صلات العراق بمحيطه الإقليمي

وقائع الوضع الراهن وآفاقه المستقبلية

2 - 3  

العلاقات التجارية والاقتصادية ومعطيات تداخلاتهما

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

2003\  12 \  10

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

في قراءة العلاقات بالمحيط الإقليمي كنّا مررنا على الصلات عبر بوابة الإعلام ودور ذلك على تحديد شكل العلاقة.. ولكن من البوابات الأخرى المهمة في انتماء العراق إلى محيطه عوامل التبادل التجاري والاقتصادي, وهو عامل حيوي مهم إذ لا يمكن في عصر العولمة وتداخل الفعاليات الاقتصادية وتكاملها أنْ يحيا بلد بمعزل عن محيطه الإقليمي من جهة وفي حالة من الانفصام وحتى التنافر مما يحصل أحيانا. وعلينا أنْ نبحث في الممكنات الموجودة لدينا في أو عبر هذا الانتماء. 

فلدينا مسالك لتصدير خاماتنا ومنتجاتنا عبر موانئ المتوسط والأحمر وهي عند الجارين سوريا والأردن, وكذلك تركيا من باب التنويع والتعدد والابتعاد عن الوقوع تحت تأثير تفرّد جهة إقليمية بمنافذنا التجارية. ومن جهة أخرى فإنَّ هذا المحيط فيما يخص المنتج العراقي الصناعي أو غيره يعدّ أفضل سوق ممكن على أساس من تبادل المصالح وعلينا قراءة واقع هذه السوق وطبيعتها عندما نرسم لأنفسنا خططنا الاقتصادية الجديدة. وأنْ نأخذ بالحسبان هذا المحيط وطبيعة الانتماء والافتراضات المحتملة لصلاتنا بالمحيط..

وينبغي تذكر ما للسياسة من أدوار سلبية كثيرا ما عرقلت تلك العلاقات وأثرت سلبا عليها حيث كانت تُقطَع العلاقات التجارية في ظروف انقطاع العلاقات السياسية أو الدبلوماسية! وعلينا الاحتياط لمثل هذه المصيدة ولاحتمالاتها السلبية. وإذا كان صحيحا كون المعادلة تميل في ثقلها لصالحنا في عديد من الأحوال إلا أنَّه من الصحيح أيضا أنَّ تلك المعادلة لم تكن كذلك دائما وهي عامل ضغط علينا مثلما هي لنا.

ولكنّ الفرص الجديدة المتاحة تكمن في التبادلية التي لا تخضع للقراءة السياسية المحضة, ولكنَّها القراءة المتكاملة مثل مسألة السياحة الدينية فنحن نعرف ما للعراق من مكانة روحية في نفوس محيطنا الإقليمي فزيارات المراقد المقدسة أمر يمكنه أنْ يجلب استقرارا إقليميا عبر الصلات الناشئة عن مثل هذه الاهتمامات. ومن الأمثلة ما لايتعلق بالمزارات الإسلامية السنية والشيعية بله والمسيحية واليهودية والأخيرة يمكنها أنْ تكون رسالة سلام جوهرية وأساسية وهي في الوقت ذاته رسالة ضغط فبعد إعداد مثلا منطقة العزير للزيارات وتجهيزها اليوم قبل الغد نضع الكرة في ملعب القوى الإقليمية التي ترفض الخضوع لقرارات الأمم المتحدة ومنطق وقف السياسات العدوانية وتعزيز التعايش السلمي.. وستجلب هذه الخطوة مزيدا من دفع قوى السلام في المجتمع الإسرائيلي لتضغط باتجاه مجئ حكومة تلتزم بالحقوق المشروعة شللشعب الفلسطيني ولشعوب المنطقة وإبعاد شبح الحروب والتهديد وما إليها من كوارث...

إنَّ الاستعداد لمستقبل وحدة الإقليم على أسس السلام ومنع قوى الحرب والاستغلال واستلاب الحقوق من التواصل هو أمر جوهري لعراقنا في صلاته الجديدة وفي دوره الإقليمي الجديد. وبالعودة إلى انتماء العراق الإقليمي لم نجد من العراق على مدى تاريخه الحديث إلا التفاعل الإيجابي الذي قدَّم فيه أبناؤه أغلى التضحيات من أجل قضايا قومية وإنسانية كثيرة ولكنَّ طبيعة المشاركات إذ يمكن أنْ تختلف اليوم وتتجه اتجاها سلميا بنّاء لن يعني تخلي العراق عن انتمائه الإقليمي وتفاعله مع القضايا التي تجابه دول المنطقة وشعوبها.

ففي الوقت الذي نسعى لتأمين السلام لشعبنا والأمن لا نتردد لحظة عن التوافق والعمل من أجل ذلك لكل الإقليم وفي الإطار إدانة أعمال الهمجية الوحشية التي تُمارَس يوميا ضد الشعب العربي الفلسطيني من قبل الآلة الفاشية للحكومة الإسرائيلية السبب الرئيس لاستمرار العنف في فلسطين عبر استمرار تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني ولكل قرارات الأمم المتحدة ومنها القرارات التي مضى عليها اليوم ما مضى على حكم الفاشية في العراق من زمن. وقد انتهى حكم الطغاة في العراق ومنطقهم الدموي وهو ما نتطلع ليكون مقدمة لانتهاء كل أشكال العنف والمصادرة في منطقتنا...

ولكن من غير المنطقي أنْ يتوقع حكيم تدخل العراق في المشاكل الإقليمية بالصورة التي كانت عليها في الظروف السابقة فلقد جرت متغيرات عميقة على آليات العلاقات الإقليمية وكيفيات تناول المشكلات والمعالجات القائمة حتى منها ذات الجذور التاريخية.. وعليه فستراتيجيتنا التي نرسمها اليوم لمستقبلنا ينبغي أنْ تقوم على تلك المتغيرات من جهة وعلى مصالحنا الوطنية أولا  ثم مع حالة  ترابطنا مع الوضع الإقليمي ومع انتمائنا إليه...

ومن الطبيعي أنْ يكون تفكيرنا قائما على أنَّ أرضية ركائزنا الاقتصادية لا يمكنها التطور من دون هذه الارتباطات والتداخلات الإقليمية. مع الأخذ بعين الاعتبار قضايا تخص أمننا الوطني وطبيعة النزاعات والقوى المنافسة على الصعيد الإقليمي.. ومنطق الصراع الذي حكم المرحلة التاريخية السابقة؛ وما يُتوقَّع لهذه العلاقات والصلات اليوم وفي المستقبل القريب والبعيد. لأنَّ مثل هذه التقويمات هي المقدمة الضرورية بل الحتمية لكي نضع السياسة التجارية والاقتصادية الصائبة لبلادنا...

وعليه كان من المفترض العناية بمدّ الطرق والخطوط المواصلات والاتصالات الستراتيجية من السكك الحديد والموانئ البحرية والجوية الضرورية للمستقبل المنظور والبعيد. وبخلافه لايمكن أنْ نؤسِّس لستراتيجية صحيحة على أي مدى كان .. بمعنى أنْ تكون مشاريعنا موصولة ولو افتراضيا بوضع الخطط وتنفيذ ما يمكن تنفيذه استعدادا لفرضياتنا السلمية في التعايش بين دول الإقليم وشعوبه ووحدة قواهم, بخاصة هنا القوى المؤهلة تاريخيا لمثل هذا التنسيق وتضافر الجهود ووحدتها كذلك.. أخص هنا البلدان العربية بالمدى الذي تسمح به طبيعة العلاقات والصلات من امتداد لخططنا الاقتصادية والإفادة من المتاح لنا إقليميا ..

إنَّ العناية بشعبنا ومصالحه لا يمكنها قطعا أنْ تعني الانعزال عن محيطنا والقطيعة مع دول الجوار .. ولن ينبني منطق مصالحنا على أسس السياسات الضيّقة التي قامت عليها في العهود المنصرمة.. من هنا فإنَّ مبدأ الانتماء الإقليمي في خطة العقل الاقتصادي العراقي هي قضية مبدئية جوهرية تنتصب أمام مخططي السياسة الاقتصادية والتجارية العراقية. وعلينا أنْ ننسق مع خطابنا السياسي لكي نبعد آليات العمل الاقتصادي عن مؤثرات العلاقات السياسية بخاصة في ضوء قراءات خطاب الدبلوماسية لدول الإقليم وما تعتريه أحيانا من اختلاف في الرؤى ولكننا ينبغي أنْ نسعى لمنع استفحال الاختلاف وتحوله إلى الخلاف والتصارع والاحتدام حدّ القطيعة ما يؤثر سلبا على خططنا الاقتصادية..

إنَّ خطابنا الجديد هو الذي ينبغي له قيادة أو تأكيد منطق التعاون واللقاء وحلّ الإشكالات والسجالات بموضوعية وروح سلمي ومن أجل توطيد وحدة دول الجوار وتعايشها بمفردات تعود إلى كلّ حالات الوحدة واللقاء التي جرت تاريخيا وقطع الطريق على عوامل التنافس السلبي والقوى النازعة إليه.. 

 

 

 

Website :   www.geocities.com/Modern_Somerian_Slates

 

1