الغناء العراقي

 الحلقة الأولى

المقام العراقي

 

إنَّ أبرز صيغ الغناء العراقي هو المقام العراقي النابع من تراث المدينة؛ ففي المدينة تنشأ الصيغ الفنية والآلات الموسيقية وتستمر لتصبح جزءاَ َ من الحياة عبر العصور المتعاقبة يتوارثها الشعب من جيل لجيل، لأصالتها وثبات أصولها المتأتية من تراث الأمس على الرغم ممّا يحدث من تغيّر في نمط الحياة من النواحي السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها.

إنَّ مدن بغداد والموصل وكركوك هي أهم المراكز لقراءة المقامات العراقية، والمقامات عبر السنين ظلت متفاعلة مع العوائل الحضارية المتنوعة في المنطقة؛ حيث تقاربت الحضارات وتفاعلت إيجابياَ َ، وأعطت أشكالاَ َ مختلفة تنسجم مع البيئة التي جاء منها بوصفها نتاجا يصطبغ بالإنسان الذي أبدعها مجسِّدا في إبداعه سمات بيئته المخصوصة...

لقد سُمِّي هذا النوع من الغناء (المقام) لمكانته الفنية العالية، حيث يجمع بين اللحن الراقي والكلمة السامية؛ وسُمِّي مؤدّي المقام (قارئ المقام) حيث أنَّ أداء المقام له طريقة خاصة مميزة يُسقِط عليها المتخصصون المهابة والاحترام..

إنَّ المقامات العراقية كثيرة وتنقسم على نوعين:ـ الأول منهما هو المقام الكبير وهو يُقرأ بالشعر العربي الفصيح ومن دون إيقاع موسيقي يشكل حدَّا يعتمد على الارتجال، ولكن من قواعد موسيقية ثابتة؛ أما الثاني فيُسمَّى المقام الصغير وهو يُقرأ باللغة المحلية الدارجة ويرافقها أحيانا إيقاع موسيقي...

عند انتهاء القارئ من قراءة المقام تُقدَّم مباشرة أغنية تُسمَّى (البستة) ملحَّنة من السلَّم الموسيقي المقامي الذي غنَّاه القارئ.. وهي مكوَّنة في إيقاعها بأشكال مختلفة من الأوزان الموسيقية فمنها رباعية الإيقاع ومنها خماسية ومنها إيقاعات أخرى يرد ذكرها لاحقا..

ويرافق قارئ المقام الفرقة الموسيقية التي تُسمَّى (الجالغي البغدادي) وهي مؤلَّفة من عازفي الآلات الآتية: آلة السنطور وآلة الجوزة والطبلة والرق (الدف) والنَّقارة.. ويجب أنْ تكون أصوات العازفين جميلة لأنَّه في أكثر الأحيان يكون غناء البستة على عاتقهم لأنَّ صعوبة أداء المقام العراقي لا يعطي مجالا كافيا لقارئ المقام أنْ يغني البستة مباشرةَ َ، لذلك وجب أنْ يكون الجالغي البغدادي هو الأساس في مرافقة قارئ المقام ..

ومن الجدير بالذكر نلاحظ مع كل الأسف أنَّ بعض قراء المقام يترفعون على آلتي الجوزة والسنطور ويستبدلونها بالقانون والكمان الغربي [لأسباب مختلفة] مع كل احترامي لهاتين الآلتين العربية والغربية؛ فروحية المقام العراقي تُعزَف على آلتي الجوزة والسنطور...

وأنا أعدّ غناء المقام بالشكل الذي يُقدَّم حاليا مع الآلات الغربية مثل الكمان والأورغن هو تشويه لصورة المقام؛ علما أن المقام له خصوصيات أخرى أهمها إضفاء الطقوسية المميزة له مثل ارتداء الملابس التراثية المعروفة أو التقليدية الخاصة التي تعكس الصورة الحقيقية أو الشكلية أثناء أداء المقام ليكتمل شكل المقام وأدائه بجميع جوانبه..

في الحلقة القادمة سنقدم أبرز قارئي المقام العراقي وأماكن غناء المقام في بغداد وأسماء المقامات الرئيسة والفرعية منها ونماذج من الأشعار والقصائد التي يُغنى بها كلا النوعين من المقام العراقي..

 

الفنان

وسام أيوب العزاوي

رئيس اتحاد الموسيقيين العراقيين في أوروبا

للاتصال والاستفسار

Wesam60@hotmail.com

 

ملاحظة من ألواح سومرية معاصرة:

يُذكر أنَّ هذه الحلقات التي يكتبها الفنان العزاوي كان قد ألقاها في محاضرات سابقة في جامعة طوكيو وفي الأكاديمية الأردنية للموسيقا على هامش مهرجان الفحيص في الأردن وفي معهد الموسيقا بتونس وجامعة هارفارد في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية...