أمسية احتفائية في البيت العراقي

حفل توقيع كتاب " الجرافات لا تعرف الحزن " للكاتب المسرحي قاسم مطرود

                    أُقيم لاهاي بهولندا يوم السبت 25- 6- 2005 على قاعة البيت العراقي، أمسية ثقافية تمَّ فيها تسليط الضوء على مسرحيات الكاتب قاسم مطرود الذي وقَّع كتابه الجديد في نهاية الأمسية.. افتتح الأمسية السيد عبدالرزاق الحكيم رئيس جمعية البيت العراقي مرحبا بالحضور وبالمحاضرين، متمنيا للجميع أمسية حافلة في سلسلة أنشطة البيت العراقي المتنوعة.

                    وانطلقت الندوة بإدارة الدكتور تيسير الآلوسي الذي افتتح التداخلات بكلمة قصيرة قال فيها: اسمحوا لي أنْ أرحِّب بكم في ضيافة عالم المسرح والمسرحية وضيافة خيمة الأجواء الأكاديمية التي أعود إليها اللحظة هذه معكم في سِفر الحوار مع المحتفى به بهذه الجلسة الكاتب قاسم مطرود وكتابه "الجرافات لا تعرف الحزن"...

                     بعدها طلب من الكاتب جاسم المطير تقديم كلمته التي قال فيها إنه لم يهوَ يوما قراءة نص مسرحي بقدر ما أحب أن يراه على خشبة المسرح. ولكنه حين قرأ نصوص قاسم مطرود وجد فيها الشعر والشاعر وما جذبه لكي يستمتع ويكمل مسرحية وهو يقرأها.. وقد استطرد يقول إن مطرود يكتب من عالم الروح وإليها في أجواء واقعية تماما يخلق فيها وعبرها  شخوصه العراقية ومسرحياته المنطلقة من أجوائها العراقية..

                     بعدها قدَّم مدير الندوة عرضا في السيرة الذاتية للكاتب المسرحي الذي أخرج عددا من المسرحيات وتخرج في معهد الفنون ثم في كلية الفنون الجميلة بغداد ودرس إعداد وإخراج البرامج التلفازية في أكاديمية هلفرسوم كما كتب مسرحيات وطبع عددا  منها فحاز على الشهادات التقديرية والجوائز العديدة في العراق وخارجه...

                    وأحال الكلمة إلى الفنان رسول الصغير الذي استذكر أول لقاء له مع مطرود عندما كان شابين يافعين وتحولت الكلمة إلى المخرجة الهولندية آنّا ماريا  التي تعكف على قراءة مسرحية نشرب إذن! فقالت أنها بحاجة لمزيد من الجهد لكي تصل إلى ذاك الغنى الموجود في مسرحية مطرود وهي تنطلق من حالة التعايش مع الآخر والتفاعل معه والبحث عن كنه القيم الإنسانية الموجودة في النص..

وبعد أسئلة وحوارات مع جمهور الحاضرين أعلنت إدارة الجلسة استراحة قصيرة.. لم تتوقف فيها المناقشات الساخنة حول نصوص السيد مطرود...

                      وشُرِع بمعزوفة الأمسية في قسمها الثاني حيث قدم الدكتور تيسير الالوسي تحليلا متخصصا في تجربة الفنان المسرحي قاسم مطرود فقال: إنَّ الاحتفاء بمناسبة صدور كتاب " الجرافات لا تعرف الحزن" عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات هو كاحتفال العرب في أمسهم عند ولادة شاعر.. واشار إلى أن مطرود لم يولد من فراغ في فضاء المسرح العراقي فقد كان لنا مسرحية سومرية استعادت وجودها عبر تاريخ متسلسل من التطور الحضاري المعبَّر عنه بفن المسرحية وإن بأنماط المناظرات والحوارات حتى بدأت عروض المسرح منتصف القرن التاسع عشر ليولد أول نص مسرحي العام 1892 وليشهد المسرح العراقي عددا من ابرز المسرحيات في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي مع انطلاقة أخرى في خمسيناته على يد كتّاب الدراما المعروفين حيث كتب يوسف العاني أولى مسرحيات اللامعقول العام 1949.. وقبل عقدين من اليوم كان تأثير السلطة يكمن في الدفع نحو ما يُسمى بالمسرح التجاري على طريقة برودواي ولكنه في الوقت ذاته داب المسرح العراقي حسب جذوره على تبني طريق الإبداع الفني الراقي المعبر عن القيم الحضارية الكبيرة..

من هذا العالم ومن هذه الجذور وُلِد قاسم مطرود ولهذا فنحن نقرأ له نصوصه بفنيِّتها العالية وببنائها الدرامي المتميز.. نعم يمكن أن نقول بطليعية المسرحية وباتخاذها من العبث أو اللامعقول مدرسة بنائية ولكنه لا يلتزم المذهب المسرحي حرفيا ولا يتوقف عند تلك الخصائص بطريسقة جامدة بل يتخذ منها أدوات تغتني بعمق ما يمنحها من محمولات فلسفية بسبب من تركيز مسرحيته على الكثافة وعلى شعرية الأداء فضلا عن تركيزه على الثيمة قبل الشخصية التي تأتي مبنية بطريقة الشفرة الرمزية ولأن تجميع العبثي والرمزي ليس كميا ولا آليا مجردا فإننا قد نفهم بعض رسائل مسرحية مطرود من عمقها التعبيري ما لا يقبل لمخرج ما أن يقدم المسرحية بطريقة المسرح الفقير ومن دون مراعاة أهمية جدية للتقنيات المسرحية في تقديم تلك اللغة الكثيفة للنص بصريا...

وبعامة تشكل المجموعة المسرحية المنشورة في "الجرافات لا تعرف الحزن" مجموعة متناسقة وإغناء لمسيرة المسرحية العراقية والنصوص المبدعة التي تنتظر المعالجات النقدية المتخصصة والمخرجين الذين يقدمون لنا فضليات المسرحيات الجادة الممتلئة بالهمِّ الإنساني الرحب..

أما قاسم مطرود فكان أجاب على عدد من أسئلة الحضور وشكر تداخلاتهم مؤكدا حرصه على التأني في كتابة النص بما يجعله يأتي ناضجا مستوف لشروط وجوده المسرحي الحقيقي.. وكان من أسئلة الجمهور سؤال عازف السنطورالأول وسام العزاوي عن دور الموسيقا في تقديم نص قاسم مطرود بخاصة وهو النص الممتلئ بشاعريته وغنائيته؟ فيما تساءل الشاعر ناجي رحيم عمّا إذا كان مطرود يكتب النص شعرا في البدء وقرأ بعض مقاطع من الجرافات بوصفها مادة شعرية في إيثاعاتها وتكويناتها وهو ما أكده الشاعر حميد حداد وإن عرَّج على القيم الدرامية لنص قاسم مطرود مبتعدا به عن التوقف شعريا.. وتمنى السيد عبدالرزاق الحكيم للمبدع مسيرة حافلة متسائلا عن تصوره لوسائل دعم المسرحية وتطور كتابتها فنيا.. وكان للشبيبة حضورها وحيويتها فسأل إيفان تيسير عن أدوات مطرود لمعالجة مضامين مسرحيته وما إذا كان يفضل أن يُقدَّم بصريا أم بالمحافظة على نصه ومفرداته وعباراته الشعرية؟ وما إذا كان أحب إليه أن يقدَّم بوصفه مسرحيا أم بوصفه شاعرا؟

 

وفي اختتام الأمسية التي دامت أكثر من ثلاث ساعات أشار  الدكتور الآلوسي إلى ضرورة مواصلة مثل هذه الأمسيات سواء منها الاحتفائية التكريمية أم الثقافية العامة بخاصة ونحن نعاني من أزمات خانقة بسبب من حال الانقطاعات السلبية عن إقامة مثل تلك الملتقيات بغاية تعزيز حيوية اللقاء الثقافي والإفادة من جمالياته وغناه الفكري وأنسنة حياتنا وقيمها العقلية والجمالية المتحضرة.. ثم تلا رسالة تحية وتكريم من رابطة بابل للكتاب والفنانين الديموقراطيين العراقيين في هولندا للكاتب قاسم مطرود وتم توزيع باقات الورود على المشاركين وتوقيع كتاب الجرافات لا تعرف الحزن وتوزيعه...

 

متابعة: ألواح سومرية معاصرة