تنطلق اليوم أجواء الانتهاء من الحسم العسكري في أغلب المناطق التي استباحتها قوى الفوضى والتخريب الإرهابية وشراذمها الإجرامية… وفي أفق التطهير الأمني الأشمل تبدأ مرحلة جديدة لإعمار المخرب روحياً فكرياً قيمياً ومادياً في البنى التحتية المدمرة.. ومن يمكنه القيام بهذا هم العراقيات والعراقيون من نخبة العقل العلمي فقط وإلا تتحول الأمور إلى عبث حيث نضع شخصا غير مناسب في تصدر المسؤولية.. ويقول المثل العراقي اعطِ الخبز لخبازه. حسناً ألا ينبغي في هذه المرحلة وبعد تلكؤ دام أكثر من عقد ونصف العقد أن نتجه إلى تشكيل مجلس الخبراء لاختيار استراتيجيات البناء؟ هذه معالجة سبق عرضها بعنوان: من أجل جمعية “التكنوقراط” العراقي الألفية؟
إنه نداء لنضع أسماءنا هنا معاً وسوياً.. لستس مصراً أو متمسكاً أن أكون مبادراً أو منظِّماً، فما يهمني أن نبدأ بطريقة صائبة ونشكل الجمعية الألفية في لحظة يتطلع الشعب إلى النخبة في مهمة بناء لا مهمة سجال سياسي وشخصيا أرحب بكل العروض والمحاولات للتصدي للمسؤولية من كل الزميلات والزملاء أصحاب الخبرة والكفاءة والجميع معني بالنداء طالما كان أكاديميا مستقلا ينتمي للشعب وللعمل التخصصي من دون تأثرات بالخطابات والسجالات المرضية لساسة الزمن الكارثي الذي نحيا اليوم مآسيه
تنظر الكفاءات العراقية، صاحبة الخبرات العميقة والمعارف الواسعة ومالكة العلوم المتقدمة في كل مناحي الحياة، إلى أوضاع العراق الكارثية الفاجعة بقلق كبير من مستقبل تنحدر إليه الأمور بتسارع غير مسبوق. فلقد تحالفت قوى إقليمية ودولية وبعض شراذم مريضة وُجِدت في بلادنا بتربية النظام المهزوم للنبش والتخريب بطريقة مهتوهة مستهترة..
ولأن المهمة الحقيقية للعراقيين وبالتحديد مرجعياتهم الحقيقية أي العلماء والأساتذة والخبراء من تكنوقراط العراق، تكمن في إعادة بناء ما خربه زمن الهدم والإمراض والتخريب؛ فإنَّ المهمة الأولى تتطلب أن يحتل هؤلاء أمكنتهم ومكاناتهم الصحيحة في الحياة، وأن يتصدوا لمهمات التخطيط القويم والبناء وتوجيه البلاد الوجهة الصائبة…
ولابد هنا أن نتبيّن حقيقة من ينبغي أن يكون في موقع مسؤولية قراءة الأوضاع وتحليلها ومن ثمَّ وضع المعالجات الصحية الصحيحة.. وليس من يقوم بهذه المهمة بوجه حق وبشكل مقبول وصادق إلا المتخصص الذي اختزن العلوم والمعارف والخبرات وشارك في بناء دول ومؤسسات ومجتمعات بعيدة وجاء اليوم الذي وجب إشراكه بل وضعه حيث ينبغي أن يمتلك فرصة وضع جهوده كاملة في بناء عراق آخر جديد…
ولأن الأوضاع السياسية العراقية ما زالت في حالات قلقة ومشوشة ومرضية ومصيبتها أنها مخترقة بفعاليات الاغتيالات والاختطافات والتصفيات الجسدية وغيرها، فإنَّنا بحاجة لمداخل أخرى تتقدم بعلمائنا وخبرائنا ليحتلوا كرسي المسؤولية في توجيه الأوضاع الجديدة.. وحيث لم يكن بالمستطاع ذلك مباشرة بسبب من إهمال متعمد من القوى والأحزاب المسيطرة اليوم بــ”طرقها الخاصة” على الوضع العام؛ حيث نلحظ ذاك لابد من حلول جدية لتصعيد دور مفكرينا وتكنوقراط البلاد..
لقد حاول بعض الناشطين من أعلام العراق تشكيل التنظيمات التي توحِّد جهودهم وتصبها في خدمة عراق جديد مختلف.. ولكنهم كما الحال باستمرار واجهوا تخريب مرضى من جهة وقوى معادية من جهة أخرى.. ولأن تجاريب التظيمات الثقافية والفكرية في حال أزموية صار لزاما التفكير بجدية في الخيارات وطرائق التنظيم ولابد من ممارسة الفعل ومواصلته والإصرار حتى تنجح طريقة في التقدم للنهوض بالمهام المناطة بهم…
وعليه لابد هنا من اقتراح لجنة خبراء تتوحد فيها العناصر الحقيقية التي تحمل الشهادات العلمية والمعارف والخبرات الكافية التي تضعها في موقع المرجعية التي يلجأ إليها الناس في مطالبهم وحاجاتهم.. ولكي نتجنب بعض مجابهات الأمس فيما يخص التجاريب التي عوقتها نزعات الفردنة والزعامة وتقاليد التنظيم المرضية المتأتية من زمن ملئ بالأمراض يمكن اقتراح لجنة أو هيأة جديدة بديلة..
الهيأة الجديدة هي هيأة خبراء لا ضرورة لزعامة فيها لأنها هيأة أو لجنة خبراء وليست تنظيما سياسيا أو ما شابه بل هي تنظيم لجهود مرجعيات البلاد الفكرية والعلمية بالتحديد أي التكنوقراط فقط لا غير… ولأن بلادنا ملأى بعشرات ألوف الكفاءات فيمكننا أن نتطلع لمجلس أو جمعية التكنوقراط العراقي الألفية أي التي تتكون من ألف كفاءة أو عالم أو أستاذ..
على أن تبدأ الأمور أو الإجراءات التنفيذية من تكيون لجنة العشرة فلجنة الخمسين فلجنة المائة فهيأة الخمسمائة فالجمعية الألفية.. ويشترط في عضو الجمعية امرأة أم رجلا أن يكون من حَمَلَة الشهادات التخصصية العلمية العليا مع خبرة عمل وبحث علمي لا تقل عن العشرين سنة في لجنة العشرة ثم يتم تخفيض الشرط لــِ 15 سنة في لجنة المائة والــ 10 سنوات في لجنة الخمسمائة وخبرة الخمس سنوات عمل بحثي في لجنة الألف ..
وينبغي لمثل هذه اللجنة أما أن تبدأ مختصين محددين مختارين بشكل متمعن وتدقيق وتمحيص كبيرين بشروط التوافق والانسجام بكثير من أمور معالجة المشكلات الحياتية العراقية الراهنة.. أو أن ترتبط بجامعة أو مؤسسة أكاديمية عراقية عليا أو مركز بحوث للتنمية والديموقراطية ويمكنني هنا اقتراح جامعة بغداد لتقدمها بين الجامعات العراقية أو الجامعة العربية المفتوحة في الدانمارك لخبراتها ولوجودها في أوروبا حيث مقرات الفعل والتأثير والبحث الأكاديمي المتخصص وما يتوافر له من ظروف مؤاتية للفاعلية والنشاط…
إنني هنا أتقدم بمقترح تشكيل جمعية الخبراء العراقية الألفية لتكون المرجعية المنتظرة بل لتحقق للعراقيين طموحهم في عودة الروح حيث العراقي لا مرجعية له غير تحضره وثقافته ووعيه المتقدم وحيث العراقي يخضع اليوم لمزايدات تفرض عليه قسرا مرجعيات مزعومة تارة باسم سياسة وأدلجة بعينها وتارة باسم الدين وباسم الله على الأرض والجميع بيننا بشر لا فرق بينهم إلا حيث نقرأ ونعتقد بـ” هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون” حيث لا يمكن القبول بمجي جهلة معممين ليتصدوا للحياة ومشكلاتها ويكونوا مرجعياتنا في زمن كل خطوة فيه تحتاج لقراءات وعلوم ومعارف ..
ونحن فينا من يمتلك تلك المعارف وفينا من نحتكم إليهم ونعود باطمئنان فضلا عن كون بناء العمارة ليس بحاجة هلوسات معتوه مدعي ديانة وهو أبعد ما يكون عنها ليفرض سلطته علينا ويعزل العلماء المهندسين الذين نحتاجهم حقا لبناء تلك البناية.. وفضلا عن كون معالجة مريض من سرطان الزمن الراهن وأمراضه الأخرى لا يكون إلا بطبيب وليس بذاك المعتوه الدعي.. وفضلا عن كون معالجة قضايا التخطيط للاقتصاد والتعليم والصحة والتنمية وغيرها لا يكون إلا بخبراء متخصصين وليس بضعاف الأنفس والجهلة والرعاع الذين تفرضهم مافيات السياسة وميليشياتها!
هل يوجد عاقل يقول: إن نصب عمود الكهرباء يمكن أن يتم بيد مرجعية دينية وليس بيد عامل الكهرباء؟ إن من يقول ذلك ليس معتوها بل قاصدا استغلال المرجعية الدينية لأهداف سياسية رخيصة تعادي مصالح الناس وحقوقهم وحيواتهم وهو بهذا يعادي لا الناس فحسب بل حتى المرجعيات الدينية الحقة التي تريد للناس الخير حيث أمر الله بالعمل والعلم وجعلهما من العبادات المفضلة على غيرها حيث “عامل يعمل خير من ألف عابد” كما يقول الحديث النبوي الشريف…
لنعمل من أجل الجمعية الألفية منذ اللحظة ومن دون تباطؤ وتلكؤ ومن دون تردد وقلق من مصير مشاريع سابقة ولن أقول إن كل شئ جاهز للجمعية الألفية للخبراء العراقيين ولكن كل شئ يفرض على علمائنا وخبرائنا ومفكرينا وأساتذتنا أن ينخرطوا في مسيرة الألف كيل ولنكن نحن الجمعية الوطنية التي يلجأ إليها شعبنا وقواه في قراءة الخبرات ومعالجة المشكلات حيث لم نختزن العلم من أجل المهاجر حسب بل اختزنّاه حيث نأمل أن نضعه بين يدي أهلنا وشعبنا ووطننا..
إنَّها دعوة لنجتمع ونلتقي ونبدأ المشوار وها أنا ذا أعقد الاتصالات من أجل تنفيذ الفكرة وما هي إلا برهة من الزمن وتتكون الجمعية العراقية الألفية للخبراء وليس جمعية العشرة أو المائة حسب. أما للسائلين عن مفردة ديموقراطية التي وردت ونحن بصدد مرجعية تكنوقراط فإن الإجابة تكمن في أن لا مشروع لبناء العراق يمكنه النجاح بغير الغطاء الديموقراطي بكل عمقه وفكره ومعطياته .. فلمن يعتقد من علمائنا الأجلاء وأساتذتنا والمختصين أن يتقدم ليبني لبنة في صرح الجمعية الألفية ونحن في ظرف دقيق لا ينتظر ونحن بالتحديد من يعرف قيمة الزمن وقيمة احترام العلم وأهله…
وتحية من أخيكم السومري المنتمي لأمس حضارتنا وحاضر جهودنا والمتطلع لشمس غدنا فيكم يا أهل العلم والمعرفة والحكمة والرشاد.. وسيكون بيننا الأطباء والمهندسون والأساتذة الذين يطارهم عنف الإرهاب ومافيات الأحزاب السياسية المريضة وسيكون بيننا الفقيه والمفكر والسياسي الحقوقي والقانوني والقاضي والاقتصادي وأعلام البحث العلمي المعرفي جميعا…
ملاحظة
ليست الجمعية ضد طرف حزبي أو آخر ولا يعني أولوياتها الخطاب الحزبي وسجالاته.. ما يعنيها من السياسة وخطابها هو قبول الاستراتيجيات البنيوية الهيكلية التي تعتمدها النخبة، نخبة العقل العلمي؛ بقصد إعادة الإعمار وإطلاق مسيرة البناء.. بالتأكيد لن يحظى ذلك بقبول المفسدين والطائفيين وشراذم الإرهاب وكل أعداء الشعب والوطن… ولكن عمل الجمعية بالأساس ينحصر في تقديم الخطوط البنائية الأعرض والأشمل ومتابعة مسارات التقدم والتنمية في ضوء مقولات العلوم والخبرات. وفي مجال السياسة تقترح مجرد اقتراح استراتيجيات تتفق ومنطق البناء والتنمية فيما موضوع حسم قضية السلطة وطابع الحكومات ونهجها للقوى السياسية المعنية داعمة كل ما يصب في مسيرة طمأنة فرص البناء…
ولا نغفل الإشارة غلى أن الجمعية الألفية لا تقف على المهندس والطبيب ولكنها تشمل كل الأكاديميين والعقول العلمية بمختلف ميادين العطاء الإنساني العلمي التطبيقي وعلوم الآداب والفنون والفكر والسياسة والقانون فجميع العلوم إنسانية بتشعباتها تخدم بناء الإنسان وبناء بيئته.. شرط العضوية التحصيل العلمي والخبرات والاستقلالية بروح أكاديمي بحت أمر واجب كي نتجنب السجالات المحزبنة…