الثقافة العراقية حية حيوية, والإبداع العراقي يستمر تدفقا وعطاء, والمبدع العراقي ما زال صاحب الهوية والخصوصية والتميّز, ذلك الانطباع الشامل الذي تحتفي به ذاكرة المتلقي الذي تطارده أوصاب يوميات نهاره المتعَب.. فيبحث عمّا يعيد التوازن إلى تفاصيل طرقات الروح السائحة في عوالم الاكتناز جمالا, فلا يعيد ذياك التوازن إلا الأصيل الحقيقي المؤثـِّر …
ومن ذياك الأصيل المنتمي إلى هوية سومر وأكد وآشور فنانونا التشكيليون بكل ما يمتاحونه من خزين الوعي الجمعي العراقي. وها هي فنانتنا العراقية عفيفة لعيبي التي عودتنا على كل ما هو جديد وجميل ومدهش, ها هي ترينا شمسها العراقية بألوانها الزاهية بمجرد دخولنا محراب معارضها المتواصلة إدهاشا…
كم هو ذاك الخزين الذي يجمع بين الفطري والأكاديمي تقنية وبين الكلاسي والحداثي أسلوبا وبين الخصوصية المحلية العراقية وانفتاحات الشرق بل عوالم التلاقح بين جماليات الجهات الأربع!
في معرضها الجديد الذي فاض على أجواء مدينة السلام والعدالة لاهاي الهولندية حيث محطة السيدة لعيبي, تجد تكوينات لونية سابحة في عوالم التفاعل والتمازج لتنطبع في نوافذ العيون إبهارا بتلك اللمسات الجميلة باختيارها اللوني وبحركة تلك الألوان وتموجاتها المسترخية كاسترخاء نسوة الرفاه والمجتمع المفتوح على حياة الرخاء والاستقرار ونعيم الجمال وجناته… أليس ذلك واحدا ممّا يبعث على السياحة في عوالم الجمال ورغيد العيش؟
إنَّ نسمة الاسترخاء والحياة الرغدة تتنقل بين عوالم عدة فمنها الشعبي كما في حمّام النسوة الشعبي في اللوحة المرقمة (10) باسم (Badlaken) وحتى حينما تدخل عالم الفلسفة فإنَّها لا تغادر عذرية اللغة وفطريتها فالعقل يمتاح من شجرة في تداخل بين فتاة وشاب كفراشة يطيران…
وفي لوحتها Gouden Vogel تعود بالذاكرة إلى حكاية المرأة مليكة بيتها والطائر في قفصه ذي الباب المفتوح إنَّها مليكة بيتها الآمن وليس السجن الموصد أبوابا مغلقة.. وتسبح في هارموني الروح خالقة رنينا موسيقيا لحظة التلقي البصري وذلك في لوحتها Brocante وليتأمل الناظر في تشريح الجسد بطريقة تعزف فيه ريشة الفنانة لعيبي الرنين الجميل.. لتقول لبشار بن برد إذا كانت الأذن تعشق قبل العين أحيانا فإنَّ العين يمكنها أنْ تسمع معزوفات الروح التي لا تسمعها أذن…
ثلاث وعشرون لوحة هي مجموعة معرضها الجديد الذي انتظرناه بعد أنْ تابعنا عن بعد معاناة ولادة الجمال في لمسات الفنانة طوال الشهور الماضية. ولعل معرض عفيفة لعيبي من المعارض الذي تكتب فيه الأقلام النقدية التشكيلية الأوروبية قبل العراقية لما له من صدى بوصفه معرض عوالم الشرق في الميدان التشكيلي الأوروبي…
وهو مزدحم بزوراه وضيوفه الأوروبيين وعراقيي المهجر طلبا لسياحة الجمال في عالم الإدهاش والإبهار. أما هذه الكلمات فلا تدعي الانتماء إلى النقد التشكيلي المتخصص بقدر ما تشكل انطباعات خاطفة فيه..