جهة نظامه الداخلي وتركيبته الناقصة نقص الشطر الخاص بالبرلمان الاتحادي ومستوى الأعضاء في كثير من الأحيان ومرجعياتهم الشخصية من جهة إقامتهم الدائمة حقيقة فضلا عن صلاحيات المجلس المحددة المحدودة والمصادر أو المجمد بعضها على محدوديتها تلك..
- مجلس الأمن الوطني الطبيعة ونوع الفعل أو السلطة ومستوى الحضور فيه وهو المجلس الذي يقود فعليا الأمور عندما تتعلق بالعلاقات الوطنية بين مختلف التيارات والكتل ولكنه هو الآخر بعيد عن السلطة لأن دفتها بيد طرف محدد معروف…
- التعاطي مع القوات الأجنبية ومع الاختراقات الأجنبية ومع الأصابع الأجنبية المباشرة وغير المباشرة عبر قواها الخاصة وعبر منفذي سياساتها في العراق… والسؤال ينصب على الأخطر تهديدا للوجود الوطني العراقي.. هل منطق العسكرتارية الغربية (أمريكا) أخطر أم منطق الوجود الإقليمي بفلسفته وسياساته (إيران) مع ملاحظة التغييرات الديموغرافية التي تجاوزت الملايين والقوى المسلحة التي تجاوزت الربع مليون ومخططات الابتلاع التي تجاوزت مراحلها الوسيطة…….
العملية السياسية إذن، ليست مجرد مؤسسة حكومية بأي مستوى كان منها ومن ثمَّ لا تعني الحكومة ووزاراتها والمشاركة فيها أم لا. وبالمناسبة يمكن أن تمضي العملية السياسية بحكومة وحدة وطنية وهو أفضل الحلول ويمكن أن تمضي بالحكومة التي قامت وهي من الحلول العرجاء في ضوء مرضية سياسة المحاصصة وثغراتها ويمكن للعملية السياسية أن تمضي بحكومة تحالف ثلاثي أو ثنائي أو حتى بحكومة الأغلبية الانتخابية. عليه لا يمكننا قبول الخلط بين ثابت العملية السياسية والالتزام بهذا الثابت أساسا وطنيا وبين الموقف من الحكومة مشاركة فيها أم خروجا منها وعليها…
هذا في المعطى الأول أي بالإشارة إلى العلاقة بين المشاركة في العملية السياسية والمشاركة في الحكومة من عدمها… إذ الحكومة جزئية من مسار تلك العملية الشاملة. وليس بالضرورة من يخرج من الحكومة يقف بالضد من العملية السياسية أو يعرقلها.. كما ليس بالضرورة أن من يشارك في الحكومة يعني أنه يدعم العملية السياسية… ففي الأولى يمكن أن يجد طرف خارج الحكومة فرصا أفضل للتعبير عن إشكاليات بعينها بطريقة تكون ضاغط على أداء الحكومة لدفعها نحو أفضليات لصالح العملية السياسية ودمقرطة الحياة… وفي الثانية قد يكون أداء الطرف المتفرد بالقرار معرقلا للعملية السياسية ومثبطا لمسيرتها…
في ضوء ذلك ما الثابت في العملية السياسية؟ وما المتغير؟ لنبدأ للإجابة من المتغير ونقول: إنَّ المتغير يكمن فيالأدوات العاملة على مستوى التنفيذ سواء في السلطة التنفيذية الحكومة ووزرائها أم في أي سلطة أخرى كالقضائية والتشريعية. ومعروف أنه في أية دولة في العالم يجري تغيير وزير أو أكثر أو الحكومة عند الفشل في أداء المهمة أو الإخفاق في معالجة أزمة وهو أمر طبيعي أو عادي.. لكن نظام الدولة لا يجري تغييره بتلك السهولة ولا يتم إلا يمرجعية شعبية واسعة الدور في التعاطي مع التغييرات الهيكلية الكبرى في الدستور وفي التشريعي كما في الاستفتاءات والانتخابات وبشروط نسب تمثيلية تتجاوز الثلثين لإقرار إشكالية وطنية كبرى..
المتغير لدينا في العملية السياسية ينبغي ألا يشذ عن مجريات العمليات السياسية في أيّ بلد في العالم يُحترم فيه الإنسان وحقوقه ومصالحه… المتغير يكمن في القائم على المسؤولية وليس في المسؤولية ذاتها.. أي في المنصب وإلا حوّلنا المنصب أو الحكومة إلى عقدة المنشار التي توقف العملية وتفجرها بدلا من أن تحلها… وطبعا يتغير مع المسؤول برنامجه الذي أخفق بعد حالات تكرار تكليفه وإخفاقه أو تعقد الأزمة حد الاختناق والطريق المسدود..
وفي حالتنا العراقية و (على مستوى المتغير) على السلطة أو القيادة التي تدير العملية السياسية أن تصل بأسرع وقت إلى حلول مناسبة في تكليف طرف أو أطراف بالمسؤولية مجددا ومراقبة التنفيذ مجددا للانتقال إلى مرحلة الفعل المفيد ذي الجدوى أو التغيير في المستوى التنفيذي كاملا وحتى في المستوى التشريعي عندما تبدو أفق قيادة الكتل الموجودة غير مفتوحة حيث يلزم العودة للخيار الشعبي بالخصوص في الحال العادية الطبيعية…
ومرة أخرى في حالتنا نحتاج إلى خارطة طريق جدية وبرنامج وطني موحد يقوم على أساس دمقرطة الحياة وهو الأمر الذي يتعارض مع سلطة القوى المسلحة في الشارع السياسي والاجتماعي وعلى سلطة القوى المتنفذة في مجال التحكم بالمجتمع ومساراته.. كما يجري فسح المجال واسعا أمام أصحاب الفتاوى التكفيرية والفتاوى التي تتعرض لنصف المجتمع فتعطله ولأقسام أساس من مكونات مجتمعنا كما في المجموعات القومية والدينية التي تتعرض بكل وحشية للإرهاب مرتين مرة لعراقيتها ومرة لخصوصيتها القومية أو الدينية أو المذهبية…
أما الثوابت في العملية السياسية فتكمن في الالتزام المبدئي بمسيرتها وبتطويرها وبمنع أية محاولة لعرقلتها عبر العمل الحثيث على تجاوز العقبات التي تعترض حال تشكيل مؤسسات الدولة بمكافحة الفساد على مختلف المستويات ومنه التمسك بكرسي الحكم على الرغم من الفشل. وتطهير إدارات الدولة والعمل بأولوية سلطة القانون ومحاسبة حالات اختراق القانون بتطوير العمل المؤسساتي ومنع الفردنة والمحسوبية وإلغاء نظام المحاصصة والتحول الفوري إلى العمل على أساس تفعيل دور التخصص والتكنوقراط في الأداء المؤسساتي… ونلخص وسائل دعم ثوابت العملية السياسية في:
- معالجة الثغرات الدستورية من جهة تطبيق المتوافق عليه وطنيا وتخليص الدستور من تلك المواد والفقرات التي ظلت إشارة لتناقضات ولحالة التجاذبات والتوازنات لحظة سنه وتشريعه…
- تطبيق خارطة طريق حل الميليشيات المسلحة ومركزة السلطة والسلاح بيد مؤسسة الدولة الوطنية لوحدها… مع معالجة إشكالات الثقة والخصوصية لكل حالة… لا تشكيك هنا في التاريخ الوطني المشرف لكل قوة ميليشياوية ولكن الإيمان بالعملية السياسية لأمر والإبقاء على الميليشيا أمر نقيض…
- تطهير مؤسسات الدولة بكل مستوياتها
- معالجة النقص في تشكيلات المؤسستين القضائية والتشريعية وانتخاب برلمان اتحادي للمجموعات والأطياف العراقية القومية وهي العربية والكوردية فالكلدانية الاشورية السريانية والتركمانية والصابئية والأرمنية والأيزيدية واليهودية على أن يمثل هذا التشكيل جناح من أجنحة البرلمان الوطني العراقي إذ جناحه الأول ممثل بالانتخاب المباشر على أساس التمثيل الوطني العام…
- تفعيل القيادة السياسية ممثلة بمجلس الأمن الوطني ومنحه الصلاحيات الوافية لأداء دوره في جماعية العمل المشترك..
- العمل بخطة محكمة للتخلص من الاختراقات الإقليمية والدولية بمختلف المستويات الرسمية والشعبية..
- العمل على وضع خارطة طريق بين بناء مؤسسة أمنية عسكرية وخروج للقوات الأجنبية على وفق أجندة وطنية عراقية ..
- استخدام إعلام وطني مناسب وتوسيع دائرة المشاركة من قبل مؤسسات المجتمع المدني…
تلكم هي معادلة ليست معقدة لفك طلاسم المجهول سياسيا عبر التضليل والخداع والتشويش فيما أمر المداخلات الجارية على المستوى الحكومي لا تعكس سوى القشرة أو الصورة الطافية لما يجري خلف الكواليس ولما يمضي تحت السطح من تيار تصفية العراق أو تصفية الحساب مع العراقيين…
أما ثوابتهم التي يجب أن يتمسكوا فيها
فهي هوية عراقية وطنية بتعدديتها [حكاية إدخال هويات عروبية وفارسية…]
وحدة وطنية عراقية [حكاية استغلال مشروعات ومبادئ صحيحة لمستهدفات خاطئة كما في فدرلة الجنوب والوسط]
حقوق الإنسان العراقي وفي الأولويات حقوق المرأة [حكاية المرأة]
حقوق المجموعات القومية والدينية مخصوصة مستقلة [حكاية القوميات]
الثروة الوطنية الاستراتيجية [حكاية قانون النفط]
والبقية تأتي مع أسئلتكم وتداخلاتكم شاكرا لكم لطف الاستماع والتفاعل
- أسئلة بشأن موقف القوائم الصدرية والوفاقية والعراقية بخصوص العمل الحكومي..
- الحكومة لا تعمل بتفرد رئاستها والكتلة الأبرز بل تعمل بفضل سلطة شخوص وأساليب مثل بولاني والسيدة الحديدية ومثل الأوامر التي تأتي باسم السيد أو تمرر بقوة الميليشيا ومثل هذا هو ما ينبغي أن يكون له الحل في الأفق لمعالجة أزمة الثقة وأزمة اختلاف البرامج والمعالجات وأزمة توازن المحاصصات بمختلفها من المحاصصة بالمسؤوليات والوظائف إلى المحاصصة بالثروات