كوردستان بين قضايا تقرير المصير والنضالات المطلبية  1

أ.د. تيسير عبدالجبار الآلوسي

باحث أكاديمي في العلوم السياسية

رئيس جامعة ابن رشد في هولندا

tayseer54@hotmail.com

 

(1) الهوية المخصوصة لكوردستان وشعبها

نضال شعب كوردستان في العصر الحديث، يمتد بعيدا إلى عمق ولادة الدول الإقليمية والاتفاقيات الدولية التي وعدت بتحقيق مطلب تقرير المصير الذي تمّ التراجع عن صيغة الدولة والتعاطي مع صيغ الخصوصية في العلاقة مع بينة الدولة الوطنية متعددة المكونات والأطياف... ولظروف تاريخية معروفة انصبّ النضال القومي التحرري على مطلب الفديرالية استجابة بحدها الأدنى للهوية المخصوصة لكوردستان...

وفي إطار الدولة العراقية، كسبت نضالات شعب كوردستان صيغة الحكم الذاتي.. وفي ظروف لاحقة  وبانعتاق العراق من حكم الطاغية الدكتاتوري وُلِدت صيغة الفديرالية وتم تثبيتها في اختيار شعبي للدستور العراقي الدائم.. ومع ذلك لابد من التأكيد هنا على أنّ الأوضاع ما زالت تعاني من معارضي الفديرالية من جهة ومن ضغوط محلية وإقليمية على شخصية كوردستان وهوية الإقليم وخصوصيته..

فنحن نلاحظ تلك القوى شوفينية الخلفية؛ هنا تحديدا لدى قوى قومية عروبية من تلك التي مافتئت تحيا ماضويا، ونحن نشهد تأثيرات ثقافتها الأحادية وسلوكياتها العنصرية ونظرتها الاستعلائية الفوقية ميدانيا، إذ مازالت تلعب دورها التخريبي في التعاطي مع الخيار الشعبي (لجناحي الوطن من كورد وعرب) في الاتحاد الطوعي الاختياري الذي يحترم في جوهره خصوصية الهوية لإقليم كوردستان وفي كفالة حقوق شعب كوردستان الثابتة..

والمتابع لا يغفل الاعتداءات التي باتت شبه يومية على حدود العراق الفديرالي الجديد، مع تركيز أساس بمجمل هذه الاعتداءات على حدود إقليم كوردستان ومدنه وقراه وشعبه بشتى الحجج والذرائع التي لا يقبلها قانون دولي أو إنساني.. فضحايا العمليات العسكرية دائما هم المدنيون الأبرياء العُزّل ممن لا علاقة لهم بسلاح وبمعارك ولا بأي شكل من أشكال العنف.. إذ هم منشغلون مع تعقيدات حيواتهم ومطالبها، ويكافحون من أجل لقمة العيش الصعبة فضلا عن مجابهة نتائج التخريب والهدم والتدمير للفعاليات الحربية المستمرة التي تطاول دوما المدارس والمستشفيات والبيوت (الآمنة) والحقول والمواشي والثروات البسيطة التي يملكون...

وبصرف النظر هنا عن مجريات الاعتداءات وجوهرها في محاولة ترحيل أزماتها في التعاطي مع قضية تقرير المصير والاعتراف بحقوق شعب كوردستان في أجزائها المتعددة، فإننا ينبغي أن نؤكد أن مثل هذه الاعتداءات المسلحة تبقى أدوات ضغط على التجربة الفديرالية وجزئية تحاول وقف نموها وتطورها لمصالح أبناء الإقليم.. وهي محاولة لمنع تأثيرات نموذج الفديرالية واتساع دوره الإيجابي أبعد من حدوده... على أن عنف الضغط الخارجي لا يقف عند حدود العمليات العسكرية حسب بل هناك وسائل ضغوط كثيرة أخرى في مجالات اقتصادية وسياسية وبيئية وغيرها...

فما الحلول التي يمكنها وقف هذه الضغوط الداخلية منها والخارجية؟

إن قراءتنا هذه ليست إلا ومضة  موجزة لاقتراح في إطار الحل. إذ لابد مبدئيا من التعاطي مع الثقافة الشوفينية الاستعلائية بخطط ملموسة من عمليات التعبئة الشعبية عبر قنوات الثقافة القومية التحررية المتنورة التي ترفض ضيق الأفق القومي وتوقف ظاهرة المغالاة في إبراز العزلة و\أو وضع شعب الإقليم في تعارض وانفصام عن مجمل المسيرة الفديرالية عراقيا.. ومن المفيد هنا الإشارة إلى صواب سياسة رئيس الإقليم السيد مسعود بارزاني والحركة التحررية الكوردية في إصرارهما على توكيد خيار الاتحاد الفديرالي في إطار العراق الديموقراطي الموحد إبعادا لشوائب التحريض التي تحاول إثارتها جهات مغرضة...

ومن المفيد أيضا توكيد صواب سياسة التعبئة بمهرجانات الثقافة الوطنية (الأممية) الجوهر تلك التي تحتضن أطياف الشعب العراقي كافة وتبرز وحدتهم وتعزز النهج الفديرالي وتفاعلاته وطنيا وإعلاميا تعلو السمات الإيجابية لهذا التوجه وهو ما يضفي الصحة وفرص التقدم بإنضاج التجربة الكوردستانية وهويتها المخصوصة بوساطة الفعاليات السلمية ومسيرتها ومراكمة مفرداتها المنتظرة المؤملة..

أما على المستوى الإقليمي والدولي، فإن سياسة الإقليم ما زالت تحتفظ بحيويتها من منطلق الاحتفاظ بهدوء وتوازن لخطوات الفعل ورد الفعل في مجمل مجريات الأوضاع التي تتعرض للإقليم من تلك الضغوط العسكرية والاقتصادية والسياسية...  ومع ذلك يتطلب الأمر هنا مزيدا من تفعيل أدوات الحوار والتنسيق مع قوى التحرر الكوردستانية من منطلق التحالفات القومية التحررية بيها والنظرة البعيدة لمصالح كوردستان التاريخية بأقسامها وأطيافها كافة.. وكذلك البحث في برامج عمل مشترك ترعى الحقوق القومية ومطالب الهوية من أبسطها من تلك المتعلقة بالاهتمام الجدي المسؤول باللغة الكوردية وحتى تلك الحقوق السياسية الأبعد والأعمق...

ومن الطبيعي أن يكون هذا بحساب المصالح العليا للكوردستانيين جميعا من دون التضحية بالمنجز في كوردستان العراق؛ ومن دون تعريض التجربة الفديرالية لأية ضغود قد تنجم عن إغفال التوازن المطلوب والمشروع بين المعطى السياسي القومي من جهة والمعطى الدبلوماسي في العلاقة مع دول المنطقة والجوار بطريقة تهزم مشروع الاعتداءات المسلحة وتوقف أفعاله التخريبية من جهة وتحيي الطرق الدبلوماسية وتفعِّل مسيرة الحوار السلمي البناء.