حكومة سلطة الاستقلال والجمعية الوطنية

الدكتور تيسير عبدالجبار الآلوسي

أكاديمي ومحلّل سياسي \ ناشط في حقوق الإنسان

           2004\  05 \ 24

E-MAIL:  tayseer54@maktoob.com

 

يقترب يوم تسلـّم السلطة من قوات التحالف ويقترب يوم إعلان حكومة السيادة الوطنية. ولملابسات كثيرة ليس من المتوقع أنْ تنتهي حالة وجود القوات الأجنبية سواء منها التحالف أم متعددة الجنسية أم بإشراف الأمم المتحدة. وليس الإشكالية التي يريد هذا المقال مناقشتها موضوعة الشرعية في وجود تلك القوات أم لا.. وهي قضية فيها كثير من الجدل وكثير من الحق والصواب في التعامل مع واقع الحال الراهن...

وما يريد المقال مناقشته هنا هو وجود حكومة سيادة أو حكومة سلطة الاستقلال وشروط توسيع تركيبتها والعمل عبرها بطريقة مقبولة. إذ ليس من الصحيح ولا بوارد القبول وجود حكومة من مئات الأشخاص لكي تكون ممثلة للطيف العراقي ولا حتى من عشرات! وليس من الطبيعي أنْ تعمل حكومة سيادة من غير مؤسسات الدولة السيادية.. فلا رئاسة ومؤسستها ولا برلمان أو جمعية وطنية وهيكلها ولجانها وتكويناتها اللازمة..

إذن سيكون من الواجب لوجود حكومة السيادة الوطنية أو حكومة الانتماء لدولة القانون أنْ يكون موجودا فوقها جمعية وطنية واسعة تتمثل فيها أوسع قطاعات التكوين الوطني ليس من منطلق المحاصصة التقليدية التي جرى التعامل معها طوال السنة المنصرمة ولكن من منطلق الاعتبارات الموضوعية التي تمثل فئات الشعب العراقي تمثيلا موضوعيا صائبا وليس مفتعلا على وفق منطق أحزاب الطائفية وفلسفتها الفكرية ..

إذ لـِمَ لا يكون التمثيل على وفق منطق يخرج عن فلسفات الأحزاب التي تفرض نفسها على الشعب وفئاته العريضة وتصادر حرياته الديموقراطية وحقوقه بحجج وذرائع شتى أخطرها تلك المتعلقة بفرض توصيف مسبق على الشعب بل وجعله التوصيف الأزلي بالغاء كل تاريخ الحضارة وتصويرها بصفة واحدة هي حالة طائفية ما شهدها وادي الرافدين حتى  في أتعس عهوده وأبديا بما يصادر لا حق الشعب حاضرا بل وحق الأجيال القادمة في اختيارها ما تريد من التشريعات والاعتقادات والتصورات!!

وعليه فلابد من العودة إلى الصيغة التوفيقية التي منعت لطرف أنْ يعود بالعراق إلى عهود التفكير التقسيمي التشطيري الذي يصادر وحدة العراق ومن ثمَّ سيادته عبر شرذمته وتفتيته في تشكيلات الطوائف أولا وتاليا في إخضاعه لسلطة أحزاب الطوائف بل أحزاب تستغل الطوائف نفسها  وتوظفها لخدمة سرقة الحياة من أبناء المحبة والسلام والتوحد في مجتمع التمدن والتحضر..

ولابد من تشكيل حكومة السيادة على أسس الكفاءة والشخص المناسب في الموضع المناسب وليس على أساس محاصصة الطوائف الحزبية فالأحزاب ليست فوق الشعب بل بعده وفلسفتها ليست فلسفة الشعب الأزلية الأبدية ومن المستحيل أنْ تكون كذلك ولكن ما ليس مستحيلا أنْ تفرض الظروف الراهنة أشكالا من التمثيل التي لا يجب الاستمرار بها بقدر ما يجري التعامل مع وجودها المؤقت في خدمة التدرّج في التقدم بالمسيرة إلى الأمام..

إنما الأهمية المنتظرة في مصداقية التمثيل هو في وجود الرقيب التشريعي أو الرقيب الشعبي الأوسع المعبَّر عنه بجمعية وطنية يترشح فيها مجموع ممثلي القوى الوطنية المؤمنة بمسيرة ديموقراطية سلمية بمعنى ألا يجري التعاطي مع إدخال كل قوة موجودة في الساحة بغض النظر عن الأحجام وعن وسائل عملها طوال الأشهر المنصرمة..

فنحن لا نستطيع تحقيق الديموقراطية بأوسع إمكاناتها وأفضل صورها قفزة واحدة وبسياسة الطفرة.. وعليه فليس من المقبول الحديث عن إدخال جميع القوى بخاصة منها تلك التي مارست الضغط المسلح ذي الجوهر الإرهابي بذريعة تسيِّيس تلك القوى وضمِّها إلى العملية الديموقراطية وتجنيب المسيرة مصاعب وجودها خارجها...

فالمنطق والخبرة التاريخية يقولان بأنَّ مثل هذه المشاركة لن تغيِّر الطبيعة الحقيقية لتلك القوى التخريبية بين يوم وليلة وكذلك ستفسح المجال لشرعنة أعمالها التدميرية ومنحها الفرص الواسعة لعرقلة المسيرة وتفجيرها من الداخل. ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين.. فلا تحالفات ولا نيات حسنة بكافية لتغيير جوهر قوة يقوم وجودها على سرقة حيوات المواطنين ليطلع في رأس أحدهم أنَّها يمكن أنْ تساهم في البناء...

فبأيِّ شئ يمكنها أنْ تساهم؟ وماذا يمكن أنْ نسند إليها من أنشطة وجلّ تلك القوى الإرهابية من صِبية الشوارع عديمي الخبرة والتعليم ولا يملكون حتى أنْ يكونوا أعضاء جيش وطني لأنَّ خبرة العصابات وجرائم التفجير والقتل ليست الخبرات التي يحتاجها الجيش الوطني...

طيب, وما ضمانات منع أعمالها التخريبية؟ ليس من ضمان لذلك إلا عودة أعضاء تلك المجموعات أو العصابات أو حتى المنظمات والتشكيلات إلى المجتمع بوصفهم أفرادا ينتمون إليه لا بوصفهم عصابة أو تنظيما لأنَّ بقاءهم التنظيمي هو تأكيد لعدم تغيِّرهم وثباتهم على مبادئ التخريب..

من هنا كان أول عوامل تشكيل الجمعية الوطنية وتطهير المسيرة من عقبات خطيرة يكمن في تجنيب سياسة القفزات أوالطفرات العريضة بالاعتقاد أننا ندخل الديموقراطية بأفضل صورها وأكملها وعليه لابد من إبعاد مثل هذه الجماعات عن المسيرة بوضوح ومنع دخولها الجمعية الوطنية في أولى خطواتها..

وبعد ذلك ليس من مشكل في انتماء جميع القوى السياسية  للمساهمة الجدية في العمل الجديد وفي مراقبة الحكومة وأنشطتها وتوجيهها إيجابيا في بناء الحياة الديموقراطية القويمة. ونزع أيّ فتيل لاشتعال ما يترتب على أخطاء البدايات في كل شئ بخاصة ونحن لم ننتهِ بعدُ من عقود طويلة جدا من الدكتاتورية المطلقة ومن بقاياها...

أما مهمة الجمعية الوطنية الأولى فلن تكون رقابية فحسب بل هي مهمة التأسيس الفعلي للحياة التعددية التداولية وللجوهر الديموقراطي السلمي لهذه المرحلة من تاريخ شعبنا وبلادنا. ومن الطبيعي أنْ تكون عملية التأسيس تلك عملية بنـّاءة صحيحة حيثما توافرت لها شروط النجاح..

ومن شروط نجاحها اتساعها للطيف العراقي التقليدي العتيد والجديد الوليد. من هنا كان عدد أعضاء الجمعية إشكالية مهم التوافق عليها وقد يكون من الضروري وصول العدد إلى الــ (500) كرسي وجب أنْ يكون نسبة النساء بينهم بحدود الــ (200) كرسي وألا يقل عدد المشاركين من العراقيين من أبناء المنافي والمهاجر عن المائة كرسي بسبب من وجود نسبة عراقيين في الخارج ما زالت الحكومات والأمم المتحدة تنتظر الفرصة السانحة لإعادتهم القسرية فضلا عن حقهم بوصفهم عراقيين ولهم صلاتهم التاريخية والراهنية وارتباط مستقبلهم وأوضاعهم بمستقبل بلادهم  ومتغيراتها القائمة...

وقد يكون من الجائز التوسع بالعدد ولكنه لا ينبغي أنْ يذهب أبعد من الــ (600) كرسي في الجمعية الوطنية لما للاتساع من خلق وضع فضفاض غير مناسب للعمل وتركيزه ومعالجته بموضوعية وصواب توجه.. ولكنه ليس من الصحيح تخفيض العدد عن الـ(300) مثلا بسبب من مشكلات التمثيل من جهة ومن مشكلات مشاركة أوسع طيف عراقي من جهة أخرى وكذلك بسبب من الطبيعة النوعية التأسيسية للجمعية الوطنية الأولى وكونها لا تقوم على الانتخاب ما يجعل من الضروري الالتزام بمسألة التوسع بعدد الأعضاء...

ومن الضروري هنا التوكيد على مسألة عضوية عراقيي المنفى والشتات لأنَّ ذلك سيكون وسيلة لتوظيف طاقاتهم وربطهم بالوطن وفتح آليات التعاطي مع الجاليات العراقية عندما يتحقق استقرار كثير منهم في المهاجر فيكون من الضروري اعتماد أهمية وجودهم في دعم مسيرة إعادة الإعمار عبر منافذ لا حصر لها.. بينما سيكون إهمالهم وتجاوزهم مرة أخرى دعما لمنطلقات سلبية يخسر فيها العراق أعز ثروة أنتجها طوال عقود من الزمن وجرى إبعادها في ظل سلطة تدمير البلاد المهزومة.. وليس صائبا الاستمرار في التعاطي السلبي مع خيرة كوادر بلادنا..

وبالعودة إلى تشكيل الجمعية الوطنية سنجد أنَّها لا ينبغي أنْ تتشكل على أساس ترشيح الأحزاب والوى الاجتماعية لكائن من كان لمجرد عضويته في حزب بل على تلك القوى جميعا أنْ تختار خبراء وكوادر وأساتذة ووجهاء العقل العراقي الاجتماعي والسياسي والقانوني والاقتصادي..

أما إذا ما دُفِع الساسة بخاصةمنهم  الجدد ممن ليس لهم حتى الحنكة السياسية وخبرتها الطويلة فإنّنا سنضع مستقبلنا على أكف العفاريت الذين سيؤسِّسون لا الجمعية الوطنية بل ضوابط مستقبل العراق.. وليس هذا مما ينبغي المرور عليه سريعا. لذا كان من الصائب التفاعل بين القوى الحية في مجتمعنا والتوجه لخبرات مجتمعنا لتمثيل أطراف العلاقة السياسية في الجمعية الوطنية كل من منطلقات تركيزه في برامجه على ما يراه المنطلق في إعادة الإعمار..

فأحزاب البيئة والخضر وما شابه على سبيل المثال لا الحصر عليها دفع خبراء متخصصين وأكاديميين إلى الجمعية الوطنية وليس من الصحيح أنْ تأتينا بشبيبة لم تدخل السياسة إلا في السنة الأخيرة ونحن إذ نقف مع المساهمة الفاعلة للشبيبة في البناء لا نجد من الصواب أن نعوِّل في التمثيل الشعبي وفي التأسيس لقوانين العراق على عناصر لا تمتلك الخبرات القانونية والاقتصادية والاجتماعية..

لابد إذن من جمعية وطنية متينة جدية حقيقية تمثل العقل العراقي لا العواطف والطقوس والطوائف لأننا بحاجة لجمعية تؤسس للانتقال إلى أوضاع مستقرة ولا تستطيع جمعية هزيلة أو فيها ما ينقصها من عوامل وجودها وكينونتها أنْ تنهض بالمهمة التاريخية التي تكتنفها عراقيل شتى ولكنها عراقيل يمكن تجاوزها بالتأسيس الصحيح لجمعية وطنية قوية.. وهو المنتظر من قوى شعبنا عامة حيث تتابع القوى الحية الموجودة في الساحة العراقية ومساهمتها فيها وليتم الاتصال اليوم قبل الغد بكل مؤسسات العراقيين المنتشرة في الداخل والخارج من دون استثناءات إلا ما كان من قوى تؤسس لنفسها طريق التخريب ومعاداة مصالح شعبنا وبلادنا..

 

خاص بإيلاف \ أصداء    www.elaph.com