الصراع بين عالمين وثقافتين ما زالا مستمرين , وفعل قوى الظلام مازال يسطو على بعض المنابر ويمتلك سلطة القرار .. وتستغل قوى الجهل مثل هكذا سلطة من أجل مصادرة الرأي الحر والفكر المتنور ومنع أية إمكانية لتوسع تأثيراته ليصل إلى أوسع جمهور ومن ثَمّ انتهاء ما يدعم قوى الاستغلال والحروب والدمار…
وآخر ما تناقلته الأنباء هو الحظر الذي تعرضت له رواية الكاتبة البنغالية تسليمة نسرين الجديدة ” ريح شعواء ” مبررين ذلك بوجود ما يثير اندلاع توترات دينية في وقت استمرت عمليات التكفير وإهدار دماء المثقفين كما حصل مع أديبنا نجيب محفوظ ومع الفنان مارسيل خليفة ومع غيرهم.. تقول بهذا الصدد تسليمة نسرين إن بنغلاديش بلد ديموقراطي بلا ديموقراطية حقيقية فهناك أحزاب سياسية تستغل الدين لخدمة مصالح شخصية ضيقة ومحدودة وهي لهذا السبب فقط تعمل على محاربة الثقافة التنويرية التي تدعو لديموقراطية حقيقية لا تحيا من دونها . ويذكر أن هذه الرواية هي الجزء الثاني من رواية طفولتي الأنثوية التي كُفِّرت هي الأخرى في ضوء التجديف الذي وُصِفت فيه . ولعل توارد أخبار التهديد بالقتل وإهدار الدم من قبل جماعات متطرفة هو أمر مثير للقلق ليس على مستقبل المثقف وحده بل على أمن المجتمع وسلامته في ظل تهديدات أمثال أولئك المتطرفين الإرهابيين المتسترين بالدين وبادعاء إصلاح المجتمع الفاسد؟! والحقيقة الساطعة هي أنهم هم مَنْ يثير قلق المجتمع وهم الذين يثيرون عدم الاستقرار فيه.. إنهم خفافيش الظلام فاحذروا من التهاون مع مرض قد يستفحل أمره فيتعقد أمر علاجه .. إنها وقفة مسؤولة ومشرِّفة ينبغي أن يعلنها مثقفونا من مثل هذه الأنشطة المعادية لكل ما هو جميل في حياتنا ؛ الفن والأدب وأشكال الإبداع كلها في عرف هؤلاء من دواعي التكفير ومن ثم إصدار حكم الموت من قاضِِ جاهل لا أهلية له ليقف بين المتعلمين فكيف بالإفتاء والقضاء؟!! ولعلنا بهذا نساهم في خلق الاستقرار والسلام الاجتماعي وأجواء الإبداع الحر لثقافة متنورة تحترم الإنسان وقيمه الحضارية السامية وتحيا في ظلال النور لا الظلام , الجمال لا القبح , الخير والفضيلة لا الشر والرذيلة.
المحرر