ما ينتظرنا من مسؤوليات ومهام لبناء عراقنا الجديد

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  07 \08

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

القسم الثالث: المهام والمسؤوليات السياسية

 

عراقنا جديد في كل شئ على الرغم من ترابط حلقات الزمن والفعل الإنساني وأنشطته.. وعلى الرغم من أنَّنا لا نبدأ من الصفر بل نمتلك خزين آلاف من سني الحضارة وعقودا من زمن الفعل المتمدن وتراكمات الخبرة المعاصرة في مناحي الحياة كافة, إلا أنَّنا في الحقيقة نظل بحاجة لقراءة جديدنا ومتطلبات مجابهة ما يفرضه علينا من مهام ومسؤوليات من أجل تجاوز أكيد لمشكلات تجابهنا اليوم...

وإذا كانت الحياة تسير بخطوط لولبية متداخلة ومعقدة فإنَّ ما ننظر إليه في وضعنا العراقي الجديد هو أكثر تعقيدا حتى من هذه العبارة الشائكة المعنى.. وهو من ثمَّ ما يحمّلنا مزيدا من التدقيق المنتظر في أوضاعنا القائمة. وعليه فإنَّ أولى مهامنا السياسية ستكون مسؤولية جمعية قبل أنْ تكون مسؤولية جهة أو فئة أو قسما من شعبنا..

وهذا الأمر ينطبق على القوى المنظـَّمة ومؤسسات مجتمعنا المدني كما ينطبق على كل فرد عراقي في لحظتنا الراهنة حيث انقضى زمن "الشعلينة لازم" وكل فرد عراقي يمارس دور الحياد السلبي هو إضافة أكيدة لزعزعة أوضاع البلاد وللتأثير المباشر على ذياك الفرد بسبب من الرصيد الخطير الذي يصبونه في بهذه السلبية في صالح القوى العنفية المسلحة وقوى الظلام التي تريدنا نسير وراءها مغمضي العيون...

فمن ينهض بتثوير الطاقات الكامنة؟ ومن ينهض بمسؤولية جذب الجمهور المحبط من إمكان المشاركة الفاعلة في القرار السياسي الوطني العام؟ ومن يمكنه تحريك البركة الراكدة التي صنعها الدكتاتور المتفرد بعمليات الإقصاء والإبعاد بوسائل لهوه الجهنمية التي مارسها وهو يمتص دماء الأحرار الذين رفعوا أصواتهم بوجه سياساته القذرة؟!!

 

لعل كل قوة سياسية عراقية متجذرة واسعة أم جديدة ناشئة يمكنها العمل الحقيقي فقط في إطار من الاتصال الجماهيري والانفتاح على الرؤى كما هي عليه في تعبيرات ابن الشارع وليس في فذلكة التنظير المنعزِل عن الواقع.. وهو ما يُنتظـَر من القوى الوطنية حيث التمرينات الجدية للممارسة الديموقراطية.. والبداية من التغيّر الداخلي في جوهر سياسات الأحزاب والمنظمات والتخلي عن طرق الأمس الكلاسية الغليظة سواء منها المسوَّغة التي استدعتها ظروف الأمس والعمل في ظل أجواء الطغيان وحكم الحديد والنار والقلق من الاختراقات الأمنية للأجهزة النظام البوليسية أم غير المبررة المرضية التي ينبغي استبعادها من فلسفة العمل الجديد...

نحن بمجابهة تغييرات كثيرة في معطيات عملنا التنظيمية من جهة وفي معطيات صلاتنا الجماهيرية.. ونحن بحاجة لمراجعة أكيدة لتفاصيل شعاراتنا وبرامج عملنا والآليات المتبعة في معالجة إشكالات الواقع الجديد.. ومن الطبيعي أنْ تشهد الحال السياسية هذه عميق التغييرات في ضوء انزياحات الواقع وتداخلاته...

وبجملة القول ينبغي التوكيد على الآتي من المهام والمسؤوليات:ــ

1.      تفعيل العلاقات الجماهيرية وتوسيع العمل التنظيمي للأحزاب والمنظمات والجمعيات والمنتديات الثقافية والأدبية والشخصيات الوطنية بمغادرة أشكال العمل السري السابق المتحفِّظ في حركته والانفتاح على الطريقة الديموقراطية البرلمانية ومن الضروري عقد المؤتمرات المفتوحة والندوات المنتظمة مع أوسع ملتقيات الجمهور ...

2.      تفعيل العمل التعبوي بين فئات جمهورنا العريض عبر منافذ الإعلام الحر الجديد... بتوظيف وسائل الإعلام المتاحة وطبيعة الحريات التي امتلكتها حديثا... ولابد هنا للحكومة الجديدة من تنشيط فضائيتنا الوطنية من جهة ودعم النشر الصحفي والمطبوعات الدورية وغيرها من أشكال الاتصال الإعلامي الحديثة, ومن ذلك على سبيل المثال توسيع استخدام شبكة الإنترنت وجعلها في أوسع مساحة استعمال...

3.      تعزيز التفاعل مع المنظمات الثقافية وحركتها التنويرية التثقيفية والتعويل على مساهمتها الفاعلة من نمط تحريك المسرح والفنون الجميلة والسينما وما إليها من جمعيات ومنتديات متخصصة...

4.      من الطبيعي البحث في أفضل آليات انتصار الفكر الديموقراطي وإعادة الحيوية المناسبة لدوره الحقيقي في الحياة العامة بعد طغيان القوى الإرهابية المسلحة ومحاولتها سرقة نتائج إزاحة الطاغية الدكتاتور من مسيرة شعبنا...

5.      ولابد هنا من تفعيل إطار تحالفي تنسيقي بين القوى الشعبية الوطنية وحتى تلك القوى الأخرى التي يمكنها على أقل تقدير التفاعل مع خصوصية مهام المرحلة الوطنية الحاضرة وتمتلك البرامج الجدية الصحية الصائبة لنشر الفكر التنويري...

6.      تحديد أهداف المرحلة القريبة وتعيين وسائل العمل في إطارها وهنا لابد من تفاعل جميع الرؤى والبحث في القواسم المشتركة من دون أنْ نجعل من تلك القواسم تمييعا لخصوصيات القوى وممثليها من الحركات والأحزاب وبرامجها السياسية الخاصة أو اعتداء على استقلاليتها الأيديولوجية أو التنظيمية أو السياسية...

7.      وعلينا بعد توفير الأرضية التنظيمية التي لا تقوم على تكوينات حزبية معزولة, أنْ نقوم بتشكيل مجالس وتكوينات عملية للسلطة المحلية في المدن والمحافظات وعلى المستوى الوطني بخاصة وجود مرجعية برلمانية الهيأة لتكون حارس نظامنا الديموقراطي الجديد.. فنحن في مرحلة تغييرات جذرية [ثورية] عميقة ما يعني إتاحة أوسع الفرص لاستيعاب تلك المتغيرات ومتابعة متطلباتها وهنا يلزمنا التوافق مع التغيير بعدم انتظار أنْ يأتينا كل شئ من الحكومة أو من أعلى أو أنْ تمارس قوة باسمنا السلطة بل علينا أنْ نبدأ السلطة من تحت من أدنى من القواعد حيث مجالس الحكم الأهلي أو المدني البلدي...

8.      منع سطوة أو سرقة نظامنا المؤسساتي بتفرّد قوة أو فرد أو جهة حتى لو كانت الجهة زاعمة تمثيل الأغلبية طالما كانت نتيجة ذاك الادعاء وتلك الممارسة حرمان الأقلية من حقوقها تامة كاملة واستبعادها عن دائرة القرار إذ الحق التأصيل للتداولية والتعددية التي تلائم التنوع والاختلاف وإقرار الحقوق الإنسانية الأساسية للجميع ...

9.      القيام بحملات عمل وطني مشتركة تنفتح على القوى الإقليمية والدولية التي ترى أغلبية قوانا صحة مبادلتها العلاقات التضامنية وتبادل المصالح المشتركة معها بما يعزز من مسيرتنا نحو ترسيخ مفرداتنا البرامجية الوطنية الديموقراطية...

 

ويظل بعد ذلك من المهم التأكيد على حقيقة خياراتنا لمؤسسات حكومتنا الجديدة أو السلطة الوطنية وتقسيماتها الإدارية فمن الضروري القول هنا: إنَّ العراق الجديد لا يمكنه بأية حال من الأحوال التخلي عن تشكيله بوصفه أمة بالمفهوم السياسي بما يمنحه "راهنيا" الوحدة الوطنية بكل أطيافه ومكوناته من عرب وكرد وكلدوآشور وتركمان وكل المكوّنات الأخرى التي عادة ما يسمونها الأقليات القومية والدينية وهي في الحقيقة مكونات لها وجودها المعنوي الأدبي الكامل الذي يمنحها حقا غير منقوص بخصوص هويتها واستقلاليتها في ممارساتها وطقوسها أي بخصوص الوجود اللغوي والثقافي والإداري وما إليه..

وعليه فإنَّ خيار الفديرالية القائم على احترام كل هذا التنوع الموجود واقعيا في الأمة العراقية أمر يظل جوهرا للتأسيس الصحيح الصائب لعراقنا الجديد ولا يمكن التخلي عن النظام الجمهوري الفديرالي بمؤسساته الديموقراطية التي تتخذ من التعددية والتداولية طريقا لا عودة عنه ولا تلكؤ متردد في سلوكه وخوض غماره...

إنَّ كل مفردة من تلك التي وردت بخصوص تشكيل السلطة الوطنية لابد أنْ نضعها في مسار التنفيذ والممارسة ولا يمكن التهاون في مفردة منها لأنَّها تأتي بقصدية تحقيق التوجه الديموقراطي ورفض أية ممارسات دكتاتورية تسلطية أو ما شابه من قيم ومبادئ أضرت طويلا بشعبنا وبحركته الوطنية...

ولأجل تحقيق كل هذه المهام والمسؤوليات ينبغي عدم الركون إلى الدعوات المتكاسلة التي تكتفي بالكلمات ولا تُقدَّم إلا للتهرب من مسؤولية العمل الجدي بمعنى لابد من العمل الراسخ من أجل أوسع تحالف تحت مسمى "العراق أولا" أو "العراق الآن" أو "التحالف الوطني الديموقراطي" وحتى يتحقق مثل هذا التحالف العريض لابد للقوى القريبة من بعضها أن تبدأ نواتات للتحالف الواسع بخاصة القوى الديموقراطية وقوى اليسار والتنوير...

إنَّ تهيئة الرأي العام لأخذ دوره كاملا في تقرير مسائل المسيرة الديموقراطية ومؤسساتها والفديرالية يظل الأرضية الأكثر مناسبة لتحقيق عراقنا الجديد المستقر عراق ديموقراطي تعددي فديرالي موحد.. وتلك هي حلقة عملنا السياسي المباشرة اليوم...