مصطلحات تنحتها أقلام الهجمة الصفراء على وطن الخضرة والنماء وسرعان ما تتداولها أقلام مبتدئة أو نصف متعلمة لتشكّل البوق الرسمي للجهات المعنية بإثارة الطائفية وأمراضها في عراق اليوم وما يُرسم لغده. المصطلحات مفردة في منهج قولبة الناس ووضعهم في أسرى عقلية محددة بذهنية طائفية مريضة.. مستغلة العواطف والانفعالات والمظالم لتمضي هي في الاتجاه الذي تريد..
كيف تتحكم القوى الطائفية بالشارع؟ طبعا لديها منافذ عديدة أولها السلاح والميليشيا الحزبية التي ترهب الشارع وتتصدى لتسييره كما تشاء، وعبر إرهاب الناس بجيوش العصابات الميليشياوية تخلق الانصياع لأوامر الزعامات الطائفية المتسيِّدة. ولكن المنفذ الآخر لا يكمن في العنف بل في إعلام مخصوص ينثر الغشاوات وأساليب الغش والاختفاء والتضليل بما يعزز من وجود أوسع جمهور حول هذه الزعامة الطائفية أو تلك…
ومن الطبيعي سيكون خطاب إعلام الطائفية مستندا لتصورات استغلالية تضليلية من نمط:
- خلط الأوراق بما يجعل أيّ فضح أو تعرية للزعامة الطائفية ولمخططاتها المضرة بمسيرة الناس والوطن هو هجوم على أبناء الطائفة. فترى إعلام الزعامات الحزبية الطائفية يردد باستمرار أن فلانا ثابت في مهاجمته الطائفة الفلانية والحقيقة ليست إلا مهاجمة فلان هذا للزعامة التي تدعي الحرص على مصالح تلك الطائفة وخدم تلك الزعامات وخطابهم يؤكد ويكرر زعمه بكون زيد ضد الشيعة أو عمرو ضد السنة؟! وطبعا تقوم هذه القراءة على تصوير مهاجمة الفرد الزعيم أو القيادة لحزب أو تيار تعني مهاجمة جمهور ذلك التيار بل أبناء الطائفة المعنية.. فالرد على زعامة سنية يعني مهاجمة السنة كافة؛ والرد على زعامة المجلس الشيعي أو برلمانه [حيث صار أفراد يتصدرون المشهد عبر لعبة برلمان أو مجلس مضاف إليه مصطلح شيعي!!!] أو انتقاد قيادة تيار الحكيمي أو الصدري على وفق تصوير هذا الخطاب يعني مهاجمة الشيعة كافة.. وهذا أمر غير صحيح بالمرة إلا عند خطاب الطائفيين وأمراض مناهجهم الموبوءة… إذ لا يمكن أن نلخص الناس ورؤاهم ونختزلهم في رأي فرد أو مجموعة أفراد؛ فحصانة الرأي ديموقراطيته أي استناده إلى أصوات عامة الناس وإشراك أبعد وأبسط عضو في الفئة أو الطبقة أو المجموعة الدينية أو القومية. ولا يعوّض رأي الفرد عن رأي الجماعة ومن حق كل فرد في المجموعة أن يبدي تصوره وأن يُحترم تعبيره عن رأيه وأن ينتقد من جرى تكليفه بمهمة الزعامة من دون أن يُستلب حقوقه..
- الإرهاب الفكري والنفسي بتخوين كل من يتجرأ على إعلاء صوت النقد بمنطق الديموقراطية وآالياتها.. أو تكفيره إن كان من فئة أو مجموعة دينية أو قومية أخرى… وهكذا يستخدم الطائفي مصطلح التكفير أو مصطلح التخوين والعمالة ليكون سلاحا ماضيا خطيرا في منع أي فرد تسوّل له نفسه بالنقد الموضوعي! وبدلا من أن يكون مصطلح عميل خائن بالنسبة إلى الموقف من الوطن والناس يصبح المصطلح مستعملا بالنسبة للموقف من الزعيم أو القيادة الطائفية المريضة.. وتلتبس الأمور بالتأسيس على المبدأ السابق بخلط ورقة زعيم شيعي يعني الشيعة كلهم أو زعيم سني يختزل السنة كلهم؟!!
- العيش على مصطلحات مصنعة من نمط أنَّ إطلاق مصطلح شيعي يرافقه صفوي فارسي وأنَّ إطلاق مصطلح سني يرافقه تكفيري إرهابي أو يرافقه صدامي من زمن حكم (الأقلية) السنية وبهذا يجري تمرير أمور عديدة خطيرة تحت هذه الاستخدامات الاصطلاحية في خطاب مرضى الطائفية ومناهجهم إذ مظلومية الشيعة برقبة السنّة كافة بلا استثناء وأن حكم الطاغية الدكتاتور هو حكم الأقلية السنّية! وأننا لابد أن ننقسم على وفق هذا التفكير الطائفي بين طوائف عنصرية نقية الدم والنسب وعلى نسبة الـ 35% من العوائل العراقية التي تتركب من طرفي الشيعي والسني أن تنشطر ويجري تطليق الأزواج وتصفية الأبناء من تلك العوائل المزدوجة الانتماء المذهبي.. أما نسبة 30% الثانية من العراقيين التي تنتسب إلى أسر أو عشائر مختلطة فيجري تقسيمها على الأرض ومنع لقائها وهكذا يفرضون قسرا أن يكون ثلثا الشعب العراقي بأمرة الفكر الطائفي التقسيمي المريض!!
- الحديث عن آل البيت يجري وكأنه أمر محكوم بالمذهب الشيعي ومحبة آل البيت محصورة بهذا المذهب! كما أن السيد أو نسب الأشراف لا يكون عند الفكر الطائفي إلا شيعيا والمرجع يعني المرجع الشيعي فقط، والفكرة ليست من باب حصر الخمس وغيره ولكن باب تعميق اللغة الطائفية ذاتها، وكل هذا خطل لا يقبله الدين الواحد ولا يقبله اجتهاد مذهبي صحيح.. ولم يدخل في أصل التفكير الديني إلا من بوابة السياسة ودهاقنتها المرضى بالفكر الطائفي الموبوء… وسواء كان السيد المتحكم بالأمور شيعيا أم سنيا وسواء انطلق الخطاب من عقدة التكفير [السنية كما يجري حصرها خطأ] أم من عقدة المظلومية [الشيعية كما يجري حصرها خطأ] فإن هذه الإشكالية في جوهرها لا تفيد إلا الطائفيين [من أية ملة خرجوا وعلى أية ملة حسبوا أنفسهم زورا وبهتانا] ذلك أنهم بهذا الخطاب يحاولون إشغال الناس عن معضلاتهم بالتفكير في شؤون ليست من مشاغل الفكر الإنساني ولا تدخل في مجالات معالجة هموم الناس كما هو شأن من يكون السيد وما نسبه وكيف تتم خدمته ويؤدى له واجب الخمس وغيره……….
- ثم ما ذنب امرئ على وفق هذا الفكر التقسيمي الطبقي أن يكون من العامة لا من السادة.. فيجري الحجر على مكانته وهو العالم التقي الذي تشهد له الناس بالحكمة والأدب أمام السيد الذي يصادر العوام ويحكمهم أكان عقلا يدعي الرشاد والسداد أم مراهقا زعرا مريض النوايا والأفكار وكل ما يؤهل هذا السيد للحكم والأمر والنهي هو نسبه البعيد لما قبل 1400 عام وربما لا يدري طرف إذا كان أمر نسبه صحيحا أم لا وربما لا يدري إذا كان مريضا عقليا أو نفسيا وربما لايدري محيطه أهو تقي ورع أم فاسق ماجن!! لكن المشكلة أن نستخف بعالم جليل لأنه من العامة وأن نسمو بمراهق مريض لأنه يزعم النسب الشريف حتى لو صدق فيه وأيقنا من اختلاله العقلي فكما ترون المشكلة في مصطلح صار يسودنا ويسوسنا اليوم عبر عبارة هذا [بأمر السيد]……………..
إنني أدعو الكتاب الموضوعيين والعلمانيين الذين يحترمون العقل وآفاق بصيرته وآليات عمله ومنطق حكمه أن ينهضوا برصد المقالات السائدة اليوم ويخرجوا لنا بإحصاء العبارات والمصطلحات الطائفية التي ينبغي ضبطها متلبسة بجريمتها ومحاكمتها ومن يقف وراءها أمام العقل الشعبي السديد لنسمو بنور العقل الإنساني الرشيد… وذلك بعض العلاج ومنطلقه الأول.