حول موظفي سفاراتنا وممثلي الدبلوماسية العراقية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2005  09\ \27

E-MAIL:  tayseer54@hotmail.com

 

يتحدث عراقيو المهجر وهم بالملايين عن جديد السفارات العراقية بعد هزيمة سلطة الدكتاتورية وتحويلها من أوكار مخابراتية ومافيوية لمطاردة العراقيين الشرفاء واصطيادهم واستهدافهم في مقتل إلى منتديات لخدمة مصالحهم من جهة في أعمالها القنصلية وإلى راية خفاقة لتمثيل الهوية الجديدة للدبلوماسية العراقية.. وهكذا جرت عمليات التغيير الجذري على قدم وساق منذ اللحظة الأولى.. وسارت الأمور حيث ينبغي وحيث يريد العراقيون..

وهو الأمر الذي تـُثمَّن عليه وزارة الخارجية وقيادتها الذكية الواعدة.. كما يُشكر عليه أولئك الذين تقدموا الصفوف وكانوا في اللحظات الأولى لعمليات التغيير والتطهير.. وهي لحظات حبلى بكثير من الصعوبات والعراقيل سواء منها تلك المتعلقة بظروف موضوعية محيطة أم بتلك المبنية على العوامل الذاتية المرتبطة بالإمكانات المتاحة عمليا..

ومع ذلك فقد شرع الدبلوماسيون العراقيون لأول مرة على الرغم من إمكاناتهم الضيقة المتاحة بين ايديهم، للعمل المتصل من أجل تفعيل الدور المؤمل والمنشود فيهم.. ودعمت الجاليات العراقية تلك الأنشطة الحيوية قنصليا ودبلوماسيا.. وبكل محبة احتضن العراقيون سفاراتهم وراحوا يذودون عنها.. بطرق متنوعة متعددة..

ومن ذلك عمليات التقويم والنقد البنَّاء وتصويب ما يرونه من ثغرات غير مقصودة أو أخطاء تحصل في ظروفنا المرتبكة وهي تنطلق في أجواء محيطة مركبة ومعقدة.. فعديد من دول إقليمية وأخرى جهات دولية ما زالت تتعامل معنا من منظور الأمس وبناء على التداعيات التي حصلت فيه.. وبعضها ما زال يتصرف من منطلقات ثأرية غير موضوعية...

وعلينا هنا رفع راية دبلوماسية ذكية قادرة على وقف الإنجرار وراء المحاولات المبطنة لسحبنا إلى حيث مطامع وأحابيل إقليمية ودولية خطيرة. ومن هنا سيكون لنا دبلوماسيون ومسؤولون في إطار جالياتنا أن ننسق أمورنا وأن نتعاضد على قاعدة التعرف إلى أفضل الوسائل الناجعة لتبادل المعلومات الوافية ولتحديد توجهاتنا الصائبة والدقيقة في التعاطي مع الأوضاع المحيطة..

علينا هنا الاحتياط في مسائل الخصوصية والسرية المرتبطة بالعمل البدلوماسي ومنع تداول الأمور الجوهرية أو المهمة أو ذات الطابع الخاص إلا في الحدود المنتظر من ورائها عملا محددا مقصودا من الدبلوماسي العراقي النابه لما ينتظره من مردود في نشاطه المحدد..

إنَّ من الأهمية بمكان ألا ينفتح الدبلوماسيون بطريقة عمل الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني وأن يكون لهم خصوصيتهم ولا نقول عزلتهم بالمرة فقد انتهى زمن العزلة والعمل المخابراتي وصرنا إلى العمل الدبلوماسي الصرف...أما في العمل القنصلي فإن تشكيل مجالس الجالية والتوجه إلى تقديم كل الخدمات المنتظرة سيكون أمرا منتظرا ومؤملا في العمل القنصلي الذي صار يجري اليوم لمصلحة العراقي أولا وآخرا، بعد أن كانت بالأمس القطيعة بين جمهور العراقيين من أبناء الجاليات المهجرة والمنفية من وطن مستلب وبين القنصليات جلية ملموسة...

أودّ اليوم القول بأننا ينبغي أن نتخذ طريق المعالجات البناءة الموضوعية والنقد الذي يشد من أزر دبلوماسيينا وموظفينا المخلصين.. ويحاسب المقصرين بخاصة عندما يكون الأمر عن عمد وتقصد.. كما يحصل في احتجاج عدد من أبناء جالياتنا في بعض البلدان على أفراد من طواقم الأمس المخابراتية والبعثفاشية.. وعلينا الانتباه إلى الحقائق الصادقة الدقيقة وليست القائمة على لغة الاتهامات الساذجة من أجل تطهير بيوت العراقيين في مهاجرهم أي السفارات العراقية من تلك البقايا...

وهنا نحن بحاجة لتعاضد الجهود وتدقيق الأمور وانفتاح موضوعي للتعاطي مع الحقائق وليس مع الأهواء ولكي لا نفسح مرة أخرى أية فرصة لعودة حالة كتّاب التقارير والانتهازيين.. فإذا كان الاختراق الأول ممكن داخل أسوار بيتنا وسفاراتنا العراقية فإن الاختراق الأبعد يكمن في أولئك الذين أشرنا إليهم بتوصيف كتّاب التقارير، وهؤلاء يندسون بأفاعيلهم الخطيرة التمزيقية وغدا باحتلالهم مواقع لا ينبغي أن نوافق على تصديهم لها في زمن وضع الشخص المناسب في المكان المناسب..

ومن هنا ينبغي أن نطمئن بهدوء البال إلى ما نحن بصدده فنحن لن نسطيع أن نبني كل شئ مرة واحدة ولن نسطيع تطهير البيت مرة واحدة وهذا لا يربكنا وبكل هدوء نمضي إلى منجزات إيجابية تدريجا.. ويد واحدة لا تصفق ولكن تلك اليد ينبغي أن تظل نظيفة طاهرة وهو ما يمكن تأمينه بفضل العمل الجماعي التعاوني وبفضل أعمق شفافية وأوسع  سلوك ديموقراطي هو بديلنا عن حالات اختراق الانتهازيين لنا وكتّاب التقارير..

على أننا نشدِّد هنا على ضرورة منع التعاطي مع ظاهرة القال والقيل وروح الاتهام المرضي غير المستنِد إلى دليل وأن نمضي في طريق تعزيز العمل المؤسساتي وقطع دابر التصرفات الفردية.. والتحكم بالعمل القنصلي أو الدبلوماسي بطريقة الفردنة والشخصنة وبطريقة لاتنم عن خبرات العراقيين المتمدنة المتحضرة التي تنتسب لعمق معرفي بعيد..

وأبعد من هذا وذاك علينا هنا في مهاجرنا أن نوقف حالة التعاطي مع القوى التقسيمية الطائفية وأمراضها وأن نمنع صعود أطراف انتهازية كما جرى في الوطن حيث الاختراق يصل أعلى المستويات في حين نحن نحيا في كنف دول ديموقراطية وأجواء هي أداتنا الصحية المكينة للتصدي لمحاولات اختراقنا هنا..

ومن ذلك أن يجري تشكيل مؤسساتنا الرسمية على أسس موضوعية تلتزم المعطيات المؤسساتية الديموقراطية كما هي الأحوال في محيطنا الأوروبي.. وبخلافه سيكون الأمر مجرد تعامل مع عناصر تخريبية وسياسات معادية لتمثيل العراقيين أو هي ضرب وطعن في مصالحهم!

ومع ذلك ففي هذه الموضوعة تجدر الإشارة إلى أننا حين نمدح موظفا في عمله فإننا نكافئ طاقم السفارة والقنصلية كاملة لأن تقريض الموظف ومديحه إنما يجري في ظل إدارة حكيمة ومرؤوسية رشيدة، كما إن الثناء على موظف قنصلي أو دبلوماسي لا يقدح في الآخرين بل يحثهم على التفاعل بمزيد من المثابرة.. ونعتقد هنا أنه من الصحيح توظيف المكافأة والمحاسبة لتطوير أعمالنا..

ولا نجد أن الطعن في موظف أو قنصل أو سفير يمثل أسلوبا موضوعيا لتعديل الأمور ولكننا بصدد اشتراع وسائل موضوعية هادئة في معالجة أمورنا بدعم الإيجابي وتقويم السلبي إلى درجة اقتراح البدائل الجذرية وهي البدائل التي قد تزيح شخصا عن مسؤوليته بسبب ليس من خيانته بل من تقصير غير متعمد أو خطأ ناجم عن ضعف في الخبرة أو حتى عن أحابيل أو قد يكون عن نقص في المعلومات والموارد والإمكانات..

ولهذا فإن التغيير المقترح ينبغي أن يكون دقيقا في أسبابه ودقيقا في خياراته وبما يخدم المجموع ويخدم الشخص نفسه لا أن يحطمه فليس من قصد العراقيين تحطيم عراقي لاخفاقه في أداء واجب  لسبب قد يكون خارجا عن إرادته..

ينبغي كذلك التأني في الأحكام وترك اللوائح والقوانين تأخذ مجراها لا القرارات الفردية النزعة أو ذات الأرضية التخريبية الانتهازية.. وينبغي ألا نتجه إلى طريقة التعاطي مع النواقص والثغرات بطريقة استغلالها للتنازع على مسؤولية فلم تعد المسؤولية اليوم كرسيا أو جاها يصطرع عليه أناس مرضى بل ستصير قيما ومبادئ نؤصِّل لها في العمل الجمعي المؤسساتي..

بملخص القول: إن أنشطة سفاراتنا يجب أن توظف التعاطي مع الجاليات إيجابيا وبطريقة موضوعية تنفتح على الجالية من جهة وتمتنع على الاختراقات السلبية المرضية.. وعلينا بدورنا أن نمنح السفارات والقنصليات دعمنا في ظرفها الدقيق الحالي وأن نتفاعل إيجابيا أي بتحسين الأداء نوعيا لا بالتقاطع.. وأريد هنا تثبيت الثناء لمواقف عدد من سفرائنا بإيجابيتهم في التعاطي مع الحلول والمقترحات المقدمة من أبناء الجالية.. ولعلهم يمضون إلى تطوير التفاعل المعطاء الذي يفرز الأفضل في نهجنا القنصلي والدبلوماسي..

وسيكون من الخطأ التساهل مع حالات اختراق تقسيمي لقوى الطائفية من جهة ولعناصر انتهازية ومريضة من جهة أخرى.. وهذه من المقدمات التهديمية التي لا تعيدنا إلى المربع الأول بل تحيلنا إلى أوضاع اسوأ من سابقاتها.. وسيكون مما يُذكر لمسؤولي الدبلوماسية العراقية الرياديين اليوم أنهم سيوظفون أنشطتهم في العمل الدؤوب المتصل في المراجعة والتنقية للأجواء وتطهيرها..

وأكثر إشاراتي هذه للعمل في الإطار الأوروبي بسبب من ظروف العمل الإقليمي المحبط أو الضعيف الذي يتطلب جهودا نوعية مختلفة بينما هنا في المجال الأوروبي لدينا الكثير من الفرص المناسبة للارتقاء بمهامنا لمستوى المسؤولية..

وبالأمس كنت مررت على حالة العمل في إطار سفارتنا في هولندا وكنت أثنيت على أركان السفارة ورأس العمل الدبلوماسي فيها وما زلت هنا اليوم مجدِّدا تحيتي حيثما وجدت انسجاما من أطراف العمل الرسمية لخدمة الجالية قنصليا ولإعلاء شأن الدبلوماسية العراقية وتطويرها وعدم الركون للنجاحات الأولية في الانفتاح والتفاعل مع الجالية، بل تطوير ذلك وتعزيزه [وتنقيته من بعض ما اشتكى منه عراقيونا من مثل منع بعض الموظغين لعدد من أبناء الجالية ومطالبهم من الوصول إلى أركان السفارة] والقصد الأبعد يظل في التنقية الأشمل والأعم..

وبخلاف عمليات التنقية والتطهير قد يصادفنا تحول في النتائج. و أثق هنا بحنكة أركان السفارة في التعاطي مع الأمور بروح وطني نزيه من جهة وبآفاق من التصدي لأية اختراقات محتملة طالما كان وراؤنا أبناء شعبنا ونحن بينهم في السير نحو أفضل ما يتطلع إليه العراقي في غربته ووحشتها ومصاعبها.. وما يتطلع إليه العراقي عامة في دبلوماسية كفوءة ناجحة تعيد إلينا مكانتنا وتضعنا حيث الشمس التي كانت حضارتنا لآلاف السنين صانعة لها...

لنتأكد من موضع أقدامنا ودقة مسارها وموضوعيته ولنتأكد من أحكامنا ولنتجه إلى ما نرومه من خير ومن مقاصد عراقية وطنية تضم الجميع؛ عراقيين نبلاء يسيرون لخير كل عراقي: عربيا كان أو كرديا أو كلدانيا أو أرمنيا ، مندائيا أو ايزيديا أو مسيحيا أو مسلما أو يهوديا.. وجاليتنا هنا تحتضن كل هذه الأطياف وهي جديرة بتمثيل أفضل مسالك البناء والتقدم والاستقرار لعراق التعددي الديموقراطي الفديرالي الموحد الجديد..

وتحياتي العراقية الصميم الصادقة لجميع عراقيينا ولجميع دبلوماسيينا وموظفينا وسنكون معا من أجل خيرنا وتقدمنا وسويا من أجل الأفضل...