ينبغي بدءا التوكيد على أهمية توثيق الدراسات التي تخصصت بهذه القضية سواء منها الدراسات القديمة أم الجديدة وتعميدهما بالروح الأكاديمي والإنساني لأهمية تسجيل وصف دقيق للجريمة حتى لا تُنسى الأهوال والفظائع التي اُرتُكِبت بحق عشرات ألوف الأبرياء في سلسلة جرائم كارثية ما زالت آثارها ونتائجها التخريبية المدمرة شاخصة تتنامى في الأنفس جروحا غائرة وأعين بشرية تتطلع لوقف تلك الامتدادات بوضع توصيف حقيقي على هوله وتقديمه نهائيا في إطار محاكمة إنسانية أمام مجموع الشعوب تنتهي بأحكام تمثل جزءا من إنصاف الضحايا الذين لن يستطيع أحد أن يعيدهم للحياة ليحظوا بشيء من هذا القرار المؤمل ولكن من أجل أهاليهم ومن أجل ألا تتكرر الجريمة لابد من السير حتى منتهى العدل بكل ما أوتي من مفردات الحق والإنصاف…
إنَّ العودة المرة تلو الأخرى لهذه الجريمة بخاصة في ظل مجريات الأوضاع الجارية اليوم تنطوي على أهمية خطيرة تستدعي وقوفنا جميعا عند حجم تلك الجرائم الكارثية في فتحها جراحا لا تشفى بتقادم الأيام والوقائع بل بمعالجة حقة وبموقف شجاع ومسؤول.. وإنّي لأرى بضع أصوات تتململ اليوم من الحديث عن جرائم الأمس القريب بسبب من طبيعة الظروف القائمة وهول ما يجري ميدانيا اليوم وتركيز تلك الأصوات على واقع متهالك في أجواء صراعات دموية تبتلع اليوم ومرة أخرى في هولوكوست جديد وجبات جديدة من أبناء الوطن…
والحق أنَّنا نقول ردّا على هذا التململ: إنَّ ترك جرائم ما زالت آثارها قائمة من دون موقف شجاع، سيعقـِّد من النتائج الكارثية ويضع العصي في طريق وحدة مسيرة الشعب العراقي بأطيافه المتنوعة ولا مناص من القول أيضا: إنَّ كل محاولة لغض النظر أو إهمال تناول تلك الجرائم وإغفالها أو تأجيل معالجتها سيواصل في جوهره من مسار إمعان الجريمة في طعن الضحايا والجيل التالي الذي ما زال يئن من وطأة النتائج المرضية الخطيرة…
والحق أنَّنا حتى في هذي الظروف المعقدة ينبغي ألا نترك لضغوط المجرمين وجرائمهم علينا لكي يُنسونا مهامَنا في تحديد كل جريمة ووضعها في توصيفها الذي يلزم له العقوبة الصارمة الحازمة لمرتكبيها والمعالجة المنتظرة لأبناء الضحايا…
ومن دون ذلك لن نسطيع أن نهنأ بعيش إنساني كريم ولا في تجنيب أنفسنا المشاركة في ارتكاب جرائم بحق الآخر وبحق أنفسنا بمساعدة المجرم على الإفلات [بقصد من أطراف بعينها ومن دون قصد من أطراف أخرى] عبر حالة تمييع حقيقة هول الجرائم سواء عبر التأجيل أم عبر الإغفال والإهمال متصورين أننا ننشغل بجريمة حية تجري اليوم..
وتوكيدا فإنَّ جرائم اليوم لا تجري إلا لأننا لم ننتهِ من التحقيق في جرائم الأمس البعيد والقريب.. ولم نحسم معالجة وافية لها؛ ولحظة معالجة تلك الجرائم وإزالة نتائجها واتخاذ القرارات الصائبة سننتهي من أية جريمة وسنوقف مسلسلاتها المتصلة لأننا سنعلي لحظتها من سلطة العدل وحقوق الإنسان..
وبعدُ
فإنني أضعُ بين أيديكم هذا التوصيف الموجز لجرائم الأنفال بغية الانتقال للتعرف إلى عواقبها وعواقب إغفالها والوصول إلى معالجة صائبة لها ولتوابعها وذيولها
ففي نهاية القرن المنصرم جرت تحولات مهمة في التاريخ البشري وفي الوقت الذي تقدمت البشرية نحو إعلاء شأن قيم الحرية والديموقراطية والسلام والانعتاق من ربقة عبودية النـُظـُم الفاشية وطغيان الدكتاتوريات بمختلف أشكالها، وفي الوقت ذاته كانت سنوات الجمر تغلي من أجل ظهور شعارات الحرية وحقوق الإنسان وفي ظلالها حقوق الشعوب والقوميات المتطلعة إلى الاستقلال والتخلص من زمن التبعية والانتهاء إلى الأبد من كل مظاهرإلغاء الشخصية والهوية إلى الحد الذي كان لا يُسمَح بالتعامل باللغة القومية أو ارتياد مناطق الآباء والأجداد.. في هذا الوقت كانت قوى الجريمة وعصابات الطغاة تضع إطاراتها لمناطق شاسعة بمسوَّرات أو خطوط حمر يُمنع الوصول إليها في الفكر والجغرافيا وفي كل شيء يمسّ حياة البشر وأقصد هنا تحديدا إقليم كوردستان العراق…
في مثل هذا الخضم كانت بداية النهاية لحرب بشعة طاولت شعبنا الكوردي في أرضه ووجوده القومي والإنساني. ونحن نعرف ما تعرض له الكورد منذ تجميد العمل باتفاقية سيفر\لوزان مطلع القرن الماضي والتحول عنها بسبب من التقسيم الدولي وكان من ذلك مواقف من نمط التضحية بشعوب وقوميات حدّ وقوع جرائم إبادة جماعية معروفة آنذاك…
كما نعرف ما جرى بُعيد انتهاء جمهورية مهاباد الكردية الأولى وتهجير عشرات الألوف من الكورد. فيما بقي الكورد تحت معاناة ما أفرزته عمليات تقسيمهم بين الدول الإقليمية الجديدة التي ظهرت بعد الحربين الكونيتين الأولى والثانية.
وعلى الرغم من التحسن النسبي في كوردستان العراق بظل ثورة الرابع عشر من تموز 1958 إلا أنَّ الأمور لم تدم طويلا بخاصة في ظل متغيرات السلطة العراقية لاحقا ومجئ البعث الفاشي الدموي إلى السلطة ثانية.. فقد كشَّر عن أنيابه بطرق ملتوية واستغل عمليات التحالفات التكتيكية المراوغة المضلـِّلة التي أرادتها القوى الوطنية طريقا سلميا جديدا لتجنيب العراق حمامات الدم ولكنَّ النيات الحسنة لم تكن [ولن تكونَ] كافية لوقف مطامع القوى الفاشية العنصرية ودمويتها الشرسة المتجذرة في قلب مبادئها المعادية لكل مصالح الشعوب والقوميات ولحقوق الإنسان ومطامحه في الحياة الكريمة…
لقد خيضت الحرب ضد شعبنا الكوردي منذ إعلان آذار نفسه الذي كان انتصارا لنضالات القوى الوطنية العراقية ولكنَّه في الوقت ذاته تمَّ استغلاله ليكون غطاءَ َ لحرب الإبادة القذرة بذرائع مطاردة أعداء السلام والاستقرار والقانون وهو قانون العصابات الإجرامية وليس قانون دولة الشعب ومصالحه. وهكذا ففي الوقت الذي حققت نضالات الكورد والقوى الوطنية العراقية انتصار آذار كانت قوى القمع الفاشية تصادر الحقوق وتقطع الطريق على أيّ فرصة تستجيب فيها لحقوق الإنسان ولحقوق الكورد قومية رئيسة في الدولة العراقية كما هو معتمد دستوريا منذ تشكيلها…
وعندما كشف نظام الطاغية الدكتاتوري عن آخر أوراقه بُعيد زمن قصير؛ أعلن حربا سافرة على أبناء شعبنا الكوردي وبدأها في وقت مبكر من وجوده متحكما برقاب العراقيين جميعا، فأقصي مئات ألوف الكورد عن قراهم وتلك جريمة بحق شعب يحمل هويته القومية المقرّة؛ ففي سنة 1975 تمَّ ترحيل 50 ألف كوردي إلى الديوانية والناصرية حسب مصادر رسمية وهو رقم أقل بكثير من الحقيقة (راجع التايمز في نوفمبر 1975) وتمَّ توسيع الحزام [الصحي!] كما يسمونه من خمسة كيلومترات إلى عشرة ثم خمسة عشر وإلى ثلاثين كيلومترا فيما بعد بمعنى مزيد من تدمير القرى ومحوها من الخريطة وبالتأكيد بمزيد من الترحيلات والإبادة البشرية وتقطيع أوصال كردستان التاريخية المقسَّمة بين دول المنطقة.
هنا أود ذكر الـ (500) قرية التي طاولتها بدايات الحملة العرقية التطهيرية هذه ما أثَّر على السليمانية ومَنْ نزح إليها آنذاك. وفي مواصلة لتزعات مصادرة الحقوق البشرية والقومية وفي شهرين فقط من سنة 1978 تمَّ إبعاد 28 ألف عائلة أي حوالي 200ألف نسمة من القرى الحدودية حسب جريدة الجمهورية العراقية وجاءت ما سُميّت اللجنة العليا لشؤون الشمال بقيادة الطاغية صدام نفسه السنة 1979 وهي اللجنة التي أعادت مُرحـَّلـِي سنة 75 إلى مناطق قوشتةبة جنوب أربيل وبـَحـْرْكةBahrka شمالي هولير وديانا وحرير ولكن المأساة ستأتي بعد ذلك عندما يتم اعتقال آلاف من رجال المنطقة وصبيانها وشيوخها ونقلهم إلى جهة لم يُكتشَف أثرهم جديا حتى يومنا ولكن التقارير والوثائق تشير إلى إعدامات بالجملة وأقوال الطاغية نفسه تشير إلى جريمة التصفية بحق البارزانيين وغيرهم من الكورد ونجد شهادة لعبدالستار شريف بأنّه تم إعدام هؤلاء في وادي عرعر المعروف نقلا عن أقوال سبعاوي.. ومن المؤكد فإن المقابر المكتشفة وأطنان الوثائق تشير لجريمة مصادرة حياة عشرات ألوف البشر من الأطفال والنساء والشيوخ بما لايمكن تبريره الذرائعي الوسخ بأنه أدخل في مسار الحرب!؟
[هناك وثائق حكومية بأرقام 998 ـ 1037 تشير لجريمة تصفية بعض هؤلاء]
ومنذ آذار 1987 وحسب المرسوم 160 من مجلس قيادة الفاشست يبدأ علي كيمياوي حملته الإجرامية وتحت أمرته مكتب الشمال أو تنظيم الشمال والفيلقان الأول والخامس والقوات الخاصة وقوات الطوارئ والجحوش.. وفي أيام معدودة جرى:
- حرق القرى التي بُنيَت بجهود أهلها طوال عشرات السنين وقد عملت البلدوزرات على تنفيذ الأوامر مع طائرات الهليكوبتر وتمَّ في مرحلة أولية من تلك الحملة الواسعة هدم حوالي (703) قرية منها 219 في أربيل و122 في كرميان و 320 في السليمانية وبادينان… وفي حزيران 1987 تمّ بأوامر علي كيمياوي شمول ألف قرية أخرى باسم القرى المحظورة التي يجري محوها من الخارطة…
- وتمَّ توزيع أبناء قره ته به في الرمادي.. وفي أيلول سبتمبر 1987 كان قرار حجز الذكور بين أعمار 12 ـ 50 حسب علي كيمياوي… ولنتصور معنى حجز آلاف من الأطفال والشيوخ، ومعطيات تفسيرها في القوانين الجنائية وقوانين حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية… إنَّ جريمة الحجز التعسفي التي جرت تتحمل وزرها سلطات النظام وأدواته من جهة المسؤولية وتترتب عليها نتائج قانونية في ضوء طبيعة الجريمة وآثارها النفسية والاجتماعية وما ينجم عن فظاعات الصدمات التي تمّ تعريض مجتمع بأكمله لها بلا ضمير وبلا حساب لأبسط حقوق البشر…
وبالمناسبة نقدم هنا قائمة لفظاعات صدمات من نوع آخر هي قائمة لبعض الضربات الكيمياوية التي تمت في إطار حملات الأنفال لكي نؤكد فيها على أنَّ مسألة الكيمياوي ليست التباسا أو جريمة من طرف غير معروف ولكنّها عملية اعتادت قوات الموت الصدامية على ممارستها مع أبناء شعبنا العراقي وبالذات مع شعبنا الكوردي كما توضح هذه الأرقام والمعلومات الموثقة:
15.04.1987 قصف [عدد من قرى تابعة للسليمانية]
16.04.1987 قصف جوي وادي بيلسان شيخ وسان حيث موت كل سكانها الـ 400 نسمة [قرى تابعة لأربيل]
ضد مواقع الثوار في خه جه له رووك تويرتك دوبرا قه يوان شاخه سور قوله بوشين أثناء ملحمة تحرير كردستان من جند الطاغية
17.04.1987 قصف جوي قزلر سنكر ميولاكه وهي تابعة للسليمانية
18 إلى 20 ابريل 1987 أطنان من القنابل على الثوار في مرتفعات خه جه له رزوك كويرنك دوبرا مريوان ماوه ت شاخه سور قوله بوسنين جبال بيره مه كرون السليمانية
20 أبريل قصف جوي مدفعي لقرى باليسان
21 أبريل مدينة قره داغ سليمانية أول أيار قصف جوي مدفعي زيوه دهوك
5 أيار قصف جوي مدفعي حوالي 100 مائة قنبلة نازنين كاموسه ك اسبينداره علياده وه رى سماقولي
23 أبريل ماله كان كوره شير نه ندوره + في أربيل
25 أيار قرى باليسان كاني بهرد وه رى
6 حزيران سفح جبل كيوه ره ش سليمانية
7 إلى 8 حزيران قرى باليسان سماقولي ته ره وان بني حرير
9 حزيران قرى باليسان
27 حزيران قرى زيوى
3 أيلول به رنه لو سليمانية وأربيل
25 شباط سليمانية أربيل منتصف آذار 1988 قمة القصف
21 – 22 آذار مناطق حدودية
14 أكتوبر 88 ريزان في السليمانية شيخ بزين في كركوك
عن مجلة الحقوقي العدد الثاني 2001
إنَّ جريمة الأنفال لا تقف عند حدود القتل والتصفية والإخفاء وما يُدعى قانونيا جرائم الإبادة الجماعية ولكنها فوق ذلك تضمنت لمن لم تطاولهم جريمة الإبادة أيضاجرائم ضد الإنسانية من جهة الحجز التعسفي الذي أشرنا إليه وتحقير السكان والتمييز العنصري وما تفاقم في ضوء تلك الجريمة من إرهاب وما كان يثيره من قلق وخوف وخلق الرقيب الداخلي وانقطاع عن العمل الجمعي لانعدام الثقة لأمور من مثل وجود الجحوش وغيرهم وهكذا فإن الاعتداء النفسي هو جزء خطير من تلك الجرائم التي شخصتها اتفاقية ضد التعذيب الدولية في موادها العاشرة والثالثة عشر في تشخيصها لأشكال تعريض المدنيين للتعذيب..
ولعل الإشارة هنا أيضا تسجل ما يثيره الإرعاب والإرهاب من شل للقدرات العقلية بما يُفقِد الشخصية هويتها ويجعلها خاضعة تابعة لإرادة نظام الاستبداد والقمع… والحقيقة هنا تكمن في مخاطر موالاة بعض النخب لما يسمونه العادل المستبد التي تجد بعض أصولها في فكر قوى متأسلمة تضليلية مثلها مثل استغلال النص الديني كما في مسمى الأنفال لحملة نقيضة للقيم السمحاء في الإسلام. وهذه الموالاة التي تجد من يتبعها في أرضيةِ شخصيةِ ِ تتقبل الصيغ اللاعقلانية والغيبية ومعارضة الحركات الليبرالية كونها إفساد للمجتمع حسب التشويه والتضليل الذي عشنا بعض فصوله ونعيش فصول أخرى منها مجددا اليوم…
إنَّ هذه الحقائق الخطيرة تدعو لمواصلة الحملة الوطنية والدولية من أجل فضح الجريمة الكارثية الكبرى ممثلة بعمليات الأنفلة؛ واتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعاقبة المسؤولين عنها بتفعيل المحكمة المختصة التي يشارك العراقيون بكل أطيافهم فيها كونها اُرتُكِبت بحقهم جميعا، مع ضرورة إدخال عنصر “محكمة جزاء دولية” لتحقيق الفعل المنتظر فالمحكمة الدولية المطلوبة تعود لكون الجريمة تقع تحت طائلة القانون الدولي بوصف الجريمة جرت ضد شعب سجلت المواثيق الدولية وجوده وهويته الخاصة به وإنْ لم يجرِِ منحه الاستقلال لأسباب تخص متغيرات الوضع الدولي…
وهي جريمة في إطار وطني محلي كونها طاولت قسما جوهريا أساسا من الشعب العراقي من جهة الضحايا وهي فوق ذلك خلقت متعلقات ونتائج إجرامية خطيرة في إطار العراق الموحّد لكل القوميات التي تعايشت في العراق ومن ذلك جرائم ضد الإنسانية وتشويه الشخصية الوطنية وطبيعة التعايش بين العراقيين فضلا عن التهديد باستخدام العقوبة ذاتها ما يدعو للخضوع المتصل المستمر للتهديد ووضع العراقي في قفص الخضوع للظلم والجريمة طوال زمن سلطة الجناة المجرمين..
أما ملخص قراءة الجرائم التي تندرج في إطار حملات الأنفال وينبغي العمل على إجراء المحاكمات المطلوبة بحقها وفضح تفاصيلها بوثائق رسمية يجب أن يجري توثيقها عراقيا ودوليا فيمكن ذكر الآتي منها:
- جرائم الإبادة الجماعية الجينوسايد وقد أسلفنا ذكر بعض فصولها في أوليات هذه القراءة. وتمّت تلك الجرائم بطرق منها استخدام الكيمياوي سلاح الإبادة الكتلوية الجماعية في سابقة تحصل لأول مرة في التاريخ أنْ استخدمت حكومة هذا السلاح ضد أبناء البلاد!
- جرائم التهجير القسري سواء منه الخارجي كما دفعت سلطة الطاغية الكورد إلى الهجرة إلى خارج البلاد في عدد من الحالات منها فصول معارك منتصف السبعينات، والهجرة القسرية الداخلية في جريمة التغيير الديموغرافي للمنطقة عندما أجبرت سكان القصبات والمدن والقرى في محافظات نينوى وكركوك وما سُمِّي لاحقا صلاح الدين أو تكريت وديالى وهي عمليات تعريب منطقة كوردية وإبعاد سكانها بالطريقة المعروفة، وما زالت توابع تلك الجرائم تجري اليوم بطريقة صراعات قد تودي تداعياتها لمشكلات خطيرة إن لم يجرِ معالجتها بحكمة وعدالة..
- جرائم ضد الإنسانية في أمور السحق النفسي والحرب ضد الهوية القومية للكورد وتغيير هويات كثير منهم إلى العربية وهي سياسة ثابتة للنظام العروبي البعثفاشي طاولت بقية العراقيين من الكلدان والآشوريين والتركمان وغيرهم.. وهذه في الحقيقة تندرج فيما يشخصه القانون الدولي جريمة إبادة الجنس البشري ومظاهرها في الإبادة الجسدية والإبادة البيولوجية من تعقيم الرجال وإجهاض النساء وحصل هذا بالخصوص مع الكورد ومنهم البارزانيين وهناك الإبادة الثقافية من اعتداء على الثقافة القومية وعلى الهوية المخصوصة وإسقاط الجنسية عن الذين لا يشاركون في إحصاءات النظام وهي جزئيا كانت تستهدف عملية محاصرة للثوار الكورد ومطاردتهم بل تغيير هويات آلاف منهم بالإكراه ولكنها بمعناها الأوسع والأشمل كانت محاولة لضبط الناس في محاجر حجز بل تطهيرا عرقيا بمعنى آخر.. وهكذا فقد وقعت الإبادة المادية بالقتل والاعتداء الجسماني وإعاقة التناسل أو حتى بطريقة بشعة رزلة أخرى كما في عمليات الاغتصاب الهمجية وتوابعها، كما يجري اليوم في دارفور وهو ما يلزم للمجتمع الدولي الالتفات إليه بدراسة مقارنة للجريمة بغية منع التكرار..والإبادة المعنوية كالاعتداء النفسي والإخضاع لظروف العيش المهينة والنقل لظروف معيشة مختلفة لغة وتقاليدا كما يمكن هنا الإشارة لجريمة بشعة تمثلت في بيع نسوة كورديات في سابقة الرقيق الأبيض في عصرنا بوصفها وصمة عار في جبين زمننا حتى يجري الانتهاء من المحاكمات العادلة التي تقدم شيئا من الإنصاف للضحايا إذ لن يعوض الضحايا ما سُرِق منهم…
فإذا انتهينا من بعض توصيف لصورة هول الجريمة فإننا يلزم أن نتوسع في المعالجة الخاصة بشؤون عواقب إغفال عملية الانتهاء من نتائج الجريمة وإهمالها:
هنا نتساءل عن جريمة بهذا الحجم .. ما عواقب إغفال أو إهمال التعاطي مع نتائجها؟ ما العواقب الناجمة عن الإهمال أو التقصير في متابعة فضح الجريمة من جهة ومتابعة العمل من أجل وضع الفصل الأخير لها؟ وهل انتهت الجريمة بزوال سلطة الفاعل الحقيقي؟ وبإعدام رأس تلك الجريمة؟
ينبغي القول بأنَّ بقاء الفاعلين الرئيسيين بعيدا عن العقوبة الصارمة المنتظرة وبعيدا عن تثبيت الوقائع والتعريف بمجرياتها الحقيقية وبعيدا عن الإجابة عن أسئلة ورثة الضحايا والاستجابة لمطالبهم الإنسانية في حقوقهم؛ يعني تواصل التقصير من جهتين الأولى من جهة الاقتصاص من المجرم والأخرى من جهة إعادة حقوق الضحايا الذين مازالوا ينظرون بعيون الثكالى والأرامل والأيتام والمنكوبين من أقرباء الضحايا من أبناء الشعبين الكوردي خاصة والعراقي من كل مكوناته عامة…
ولابد هنا من تصنيف عواقب مثل تلك الجرائم البشعة، العواقب التي تنجم عن إهمال متابعة قراءة الجريمة وإنصاف الضحايا:
- عواقب أخلاقية تربوية: وما تركته الجريمة من آثار نفسية حفرت عميقا في الأنفس بما يتعارض وحقوق الأبناء والزوجات وعند مجموع الشعب الكوردي.. وسيكون التأثير السلبي أكبر وأعمق إذا ما وجد هؤلاء قلة الاكتراث وعدم التعاطي مع حجم الكارثة الإنسانية التي حصلت بحق ذويهم والشعب الكوردي عامة.وعليه فإن المجتمعين العراقي والدولي ينبغي لهما أن يتوفرا على إجراءات تعيد الثقة وتزيل آثار التخريب الإجرامي عبر ممارسات مسؤولة بالخصوص…
- عواقب قانونية دستورية: فجريمة الأنفال هي مجموعة متنوعة من الجرائم من جرائم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم تعذيب وهي من ثمَّ ليست جريمة عادية بسيطة وهي جريمة لا تنتهي بالتقادم الزمني إذ ما زالت وستبقى آثارها ما لم تجرِ معالجتها معالجة جدية بمستوى خطورتها وحجمها الحقيقي.. بخاصة وأبطالها من المجرمين الساديين ما زالوا يحيون وبعضهم يحظى اليوم بحماية أطراف إقليمية أو عربية معروفة..
ولكننا هنا نركز على أنَّ العواقب الدستورية ستكمن في أنَّ إغفال الجريمة سيعني صعود نجم التعاطي مع المركزية بوصفها التعبير القانوني عن ادعاء بعضهم بالوحدة الوطنية ومن ثمَّ استلاب الكورد وغيرهم أيضا من حقوقهم القومية حيثما تمَّ التقليل من حجم الجريمة وجرى إغفالها أو إهمال قراءتها بطريقة صحيحة عادلة.. ويلزم هنا تطبيق بنود دستورية تمَّ تثبيتها وتحاول بعض العناصر والقوى التملص منها أو التلاعب بها بطريقة غير موضوعية كما هو الحال مع المادة 140 التي تتطلب دراسات أكاديمية وقراءات سياسية وقانونية متأنية تطبق جوهر مستهدفاتها…
- عواقب سياسية: حيث ستفضي حالة إهمال دراسة الجريمة وآثارها إلى تعاظم دور طروحات رفض الفديرالية ومن ثمَّ رفض الحقوق القومية العادلة للكورد.. بينما لن يضمن تلك الحقوق إلا العيش في ظلال اعتراف مسؤول بحق الكورد في الوجود القومي المخصوص بهويته عبر إجراءات سياسية محددة ومنتظرة اليوم قبل الغد.. وهي هنا أي العلاجات ينبغي أنْ تصبَّ في إزالة الحساسيات في العلاقات بين الأطراف جميعا بخاصة بين أطراف سياسية عربية وأخرى كوردية أي بين أقسام الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية الصادقة وتقديمها الصحيح عبر مواقفها المسؤولة من هذه الجريمة النكراء.. ويقع على الشخصيات العربية بالتحديد مسؤولية مضاعفة في هذا المجال لما لهذا الأمر من خصوصية التأثير…
- عواقب إنسانية : حيث الضحايا بلا تعويض فحتى ضحية الجريمة العادية يجري تعويضها ماديا ومعنويا ولكننا هنا بصدد جريمة كبرى مركبة جرت بحق مئات آلاف الضحايا وبحق شعب بأكمله فأين التعويضات الحقة المناسبة التي تسد جانبا من بقايا آثار الجريمة وهي لن تـَرُدَّ القتلى إلى حيواتهم ولكنها معنويا تعيد حقوقهم وماديا للشعب المُضام ما يُنتظـَر من تعويض جدي مسؤول… لن يكون أقل من تحقيق فرص الحياة الكريمة وتقديم الخدمات الإنسانية اللائقة كافية وافرة وإعادة إعمار الإقليم والمباشرة بالأمر فورا…
[مشروع إعادة إعمار كوردستان بالأموال المجمدة بل المتروكة نهبا للسرقات والفساد المالي]
- عواقب قومية: تلك التي تقوم على جلد الذات وتأنيب الضمير القومي تجاه عملية التجاهل من الآخر والسكوت عليه من قوى القومية الكوردية ما يفضي إلى قطيعة تحفر مزيدا من التطرف القومي الذي لا يصب في الروح الانفصالي على المستوى العراقي في الظرف التاريخي الحالي بل إلى الانفصال العدائي بين القوميات المتآخية على المستوى التاريخي المقبل وهو أمر سنكون مسؤولين عنه حيثما أغفلنا التعاطي مع خطورة الجريمة وحجمها..
لأنَّ إشكاليات الشعور بالقصور في رد الاعتبار لضحايا الجريمة أمر سيصب في تعزيز التعصب القومي في زمن نحتاج فيه لانفراج بين القوميات وتآخِ ِ وتوحّد … بخاصة اليوم على الصعيد الوطني العراقي حيث من المصلحة البقاء في وحدة تاريخية مشهودة للوطن العراقي حتى تحين الظروف التاريخية الملائمة لأية متغيرات أخرى..
إنَّ تلك العواقب الخطيرة ستظل شاخصة وسرعان ما تتحول إلى عقبة كأداء أو مشكلة خطيرة تجابه التطورات الوطنية والقومية في العراق والمنطقة وهي على المستوى الدولي من المشكلات المزمنة التي لا ينبغي التساهل معها ولابد من أجل التعاطي معها من تأهيل الوضع إلى أفضليات جدية مسؤولة توحِّد جميع الأطراف عبر قراءة جدية دقيقة قراءة صحيحة للتاريخ المعاصر وتسجيل وقائعه وأحداثه حتى لا يندثر ويصير من الشؤون المختلف عليها في الأجيال اللاحقة ومما يثير الانقسامات والصراعات بل لابد من مراكز بحثية تكفل الدراسة العلمية الموضوعية بخاصة في الجامعات العراقية ومنها الكوردية بالخصوص فضلا عن مركز دولي بهذا الشأن يجذب الرؤية الفاحصة والخبرات لكي تتجنب الشعوب مثل هكذا تجاريب سلبية خطيرة ومريرة.. طبعا هذا فضلا عن مسؤولية المنظمات الدولية والإقليمية كالاتحاد الأوروبي في معالجة مسؤولة واستجابة بخاصة إذا عرفنا أن أيادِ ِ عديدة كانت تقف وراء تزويد النظام القمعي بالأسلحة وتتعاون معه الأمر الذي دانته المحكمة الهولندية كما في مثال آراد…
ولابد لنا من القول بأنَّ من مسؤوليات السلطة الوطنية الجديدة لا الوقوف عند وضع جرائم النظام المهزوم في قفص المحاكمة النزيهة التي تقتص للضحايا بل الذهاب أبعد لتقديم المعالجات والحلول وسيكون الإعلان الوطني الرسمي عن تفعيل المحكمة الوطنية المختصة أولاَ َ والتحول لشراكة فاعلة ومؤثرة من قبل محكمة جزاء دولية بالخصوص مفردة حيوية في هذا التوجه المنتظر. على أنْ توضع الصلاحيات وأشكال الدعم والتبني لتلك المحكمة ومسيرتها لتكون منطلقا لإنصاف الوطن وشعوبه وقومياته من جرائم العصر الكبرى التي حصلت.. ولتكون صوت الإنسانية وقوانينها بشأن حقوق الإنسان وحق تقرير المصير الذي يؤمَّل وضعه هو الآخر موضع التطبيق الفعلي…
وعلى البرلمان الكوردي والقوى الكوردية أنْ تبدأ بقرارات مخصوصة وعلى القوى السياسية المعنية التحول بفعالياتها نحو قرار وطني مركزي من السلطة الاتحادية بالبدء بهذه القراءة والمعالجة.. وإشعار الطرف المعني بالمشاركة الكفيلة بإزالة تصورات سلبية تصبح صحيحة ومحقة إذا ما وجدت الضحية مقدار شعرة من القصور والإغفال والتماهل والتلكؤ أو التأخر في التناول والمعالجة التي تستوجب الشروع الفوري بقرار من الحكومة القائمة بهذا الشأن..
وسيكون الاكتفاء بالمرور الشكلي على الجريمة من القوى الوطنية المعروفة أمر فيه كثير من الإجحاف لحجم الجريمة ولآثارها الوطنية من جهة وعلى المستوى المستقبلي للعلاقات الأخوية بين الكورد من جهة وكل القوى العراقية الأخرى من جهة أخرى..
من هنا كان على كل قوة عراقية ليس التبرؤ من الجريمة وهذه مسألة غير واردة ولكن الوارد والمطلوب يكمن في النهوض بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق تلك القوى..
وبخصوص ملتقى اليوم لتكن شرارة القرار منطلقة من هنا في دعوة صريحة واضحة للبدء بتفعيل المحكمة الوطنية المختصة ودعوة محكمة جزاء دولية للمشاركة وبتشكيل مركز للدراسات والبحوث الوطنية العراقية لمعالجة الآثار والمشكلات الناجمة عن الجريمة ولتشكيل برلمان مركب من مجلس اتحادي من القوميات المتآخية ومجلس عموم فضلا عن وزارة للقوميات العراقية تكون مسؤولة عن تصفية كل ما من شأنه التأثير سلبا على الوضع العراقي وعلى مستقبل القضايا والحقوق القومية المشروعة التي ترفض القسر في أي قرار على المستوى العراقي أو مستوى قومياته المتآخية اليوم في إطار السيادة العراقية والتي من حقها تحديد شكل العلاقة في كل مرحلة من المراحل اللاحقة… وينبغي للجهة المنظمة للملتقى أن تترجم هذه الأوراق والدراسات الحصيفة وتقدمها بوصفها مطلبا رسميا أمام البرلمانات الأوروبية والمنظمات المعنية لتنهض بمؤازرة الحلول المناسبة أو المشاركة في مسيرة البناء الجديد تعويضا عادلا عن كل زمن الموت والدمار والمآسي…
ولتبدأ مسيرة علاقات التآخي على أساس من المساواة وإلغاء الهيمنة والمصادرة والاستلاب في العلاقة بين الأطراف كافة… والصحيح في العلاقة بين مجموع الأطياف المكونة للوطن يكمن في إلغاء استغلال فكرة أغلبية وأقلية، فالمواطن كامل الحقوق أيا كانت مرجعياته الدينية أو القومية وعلى الجميع احترام التنوع والتعدد في البلاد لتكون حقوق الإنسان بعيدة عن المزايدة أو أية منقصة من الآخر.. وهذا لن يتوافر إلا بتحالفات القوى القومية ممن يسمونها الأقليات مع التيار الديموقراطي والعلماني ضد الطائفية والانعزالية والشوفينية القومية لبعض القوى العروبية السلفية المنحى..
وينبغي للحركات والتيارات السياسية والاجتماعية أن تُجري عمليات تطهير ذاتية ومراجعة للبرامج بما يجعل الوطنية والمواطنة أساسا معتمدا في العضوية والفعل وفي صياغة برامج الحياة البديلة، برامج الديموقراطية الحقة..
وينبغي أنْ يظهر ذلك بوضوح يتمثل في إدانة للسياسات الماضوية الخاطئة وللجرائم المرتكبة بالأمس وفي راهن أوضاعنا وفي اعتماد خطط موضوعية تمنح الحق لأهله من حيث نمنع أو نقطع الطريق على التدليس والمزايدة والأقنعة والبراقع
وإلى أنْ يجري تطوير التشكيلات التشريعية والقضائية والتنفيذية على أسس وطنية توحد لا تفرّق وتعضد التفاعل لا تشطِّر ولا تقسِّم، يلزم لنا أن نعمل بشكل جديفاعل وبتوحيد لجهودنا بعون مؤمل من القوى الدولية لكي تضغط وتمنع الأصابع المرضية في مجتمعنا من ممارسة أدوارها التخريبية لابد من:
أ. تطبيع الحياة العامة وإتاحة الفرص الديموقراطية الواسعة والحقة في ممارسة طقوسهم وحيواتهم الطبيعية بشعائرها المخصوصة بكل حرية وأمان…
ب. توفير الفرص للثقافة القومية الكوردية بهويتها المستقلة بطبع الكتب والنتاجات بلا قيود و لا مصادرات.. وسيكون لتحفيز الأنشطة الثقافية والإعلامية وجذب العنصر الدولي المناسب دوره الفاعل المنتظر ومن ذلك على سبيل المثال الإفادة من اليونسكو والمنظمات المعنية في توفير قواعد مناسبة لتعويض أزمة البدايات واختناقاتها…
ت. منح العناية الوافية برعاية اللغة وتعليمها وبأبنية تُعنى بهوية الشعب في كوردستان…
ث. الإفادة من مؤتمرات وطنية ودولية دورية يجري إعدادها بالخصوص
ج. تفعيل تجاريب عدد من الحركات السياسية والثقافية والاجتماعية ولمؤسسات المجتمع المدني معالجتها القضية القومية على المستوى الوطني للبلاد عندما أوجدت منظمات وفروع شبه مستقلة تمثل الأطياف الموجودة في الميدان العراقي….
خ. إزالة مصطلح أقليات التهميشي الظالم واستخدام أسماء المجموعات القومية والدينية بوضوح…
د. تعويض ضحايا جرائم الاعتداء المباشر وغيره وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية والهولوكوست الشوفيني التي جرت بحق الشعب الكوردي كل حسبالظرف المباشر المخصوص في علاقته به…
وبعامة فإنَّ الجريمة لن تسقط بغير معالجة عادلة منصفة تزيل كل رواسبها من الذهن الوطني والقومي بل والبشري عامة…