أدوار مهمة تنتظر قادة الإعلام ومخضرميه

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس البرلمان الثقافي العراقي في المهجر

tayseer54@hotmail.com

 

 

مَن هم قادة الإعلام ومخضرموه؟ وما الأدوار التي تنتظرهم؟ وما مكانتها وأهميتها في الشأن العام؟ وكيف يمكنهم تصحيح العلاقة بين السلطة والشعب وضخ دماء الحيوية والروح الإيجابي البناء في تلك العلاقة؟ وما المعالجات المؤملة التي يمكنها أنْ تدلنا إلى كيفية صنع مقدمات تعزيز الحريات ومنح أكبر قدر منها للصحفيين، بخاصة منهم أولئك الذين يمارسون مهنة الصحافة في إطار إعلام الأحزاب السياسية سواء كانت أحزاب المعارضة أم أحزاب الحكومة؟

 كل تلك الأسئلة سنحاول وضع موجز إجابة عنها هنا لتكون محاور رئيسة لحوار مؤمل يتطلع لتفاعلاتكم جميعا. وبالإجابة عن المخضرم نقول: بين إعلاميينا وصحفيينا من تمتد جهوده لعقود من الزمن، مارس فيها مهنة العمل الإعلامي و\أو الصحفي في ظروف وتقلبات تصل حد التناقض.. وبعض هؤلاء تحمَّل أوصاب مهنة المتاعب إلى درجة دخول السجون والمعتقلات بسبب كلمة كتبها أو معالجة عرضها، فضلا عن الحرمان والمشكلات والتعقيدات الأخرى. وفي جميع الأحوال لم تكن تلك الأحداث إلا دروسا مضافة للمعارف والعلوم التي يمتلكها وللخبرات البعيدة التي يختزنها...

أولئك الذين باتوا اليوم خبراء المهنة وأعمدة شامخة؛ يتطلع لقراءة نصوصها أو متابعة برامجها عشرات آلاف وربما لفئة منهم مئات آلاف المشاهدين - بقدر تعلق الأمر بالتلفزة -  أولئك الفاعلين في وسط الإعلام وتوجيهه وقيادته هم أنفسهم أصحاب (الكلمة \ الفعل) في الوسط الجماهيري وفي مراكز اتخاذ القرار..

إنّ جماهيرية الإعلامي المخضرم ليست بحاجة لسؤال ومن ثمَّ فإنّ معالجاتهم ورؤاهم وما يتقدمون به في برامجهم ومقالاتهم  يحتل مكانة الصدارة في تكوين الرأي العام. وهو يمتلك قدرة التأثير ربما بطريق أسبق زمنيا من السياسي في وصول جمهوره.. ونظرا للصلات اليومية أو المتصلة الثابتة  بين الإعلاميين والصحفيين من جهة وجمهورهم من جهة أخرى ولكونهم الجهة التي تمتلك جسورها الوطيدة مع السياسي فإنّ دور جسور التواصل واللقاء بين السياسي والجمهور ستكون بالضرورة من مسؤولية الإعلام وتحديدا فيه كوكبة المخضرمين...

إنّ الإعلامي المخضرم [والصحفي أيضا] يمتلك فرص احتكاك  شعبي كبيرة وهي بذات الحجم في العلاقة مع السياسي المنشغل بمهامه وأنشطته.. ولأجل ذلك يتحمل عبء مسؤولية جد مهمة للربط بين الطرفين.. بخاصة في ظل آليات العمل الديموقراطي والعلاقة بين السلطات في مجتمع الحداثة ودولة المؤسسات المدنية المعاصرة.

وفي العراق، لطالما كانت العلاقة بين السياسي والجمهور مضطربة سواء كان في سدة الحكم أم في المعارضة.. بسبب من الطبيعة القمعية للنظم السابقة و\أو طبيعة الالتباس والضبابية في تلك العلاقة؛ وفي العلاقة بين الجمهور والمعارضة نجد تحكم عمليات التشويه والتضليل من جهة والخشية من الانزلاق وراء غايات  قد لا تكون إيجابية أو في مصلحة الجمهور ومن هنا بقيت تلك العلاقة بين المرتبكة وبين القطيعة أو الظنية والشك السلبي بين الطرفين...

لكننا في العراق الجديد، وتحديدا بقدر تعلق الأمر بكوردستان نجد تغيرا نوعيا في فلسفة وجود مؤسسات الدولة والإدارة الحكومية العامة حيث التوجه إلى برامج بناء وإعمار ومحاولة صنع أفضل العلاقات مع الشعب ومصالحه.. لكن هذا الأمر لا يمكنه أن يتعزز ويختزل المدى الزمني لاستعادة الثقة وتوطيد مسيرة التغيير النوعي ما لم يكن إلى جانبه أولئك المتضلعون الخبراء من القريبين من طرفي القضية، السياسي والجمهور.

ولعل الأقرب هنا، هو ذاك الإعلامي المخضرم العارف بالمتغيرات الراصد لمسالكها ووقائعها الأمر الذي يجعله الأقدر على توضيح الحقائق بخطابه المؤثر في تشكيل الرأي العام وفي  التقريب بين الطرفين على أساس نقل نبض الشارع من جهة وأداء السياسي وبرامجه ومحاولاته من جهة مقابلة..

إنّ هذه المهمة لا تكمن في مدّ الجسور حسب بل تدخل في إطار الانتقال النوعي الأعمق والأصدق نحو مجتمع الديموقراطية ومؤسساتها وآلياتها. وهي المهمة التي تبني الروح الإيجابي في تلك العلاقة بعد أن تحنطت عند مستوى الظنية والشك. فالمواطن ينظر بخشية من إمكان تسلط المسؤول وممارسته القمع والمسؤول ينظر بشك تجاه احتمالات راديكالية التفاعلات والأنشطة التي قد يمارسها المواطن ربما في أحيان بطريقة تخضع لتوجهات تهدم أسس الديموقراطية الوليدة..

إنّ إيجاد برامج إعلامية وصحافية مناسبة لفتح علاقة موضوعية بناءة يبقى مهمة ملقاة على عاتق نخبة إعلامية من المخضرمين ذوي الإمكانات في خلق الحوار المفيد والصريح، قوي الأسس الذي لا يخشى أو يتملق مسؤولا بقدر ما يقدمه إيجابا مثلما ينقل إليه صوت المواطن كما هو على أرض الواقع.. وهذه المهمة تساعد على لقاء الجهود بنائيا وتسد الطريق على العناصر السلبية والمرضية المخرِّبة.

والإعلامي الخبير يمتلك مسؤولية مهمة أخرى تتمثل في تقديمه النموذج وربما الدرس الناجع للإعلاميين الجدد والصحفيين في أول الطريق بخاصة منهم في أجهزة الأحزاب السياسية الحكومية والمعارضة.. وهو بهذه المهمة يمكنه أن يروض حالات الاندفاع الحزبي التي تتعنصر للحزب وتتحيز له في جميع ممارساته.. ومن هذا الدرس هو تعزيزه آلية استخدام الخطاب النقدي البناء، بفتح الطريق عبر ممارسته الصحيحة لهذه الآلية.

وفي ضوء هذا الدرس تحديدا،  يقترب الصحفي الحزبي من مهنيته مثلما يحافظ على  روحه الحزبي.. وهنا بالضبط ترتقي الأنشطة إلى مستوى مسؤولية نوعية مختلفة حيث يكون الإعلام الحزبي مثالا للموضوعية ولمنطق الدعاية القائمة على استهداف الحقيقة وليس تزويقها تضليلا أي بالابتعاد عن منطق التصيد في المياه العكرة أو تأويل النصوص وحرفها عن حقيقتها وتجنب صحافة الفضائح ومنطق الثوروية الانقلابية التي لا تعرف سوى التهجم واختلاق منطق الاحتراب التناقضي، فيما البديل الواقعي يكمن في صنع المناظرات والحوارات المعمقة بإدارة إعلامية مخضرمة خبيرة يمكنها أن تقدم ضمانات لسلمية الحوار ولهدوئه ولعلمية المنهج ولتقريب الحقيقة للجمهور لكل الأحزاب وقدراتها وبرامجها سواء الحكومية أم المعارضة كما يمكن لهذه الفعالية أن تنهي الادعاءات الفارغة والتهجمات الجوفاء التي لا تعدو كونها تهجمات تضليلية بخاصة من المعارضة الراديكالية الانقلابية وهذا البديل يكفّ أيضا الخطابات المرضية التي تشاغل الناس بعيدا عن واقعهم ما يخلق لديهم الاحباط و السلبية الأمر الذي يترك للجهات ذات البرامج السلبية فرصها في اختلاق الاصطراع على حساب المواطن المغلوب على أمره.. وبهذا الاتجاه الموضوعي ودروسه يصنع الإعلامي خير دعاية جماهيرية لحزبه ويكون الأفضل من أداء المتعصبين الذين لا يخلقون إلا الانفصام المَرَضي بين الطروحات المتعصبة المنحازة والواقع المتجاهَل في معالجاتهم وهو الاتجاه الذي يدعم الاستقرار العام ومسيرة التقدم والتحديث...

إنّ استيعاب هذه الدروس، يمثل المقدمة الأهم لتوسيع الحريات الإعلامية والصحافية. فحيثما تعمّدت الثقة بين الطرفين (السياسي والشعبي) وحيثما مُدَّت الجسور بين الضفتين كان الإعلامي في موقع أفضل من جهة أدائه مهامه ومن ثم في حصوله على حريات أوسع في ممارسته مهنته، بسبب عامل الثقة والاطمئنان الذي توفره أجواء الروح المهني الصادق بين جميع الأطراف..

إنَّ الوصول إلى هذه الآلية في العلاقات الوطيدة من جهة وتحقيق أفضل أداء مهني بتمام الموضوعية والمصداقية هو ما يدعم فرص حريات عمل صحفي وإعلامي أكبر وأوسع. وهي مهمة تنتظر روح المبادرة من المخضرمين والبرامج المناسبة لتلبية هذه المهام مع إشراك جهاز إعلامي وصحافي متكامل يحتضن حتى الصحفي المتدرب والعامل بالقطعة والمستجد في هذه المهنة..