ثقافتنا بين مجموعات الإبداع الإيجابية والشِّللية السلبية المتبحِّر في تاريخنا الإبداعي الثقافي يعرف جيدا كم هي تلك المجموعات والفرق الإبداعية كثيرة ومتنوعة في مساراتها واتجاهاتها وتصوراتها وفيما أنجزته ورسمته على لوحة المشهد الثقافي العراقي المعاصر..
فكانت تلك المجموعات دليل صحة في حاضرنا وعلامة مشرقة تؤسس لمستقبلنا الزاهر. ولا مناص من الاعتراف بأننا مع استذكار أية جماعة تشكيلية أو فرقة مسرحية أو مجموعة أدبية أو في أي مسار من مسارات مبدعينا نستحضر مع ذلك الاستذكار معاني عميقة وآثار بارزة في حياتنا الثقافية والعامة .. ألم تكن تلك الفرق المسرحية موئل انطلاق المظاهرات السياسية؟ ألم تكن توجهات أدبائنا وشعرائنا مسارا لمن قرأ وسمع إلى خطابها؟ ألم تتحول لوحة الفنان إلى رمز حي للروح الثوري لشعبنا ولحضارته؟
لكن في مقابل كل تلك الجماعات والفرق الثقافية المنيرة في سمائنا .. تظهر في أجواء اليوم , بالاتصال مع طبيعة الظروف المحيطة بإبداعنا , ظاهرة مَرَضية هي حالة مناصرة سلبية فكأنها عصبية قبلية لما قبل عشرات القرون من تاريخ الحضارة الإنسانية , فيتجمع حفنة من المتناصرين لا على أسس إنتاج قيم الثقافة بل ليعتاشوا على جملة “مشاريع” أولها القيل والقال وآخرها ليس أقلّه إلا بؤس الحال وسوء المآل في خضم صراعات وتقاطعات لا علاقة لها بالإبداع ومفاهيمه وقيمه الراقية. فهؤلاء لا يقع إنتاجهم في لوحة فنية ولا في قصة أو قصيدة أو مقالة أو كتاب في معالجة إشكالية ما بل يقع إنتاجهم في تلك المعارك الوهمية المفتعلة مع جيل الرواد عندما ينطلق الأمر من “جماعة” تضع أولى خطواتها في عالم الثقافة أو بعَلَم من أعلام الإبداع عندما يتعلق بهؤلاء الذين يرون في الديموقراطية أداة للمساواة بين العالم والجاهل , بين الفقيه والدعيّ , بين المتنبي والمشعوِذ.. إنْ تلك الشِّلل إلا جماعات للفرقة وإنتاج كل ما هو سلبي في حياتنا وهي تتمظهر اليوم بشكليات وصور جماعات الفن والثقافة ولكنها في الحقيقة تمارس دورها التخريبي في حياتنا بكل تفاصيلها ومفاصلها . إنّ مهمتنا اليوم هي في التخلص من كل الأشكال المَرَضية التي أصابت حركة ثقافتنا وفي التعامل مع الحالة بنوازع معرفية تستحضر تجاريبنا المستمدة من تاريخنا الحضاري ومن حركاتنا الفنية والأدبية المعاصرة البعيدة عن جوهر ما تقوم به ظاهرة الشِّللية من أفعال تقف عثرة في وجه الإبداع وإنتاج الجمال. غير أنَّ ثقافة أصيلة كثقافتنا الوطنية عميقة الجذور لا تخيفها مثل هكذا علامات مَرَضية طارئة على مسارها , ولكن كل مَنْ يتعامل مع الظاهرة تحت أي مسمّى إنما يصبّ الزيت في نار التخلف والعصبية لشواذ الحياة .. ومن ثمَّ فنحن لا يمكن أنْ نقف مواقف انتظار أو فرجة سلبية أمام هذه الحالات وعلى مثقفينا أخذ زمام المبادءة ومعالجة الظاهرة بما ينبغي وذلك عبر عمليتي التشخيص والاستئصال لدواعيها من مثل تعميق ثقافتنا وإزالة فعل تسطيحها وتفريغها من محتواها الإنساني فضلا عن دواعي اختلال التوازن في عالم المنفى والغربة وهو ما يستدعي زيادة التواصل بين أطراف العملية الثقافية ولحمتها ووحدة فعلها الإيجابي وهو ما يحتاج لمتابعة قريبة أخرى…
أكاديمي عراقي مجلة البلاتفورم العراقي هولندا