الوقوف بشكل عملي ضد البلطجة الدموية في منطقة الشرق الأوسط أمر واجب بلا تردد ولا انتظار.. لأنَّ مَن يُذبَح اليوم هم أطفال ونساء وشيوخ، بشر من كل الأعمار والأجيال بكل ما لهم من حقوق في الحياة الحرة المستقرة الآمنة. ولأنَّ ما يُدمَّر اليوم هو بنيان بلدان وأوطان لا يجوز إلا استكمال البناء فيها ومزيدا من التعمير…
وجزء من هذه الوقفة يكمن في إزالة التشوش الناجم عن خلط الأوراق المقصود وعن سياسة همجية لإرهاب الماكنات العسكرية التي تسطو على أجواء المنطقة متسببة في مزيد من مآسي أبناء الشرق الأوسط جميعا بخلاف مزاعم كل طرف في الدفاع عن مصالح شعب أو دولة أو جهة…
ولكن من تمثله تلك الماكنة؟ ما المصالح التي تريدها؟ وسريعا وباختصار الجواب فيمن يستخدم لغة العنف والتدمير. وهؤلاء ليسوا طرفا واحدا فإسرائيل صاحبة الماكنة العسكرية الأكبر في المنطقة وهي المتذرعة دوما بوجود تهديد لكيانها ما يسمح لها بكل العنف المفرط والدموية المستهترة بحيوات الناس.. ومن ورائها كل القوى التي تريد تصريف منتجاتها الجهنمية التي تديم دوران آلات مصانعها عبر القارات… ومن الجهة المقابلة فإنَّ الجهة الأبرز تقبع فوق كرسي السلطان الإلهي المقدس في طهران حيث يستخدمون لغة التذرّع ذاتها ليمارسوا ما يريدون من سياسات دموية شبيهة..
إنَّ كلا القوتين تمتلكان الذريعة والأداة فكلاهما يقيم على قدرات مادية كافية لقاعدة متينة للتسلح ومن ثمَّ لممارسة عمليات السطو إكراها على المنطقة وكلاهما تمتلكان المصلحة في متابعة همجية دموية لسياساتهما.. إنَّ إسرائيل في أزمة بخصوص الحل النهائي فضلا عن أزمات جدية أخرى في علاقتها مع شعبها ومع الشعب الفلسطيني وهو ما يدفع لاستخدامها لغة الحرب بعيدا عن الداخل للتغطية على ما يجري من جريمة بشعة هناك في الأرض الفلسطينية..
وبالمقابل إيران بيديها الملطختين بدماء العراقيين وبالمستنقع الذي وصلته وافتضاح وقوفها الصريح في جريمة تفتيت العراق وهلاكه بل في جريمة العبور بعيدا إلى الضفاف الأخرى حيث تحاول الطغمة الإيرانية الحاكمة إبعاد المعركة عن ميدانها الذي صار يغلي حيث تتصاعد أصوات القوى الديموقراطية والعلمانية…
إنَّ إشعال الحرب دوما أمر مرفوض لأن ضحاياه هم الناس البسطاء الحفاة وفوق ذلك نجد توقيتها لا يقف عند الإمعان في هلاك هؤلاء الفقراء الجياع وزيادة معاناتهم ومآسيهم بل في التستر على المجرم الحقيقي وإبعاد أية رؤية إدانة.. فكلا الطرفين المحتربين يزعم دفاعه عن الأمن والسلم وكلاهما يدعي الدفاع من جهته عن الشعب الذي يتحكم في وجوده ومقدراته!
وبهكذا معركة تعمية وخلط أوراق بكل نزيف الدم وبكل بلاويها يطمسون دموية الآلة الجهنمية للعسكرتارية الإسرائيلية والإيرانية بدوران مجرشتهما الحربية في الميدان البعيد عن مخططاتهما سواء في الداخل الفلسطيني\ الإسرائيلي أم في الداخل العراقي\ الإيراني.. إنَّ المستفيد هنا ليس غير تلكم القوتين بكل ما لديهما من مخططات في ميدان الشرق الأوسط الكبير.
لقد جاء تدمير لبنان وذبح شعبه ورقة خاصة بـ [الآخر] ولكن المذبح العراقي هنا يسكن بين الأضلع حيث السكين تخترق الجسد العراقي وليست الجريمة بعيدة عن عين العراقي ولا مرمى حجر لتتساءل؟ فعين العراقيين باصرة متبصرة تعرف اليد التي امتدت إليها وإذا كان زمن الميليشيات والعصابات قد طغى وتجبر فاستباحت العراق والعراقيين، فإن إرادتهم لم ولن تنهزم…
كما ترون في ظل عاصفة المعركة المثار غبارها تعمية على جرائم تجري هنا وهناك ينبغي لقوى السلم والحرية أن تتقدم ملتحمة بجبهة ديموقراطية عريضة في إطار الوطن وبجبهة السلم والحرية على مستوى الإقليم لأنه بغير تصعيد التضامن بين شعوب المنطقة وبغير التنسيق الذي يرتقي لمستوى التحدي ستمضي قوى الشر في غيها وفي مطحنتها الدموية..
عراقيا تتصاعد وتيرة الذبح والتقتيل وممارسات عصابات الموت الأسود مستثمرة الأجواء وتمعن الضرب تحت الحزام في سابقة لم يعد ممكنا التعامل معها بالطرق التقليدية.. إنَّ الشعب العراقي مطالب اليوم بخيار الالتفاف حول قوى الديموقراطية قوى المجتمع المدني ومؤسساته العلمانية التي نادت منذ بدائة التغيير بأن أي خيار آخر غيرها هو تعزيز لمكانة عودة الفاشية وأزلام الطاعون الأسود وها هو الذي حذرت منه يطفو أمام الأعين..
إنَّ الخيار الوحيد الذي يؤدي للنجاة وطريقها يكمن في علمنة الحياة لا تعزيز وبائها الطائفي، مرض العراق ومنفذ سكين أعدائه إلى عمق القلب العراقي.. وكل عراقي يقف وراء زعيم طائفي أو موقف طائفي أو حزب طائفي أو جهة طائفية سيكون لموقفه أكبر الأثر في إشعال نيران تحرق الأخضر باليابس..
إنَّ الحلول الجدية المسؤولة ستكون في مزيد من الالتحام في أنشطة جماهيرية واسعة وحول أحزاب السلم والتقدم، وليس للعراقي مخرجا غير تمسكه بهويته الوطنية الجريحة وإلا فإن العراق بيد غدارة أعجمية لا تقيم لحرمة مقام!
فلنُذكي أنشطتنا حاسمة صارمة ولنقيم رباطنا عراقيا راسخا ولا هوية لنا غير روحنا العراقي وضميرنا العراقي وهوانا العراقي وأخوَّتنا عراقية نزيهة صميم.. ولنُلـْقِ كل الانتماءات [بخاصة الطائغية الدخيلة] جانبا وإلا فنحن لا نستحق هوية إنسانية مثل بقية الأمم والشعوب وسنبقى أجيالا مشردين قبل أنْ ننتسب إلى جهة تأوينا بعد اضمحلال وضمور… فهل من يريد الانتقام من نسبه ودمه وهويته ومن نفسه؟
هذا ما يريدوننا أن نفعله.. هذا ما يريدون تنفيذه فينا.. وهذا لن يكون قدرنا أبدا.. إذ قدرنا رسمناه مذ سومر الحضارة والحرية والحياة الكريمة وهويتنا دوما كانت المنتصرة على الرغم من كل النكبات العسكرية والهزائم المادية وخسائرها ومآسيها…