إصرار على رفع أسقف التصريحات والإجراءات السلبية المتشنجة!!

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

tayseer54@hotmail.com

 

 

في تصعيد بات يتكرر بوتيرة أكبر، تواصل قيادات في بعض أحزاب الإسلام السياسي تصريحاتها المتشنجة ضد القيادة الكوردية وضد مسيرة العمل في كوردستان وبرامج البناء فيها. ولربما كانت الذريعة الأبرز في مجمل تلك التصريحات قضية النفط.. وهي القضية التي باتت شماعة لإجراءات حصار رسمي على الإقليم عبر فرض عقوبات على كل شركة تحاول التعاقد مع الإقليم من أجل استثمار أو مشروع عمل منتج يحرك الاقتصاد ويطلق حركة العمل والتشغيل ودورة الحياة.

إنّ محاولات منع الإقليم من إدارة شؤون التشغيل المحلية على وفق الدستور هو عمل عدائي ليس لشعب كوردستان لوحده بل لكل الشعب العراقي. ذلك أن تلك الممارسات التي تعيق حركة التنمية الاقتصادية والبشرية هي إصرار على مركزية مقيتة لم تأتِ للعراق إلا بويلات كارثية النتائج؛ ولم يحصد منها شعبنا سوى نكبات أطاحت دائما بآماله في الاستفادة الحقيقية من ثرواته..

ولكن في مراجعة لما يصدر من تصريحات وإجراءات ورصد لمسلسل الإصرار عليهما سيجد المرء سياسة ممنهجة تحديدا تجاه إقليم كوردستان وضد فرص التنمية التي تتقدم يوما فآخر بفضل الجهود المخلصة والإدارة الرشيدة في الإقليم. حتى بات يشهد لنتائج تلك الجهود بأنها جعلت من ظاهرة الفقر محدودة بـ 3% فيما هي بمقارنة بسيطة تزيد عن 89% في ريف السماوة مثلا. وفجوة الفقر تكاد تنحصر بحدود جد متدنية في كوردستان فيما تكاد تصل إلى ما يقارب الـ25% في المناطق الخاضعة للإدارة شبه المركزية  أو المركزية للحكومة الاتحادية..

غير أن المشكلة القائمة هنا ليست في تصريحات مجردة لهذا الوزير أو ذاك النائب البرلماني من حزب بات ينفرد بقرارات الحكومة الاتحادية ببغداد، ولكنها في النتائج الكامنة في أمرين خطيرين، هما:

1.       إثارة أجواء التناحر والإمعان في إشاعة اضمحلال الثقة وإطلاق سياسة عدائية في فضاء العلاقات التي يتم الدفع بها إلى زاوية القطيعة بدل الحوار والتقارب والمشاركة الوطنية.. الأمر الذي يهدد بقيام دكتاتورية جديدة في البلاد!

2.       ممارسة جملة إجراءات فعلية مخالفة للدستور ومتعارضة مع سياسة التنمية وطنيا بعموم تأثيراتها البعيدة ومحليا في إقليم كوردستان في مستهدفاتها المباشرة، عبر فلسفة العقوبات الاقتصادية وإعلان الحصار الفعلي على الإقليم وجهوده.

وفي الحالتين معا، يغطي هذا على مزيد من حالات الانفراد بالقرار العراقي بمستواه الوطني، ويحاول تبريره مستندا إلى إضعاف دور الفديرالية في حماية الديموقراطية وذلك جلي واضح عبر الدفع باتجاه جعل القيادة الكوردستانية جزءا من مشكلة بدل كونها قوة فاعلة للحل كما كانت مبادراتها دائما.. نذكّر هنا باتفاق أربيل الذي حل معضلات شتى...

إنّ التصعيد الأخير وتصريحات وممارسات لأقطاب من دولة القانون، يشتمل على ما هو أخطر من تصريح وأخطر من كلمات لمسؤولين في الحكومة الاتحادية؛ولكن الحال باتت تعني أن جهة حزبية وربما شخصية بعينها  قد صادرت الصوت الرسمي الحكومي وجعلته في خانتها وجيرته لطرفها وأنها باتت علنا المتحدث (الوحيد) باسم السلطة وهو نهج يثير ردود أفعال مختلفة عديدة في اللعبة السياسية الخطرة تلك!

والمشكلة المركبة هو ما يثار من تفاعلات نقدية لا تنظر إلى الحلقة الأساس للمشكلة والجوهر فيها، فيقرأ بعض المحللين جانبا من تفاعلات وردود فعل كوردستانية على أنها متشنجة وتشارك في المشكلة وبعضهم يراها محرجة لأصدقاء الكورد والقضية الكوردية كونها تقع في الجهة المقابلة تماما لإجراءات من يقود الحكومة الاتحادية اليوم.. ولربما كانت بعض المواقف بحاجة لمراجعة ولاتخاذ أعلى درجات ضبط النفس ولربما تطلبت الخروج من دائرة رد الفعل بالعودة إلى نهج المبادرة والفعل البنائي في إطار العراق الفديرالي الديموقراطي المنشود؛ ولكننا ينبغي أن نقرأ الأمور كما هي عليه وأن نتذكر أن حماية العراق في وضعه الراهن لا يكون من دون حماية الفديرالية واحترام طابعها القانوني الدستوري ولا من دون فاعليتها هي [أي الفديرالية] في أداء دورها المركب في حماية الديموقراطية في العراق وتعزيزها في كوردستان والسير بالتنمية الشاملة إلى أمام.

وأؤكد هنا إلى أن الإصرار على مواصلة نهج التصريحات وإجراءات الحصار على كوردستان أثار ويثير بلبلة في بعض المواقف وتمزيق حالات التناسق الهشة في صفوف القوى الديموقراطية العراقية وحركة التحرر الكوردستانية؛ لأنها عادة ما تسترت بعباءة إثارة التشكيك بالأسباب والدوافع الحقيقة لها عبر التضليل وعبر اتهامات باطلة من نمط التعكز على ظواهر كالفساد ومنه تهمة التهريب وهو الأمر المستفحل والمعروف بنسب قياسية مهولة ليس في مؤسسات كوردستان كما تنطلق التصريحات ولكن في مؤسسات الحكومة الاتحادية ببغداد.. وهذا ما يجدد القول: إننا ينبغي أن ننظر إلى الأولويات والوقائع الحقيقية قبل الانشغال في الثانوي الهامشي..

ولعل من التضليل أيضا، ذاك التعكز على إبراز تصريحات تصدر في إطار الشوشرة الإعلامية والضجيج السياسي المفتعل وفي إطار تداعيات الشد والجذب والتضاغط السياسي. وهذا التضليل هو الغطاء  الذي يمثل عبثا خطيرا لن يكتفي بتهديد الوجود الوطني العراقي بل سيأتي عليه برمته! ومن هنا علينا الانتباه الجدي لما ينبغي أن نتصدى له أولا حلا للمعضلة ولما يجابه لا كوردستان وحدها بل العراق بأكمله.

إنّ جملة ما يجري من تصريحات وممارسات، سببه الفعلي فشل إدارة الأزمة من قبل قيادة الحكومة حتى وهي تنفرد بالسلطة بذريعة تخوين الآخرين بالمطلق وادعاء احتكار النزاهة والانفراد بتمثيل الشعب العراقي بقرار فوقي كما يحصل في ممارسات الدكتاتوريات ومركزيتها المقيتة.. وهو ما يدعو لحلول عاجلة لوقف التداعيات، بوجوب سرعة اتخاذ الإجراءات الآتية:

1.             وقف التصريحات الإعلامية والخطابات السياسية المتشنجة المتطرفة.

2.             منع اتخاذ القرارات فرديا، والعودة إلى طاولة المفاوضات والحوار المباشر. والانتهاء من لعبة الغنيمة والعمل بأسس الشراكة فعليا عمليا والإيمان بكل مفردات الديموقراطية وآلياتها وأولها التداولية...

3.             اتخاذ القرار الاستراتيجي الوطني بمتابعة ظواهر الفساد بخاصة هنا جريمة التهريب بضبط الإنتاج واستخدام الآليات المعروفة بالخصوص. على أن يكون لجميع الأطراف ممثليهم في العمل الميداني بجميع المواقع بشكل متبادل، والفكرة هنا بحاجة للبحث في آلية المراقبة والتدقيق..

4.             بحث الأسقف الزمنية لتنفيذ اتفاقية أربيل من جهة وإصدار القوانين والتشريعات المجمدة سواء ما يخص قانون النفط أم ما يتعلق بالمجلس الاتحادي وما يستكمل مؤسسات دستورية مهمة لإدارة البلاد ديموقراطيا فديراليا..

5.             الشروع بالتحضير لمتغيرات وطنية (على رأسها الانتخابات) بوجود جميع الأطراف في إدارة التحضيرات. ووقف انفراد طرف في تسيير أعمال الحكومة الاتحادية.. وإيجاد حل عاجل لصلاحيات رئيس مجلس الوزراء ومسؤولياته والانتهاء من مشكلة الوزارات الأمنية والعسكرية وغيرها في سقف زمني يتفق عليه.

6.             محاسبة كل مسؤول بمشاركة الجهة الحزبية التي ينتمي إليها عن أدائه على المستوى الرسمي الحكومي وعن سلوكه وممارساته [تصريحاته مثلا] في الأداء السياسي. واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالمعالجة قانونيا.

7.             عقد مؤتمر وطني بمستوى القمة تسبقه تحضيرات مناسبة وتشترك فيه جميع الأطراف المشاركة في الحكومة والموجودة خارجها.. ولا عذر لقضية وجود تلك القوى في البرلمان أو الحكومة من عدمها لأن الحقيقة فعليا وممارسة لم يعد في الحكومة عمليا سوى طرف واحد..

إن الرد المنتظر اليوم، من جميع القوى الوطنية هو إعلان صريح منتظر بشأن ما يمارس تجاه إقليم كوردستان وعدم القبول بالمساواة بين السبب في التصريحات والإجراءات العدائية غير الدستورية وبين بعض الردود التي تصدر في خطاب شخصية سياسية أو اخرى. إذ الأصل هو افتعال مشكلة ومحاولة حصر الإقليم بين فكي المشكلة ووضعه جزءا منها فضلا عن التعرض لاستقراره ومسيرة التنمية فيه وهو الأمر المرفوض قطعا وبكل المعاني والمستويات.. وحله موجود في تغيير تلك السياسة وليس في المشاغلة بموضوعات أخرى تمرر جريمة التجاوز والاعتداء. وسيكون هذا المنطلق تحجيما لكل من يمضي في سياسة تستعيد  ولو جانبا من آليات الدكتاتورية والسياسة المركزية القمعية..